Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 8, Ayat: 42-42)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ إِذْ أَنتُمْ } بدل من { يَوْمَ ٱلْفُرْقَانِ } [ الأنفال : 41 ] ، أو ظرف لمحذوف ، أي : اذكروا إذ أنتم يا معشر المؤمنين { بِالْعُدْوَةِ ٱلدُّنْيَا } يعني : بشفير الوادي الأدنى من المدينة ، { وَهُم } يعني المشركين ، أبا جهل وأصحابه { بِٱلْعُدْوَةِ ٱلْقُصْوَىٰ } أي : البُعْدَى عن المدينة ، مما يلي مكة { وَٱلرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنكُمْ } أي : العير التي فيها أبو سفيان ، بما معه من التجارة التي كان الخروج لأجلها ، أسفل من موضع المؤمنين إلى ساحل البحر على ثلاثة أميال من ( بدر ) . لطيفة قال الزمخشريّ : فإن قلت : ما فائدة هذا التوقيت ، وذكر مراكز الفريقين ، وأن العير كانت أسفل منهم ؟ قلت : الفائدة فيه الإخبار عن الحال الدالة على قوة شأن العدوّ وشوكته ، وتكامل عدته ، وتمهّد أسباب الغلبة له ، وضعف شأن المسلمين ، والتياث أمرهم ، وأن غلبتهم في مثل هذه الحال ، ليست إلا صنعاً من الله سبحانه ، ودليلاً على أن ذلك أمر لم يتيسر إلا بحوله وقوته ، وباهر قدرته ، وذلك أن العدوة القصوى التي أناخ بها المشركون ، كان فيها الماء ، كانت أرضاً لا بأس بها . ولا ماء بالعدوة الدنيا ، وهي خَبَارٌ ( ما لان من الأرض واسترخى ) تسوخ فيه الأرجل ، ولا يمشي فيها إلا بتعب ومشقة . وكانت العير وراء ظهور العدوّ ، مع كثرة عددهم ، فكانت الحماية دونها تضاعف حميّتهم ، وتشحذ في المقاتلة عنها نياتهم ؛ ولهذا كانت العرب تخرج إلى الحرب بظعنهم وأموالهم ، ليبعثهم الذبّ عن الحريم ، والغيرة على الحرب ، على بذل جُهَيْدَاهم في القتال ، وألا يتركوا وراءهم ما يحدّثون أنفسهم بالإنحياز إليه فيجمع ذلك قلوبهم ، ويضبط هممهم ، ويوطن نفوسهم ، على ألا يبرحوا موطنهم ، ولا يُخْلُوا مراكزهم ، ويبذلوا منتهى نجدتهم ، وقصارى شدتهم ، وفيه تصوير ما دبّر سبحانه من أمر وقعة بدر ، ليقضي أمراً كان مفعولاً ، من إعزاز دينه ، وإعلاء كلمته ، حين وعد المسلمين إحدى الطائفتين ، مبهمة غير مبينّة ، حتى خرجوا ليأخذوا العير ، راغبين في الخروج ، وشخص بقريش مرعوبين مما بلغهم من تعرّض رسول الله صلى الله عليه وسلم لأموالهم ، حتى نفروا ليمنعوا عيرهم ، وسبب الأسباب ، حتى أناخ هؤلاء بالعدوة الدنيا ، وهؤلاء بالعدوة القصوى ، ووراءهم العير يحامون عليها ، حتى قامت الحرب على ساق ، وكان ما كان ، انتهى . قال الناصر في ( الإنتصاف ) : وهذا الفصل من خواص حسنات الزمخشري ، وتنقيبه عن أسرار الكتاب العزيز . وقوله تعالى : { وَلَوْ تَوَاعَدتُّمْ لاَخْتَلَفْتُمْ فِي ٱلْمِيعَادِ } أي : ولو تواعدتم أنتم وأهل مكة على موعد تلتقون فيه للقتال ، لخالف بعضكم بعضاً ، فثبطكم قلتكم وكثرتهم ، على الوفاء بالموعد ، وثبطهم ما في قلوبهم من تهيّب رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين ، فلم يتفق لكم من التلاقي ما وفقه الله وسبب له . قاله الزمخشريّ . وفي حديث كعب بن مالك قال : إنما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون يريدون عير قريش ، حتى جمع الله بينهم وبين عدوّهم على غير ميعاد . وروى ابن جرير عن عمير بن إسحاق قال : أقبل أبو سفيان في الركب من الشام ، وخرج أبو جهل ليمنعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، فالتقوا ببدر ، ولا يشعر هؤلاء بهؤلاء ولا هؤلاء بهؤلاء ، حتى التقى السقاة ، وشهد الناس بعضهم إلى بعض . { وَلَـٰكِن لِّيَقْضِيَ ٱللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً } أي : ولكن جمع بينكم على هذه الحال على غير ميعاد ، ليقضي ما أراد من إعزاز الإسلام وأهله ، وإذلال الشرك وأهله ، من غير ملأ منكم . وقوله : { كَانَ مَفْعُولاً } أي : حقيقاً بأن يفعل . وقيل : { كَانَ } بمعنى ( صار ) ، أي صار مفعولاً ، بعد أن لم يكن . وقيل : إنه عبر به عنه لتحققه حتى كأنه مضى . وقوله تعالى : { لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَىٰ مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ } أي : إنما جمعكم مع عدوّكم في مكان واحد على غير ميعاد ، لينصركم عليهم ، ويرفع حجة الحق على الباطل ، ليصير الأمر ظاهراً ، والحجة قاطعة ، والبراهين ساطعة ، ولا يبقى لأحد حجة ولا شبهة ، فحينئذ يهلك من هلك ، أي : يستمر في الكفر من استمر فيه على بصيرة من أمره ، أنه مبطل لقيام الحجة عليه ، ويؤمن من آمن عن حجة وبصيرة ويقين ، بأنه دين الحق ، الذي يجب الدخول فيه ، والتمسك به . وذلك أن ما كان من وقعة ( بدر ) ، من الآيات الغرّ المحجّلة ، التي من كفر بعدها ، كان مكابراً لنفسه ، مغالطاً لها . لطائف الأولى : قوله تعالى : { لِّيَهْلِكَ } بدل من : { لِّيَقْضِيَ } أو متعلق بـ { مَفْعُولاً } . الثانية : الحياة والهلاك استعارة للكفر والإسلام ، وقرئ ( ليهلَك ) بفتح اللام . الثالثة : { حَيَّ } يقرأ بتشديد الياء ، وهو الأصل ؛ لأن الحرفين متماثلان متحركان ، فهو مثل شدّ ومدّ ، ومنه قول عَبيدة بن الأبرص : @ عَيُّوا بأمرِهِمُ كَمَا عَيَّتْ بِبْيضَتِهَا الحمامَهْ @@ ويقرأ بالإظهار ، وفيه وجهان : أحدهما : أن الماضي حمل على المستقبل ، وهو ( يحيا ) ، فكما لم يدغم في المستقبل ، لم يدغم في الماضي ، وليس كذلك شدّ ومدّ ، فإنه يدغم فيهما جميعاً . والوجه الثاني : أن حركة الحرفين مختلفة ، فالأولى مكسورة ، والثانية مفتوحة ، واختلاف الحركتين ، كاختلاف الحرفين ، ولذلك أجازوا في الاختيار : لححت عليه ، وضبب البلد ، إذا كثر ضبه ، ويقوي ذلك أن الحركة الثانية عارضة ، فكأن الياء الثانية ساكنة ، ولو سكنت لم يلزم الإدغام ، وكذلك إذا كانت في تقدير الساكن ، والياآن أصل ، وليست الثانية بدلاً من ( واو ) ، فأما الحيوان ، فـ ( الواو ) فيه بدل من ( الياء ) . وأما الحواء ، فليس من لفظ ( الحية ) ، بل من ( حوى يحوى ) إذا جمع - قاله أبو البقاء . { وَإِنَّ ٱللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ } أي : بكفر من كفر وعقابه ، وإيمان من آمن وثوابه . وقوله تعالى : { إِذْ يُرِيكَهُمُ ٱللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيراً لَّفَشِلْتُمْ … } .