Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 8, Ayat: 51-51)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ ذٰلِكَ } إشارة إلى ما ذكر من الضرب والعذاب { بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ } أي : ما كسبتم من الكفر والمعاصي { وَأَنَّ ٱللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّٰمٍ لِّلْعَبِيدِ } أي : بأن يأخذهم بلا جرم . فإن قيل : ما سر التعبير بـ { بِظَلَّٰمٍ } بالمبالغة ، مع أن نفي نفس الظلم أبلغ من نفي كثرته ، ونفي الكثرة لا ينفي أصله ، بل ربما يشعر بوجوده ، وبرجوع النفي للقيد ؟ وأجيب بأجوبة : منها : أنه نفي لأصل الظلم وكثرته ، باعتبار آحاد من ظلم ، كأنه قيل : ظالم لفلان ولفلان وهلم جراً ، فلما جمع هؤلاء عدل إلى ( ظلام ) لذلك ، أي : لكثرة الكمية فيه . ومنها : أنه إذا انتفى الظلم الكثير ، انتفى الظلم القليل ؛ لأن من يظلم ، يظلم للإنتفاع بالظلم ، فإذا ترك كثيره ، مع زيادة نفعه في حق من يجوز عليه النفع والضر ، كان لقليله مع قلة نفعه أكثر تركاً . ومنها : أن ( ظلاماً ) للنسب ، كـ ( عطار ) ، أي : لا ينسب إليه الظلم أصلاً . ومنها : أن كل صفة له تعالى في أكمل المراتب ، فلو كان تعالى ظالماً ، كان ظلاماً ، فنفى اللازم ، لنفي الملزوم . ومنها : أن نفي ( الظلام ) لنفي الظالم ، ضرورة أنه إذا انتفى الظلم انتفى كماله ، فجعل نفي المبالغة كناية عن نفي أصله ، انتقالاً من اللازم إلى الملزوم . ومنها : أن العذاب من العظم بحيث ، لولا الإستحقاق ، لكان المعذب بمثله ظلاماً بليغ الظلم متفاقمه ، فالمراد تنزيهه تعالى ، وهو جدير بالمبالغة . وأيضاً : لو عذب تعالى عبيده بدونه استحقاق وسبب ، لكان ظلماً عظيماً ، لصدوره عن العدل الرحيم . كذا في ( العناية ) . وفي صحيح مسلم عن أبي ذرّ رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أن الله تعالى يقول : إني حرمت الظلم على نفسي ، وجعلته بينكم محرماً ، فلا تظالموا ، يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ، فمن وجد خيراً فليحمد الله ، ومن وجد غير ذلك فلا يلومنّ إلا نفسه " والحديث طويل جليل ، معروف ، عن المحدثين ، بالحديث المسلسل بالدمشقيين . ثم بين تعالى أن سير المشركين المستمر ، وعادتهم الدائمة ، مع ما أرسل به النبيّ صلى الله عليه وسلم كان كسير الأمم السالفة مع رسلهم ، بقوله تعالى : { كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَفَرُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ فَأَخَذَهُمُ ٱللَّهُ … } .