Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 8, Ayat: 44-44)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ ٱلْتَقَيْتُمْ فِيۤ أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً } وذلك تصديقاً لرؤيا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وليعاينوا ما أخبرهم به ، فيزداد يقينهم ، ويجدّوا ، ويثبتوا . قال ابن مسعود رضي الله عنه : لقد قللوا في أعيينا حتى قلت لرجل إلى جنبي : أتراهم سبعين ؟ قال : أراهم مائة ! فأسرنا رجلاً منهم ، فقلنا له : كم كنتم ؟ قال : ألفاً ! - رواه ابن أبي حاتم وابن جرير . { وَيُقَلِّلُكُمْ فِيۤ أَعْيُنِهِمْ } أي : في اليقظة ، حتى قال أبو جهل : إن محمداً وأصحابه أكَلَة جَزُورٍ ، مثل في القلة ، كـ ( أكلة رأس ) ، أي : أنهم لقلتهم يكفيهم ذلك . و ( أكلة ) بوزن ( كتبه ) ، جمع آكل ، بوزن فاعل ، والجزور الناقة ، كذا في ( العناية ) . { لِيَقْضِيَ ٱللَّهُ أَمْراً } أي : من إظهار الخوارق الدالة على صدق دين الإسلام ، وكذب دين الكفر . { كَانَ مَفْعُولاً } أي : كالواجب فعله على الحكيم ، لما فيه من الخير الكثير . قاله المهايميّ . لطائف الأولى : قال الزمخشريّ : فإن قلت : الغرض في تقليل الكفار في أَعْيَن المؤمنين ظاهر ، فما الغرض في تقليل المؤمنين في أعينهم ؟ قلت : قد قللهم في أعينهم قبل اللقاء ، ثم كثّرهم فيها بعده ، ليجترئوا عليهم ، قلة مبالاة بهم ، ثم تفجؤهم الكثرة ، فيبهتوا ويهابوا ، وتفلَّ شوكتهم ، حين يرون ما لم يكن في حسابهم وتقديرهم ، وذلك قوله : { يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ } [ آل عمران : 13 ] ولئلا يستعدوا لهم ، وليعظم الإحتجاج عليهم باستيضاح الآية البينة من قلتهم أولاً وكثرتهم آخراً . الثانية : قال الزمخشريّ أيضاً : فإن قلت : بأي طريق يبصرون الكثير قليلاً ؟ قلت : بأن يستر الله عنهم بعضه بساتر ، أو يحدث في عيونهم ما يستقلون به الكثير ، كما أحدث في أَعْيَن الحُولِ ما يرون به الواحد اثنين . قيل لبعضهم : إن الأحول يرى الواحد اثنين - وكان بين يديه ديك واحد - فقال : مالي لا أرى هذين الديكين أربعة ؟ انتهى . قال الناصر في ( الإنتصاف ) : وفي هذا - يعني كلام الزمخشريّ - دليل بيّن على أن الله تعالى هو الذي يخلق الإدراك في الحاسة ، غير موقوف على سبب من مقابلة ، أو قرب ، أو ارتفاع حجب ، أو غير ذلك ، إذا لو كانت هذه الأسباب موجبة للرؤية عقلاً ، لما أمكن أن يستر عنهم البعض ، وقد أدركوا البعض ، والسبب الموجب مشترك . فعلى هذا يجوز أن يخلق الله الإدراك مع اجتماعها ، فلا ربط إذن بين الرؤية ونفيها في مقدرة الله تعالى ؟ وهي رادّة على القدرية المنكرين لرؤية الله تعالى ، بناءاً على اعتبار هذه الأسباب في حصول الإدراك عقلاً ، وأنها تستلزم الجسمية ، إذ المقابلة والقرب وارتفاع الحجب إنما تتأتى في جسم . فهذه الآية حسبهم في إبطال زعمهم ، ولكنهم يمرون عليها وهم عنها معرضون . والله الموفق . الثالثة : لا يقال : إن قوله تعالى : { لِيَقْضِيَ اللّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً } مكرر مع ما سبق . لأنّا نقول : إن المقصود من ذكره أولاً هو اجتماعهم بلا ميعاد ليحصل استيلاء المؤمنين على المشركين ، على وجه يكون معجزة دالة على صدقه صلى الله عليه وسلم ، والمقصود منه هاهنا بيان خارق آخر ، وهو تقليلهم في أَعْيَن المشركين ، ثم تكثيرهم للحكمة المتقدمة . وفي قوله تعالى : { وَإِلَى ٱللَّهِ تُرْجَعُ ٱلأُمُورُ } تنبيه على أن أحوال الدنيا غير مقصودة لذواتها ، وإنما المراد منها ما يصلح أن يكون زاداً ليوم المعاد . ثم أرشد تعالى عباده المؤمنين إلى آداب اللقاء في ميدان الوغى ، ومبارزة الأعداء ، بقوله سبحانه : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَٱثْبُتُواْ وَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ … } .