Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 8, Ayat: 60-60)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَأَعِدُّواْ لَهُمْ } أي : لقتال ناقضي العهد السابق ذكرهم ، أو الكفار مطلقاً ، وهو الأنسب بسياق النظم الكريم { مَّا ٱسْتَطَعْتُمْ مِّن قُوَّةٍ } أي : من كل ما يتقوى به في الحرب من عددها ، أطلق عليه القوة مبالغة . قال الشهاب : وإنما ذكر لأنه لم يكن لهم في ( بدر ) استعداد تام ، فنبّهوا على أن النصر من غير استعداد لا يتأتى في كل زمان . { وَمِن رِّبَاطِ ٱلْخَيْلِ } ( الرباط ) في الأصل مصدر ربط ، أي : شدّ ، ويطلق بمعنى المربوط مطلقاً ، كثر استعماله في الخيل التي تربط في سبيل الله ، فالإضافة إما باعتبار عموم المفهوم الأصليّ ، أو بملاحظة كون الرباط مشتركاً بين معان أخر ، كانتظار الصلاة ، وملازمة ثغر العدوّ ، والمواظبة على الأمر ، فإضافته لأحد معانيه للبيان ، كـ ( عين الشمس ) ، ومنه يعلم أنه يجوز إضافة الشيء لنفسه إذا كان مشتركاً . وإذا كان من إضافة المطلق للمقيد ، فهو على معنى ( من ) التبعيضية . وقد يكون ( الرباط ) جمع ربيط ، كفصيل وفصال . قال في ( التاج ) : يقال : نعم الربيط هذا ، لما يرتبط من الخيل ، ثم إن عطفها على ( القوة ) مع كونها من جملتها ، للإيذان بفضلها على بقية أفرادها ، كعطف جبريل وميكائيل على الملائكة { تُرْهِبُونَ بِهِ } أي : تخوّفون بذلك الإعداد { عَدْوَّ ٱللَّهِ } وهو المثبت له شريكاً ، المبطل لكلمته { وَعَدُوَّكُمْ } أي : الذي يظهر عداوتكم ، فتخوفونهم لئلا يحاربوكم باعتقاد القوة في أنفسهم دونكم . تنبيه دلت هذه الآية على وجوب إعداد القوة الحربية ، إتقاءَ بأس العدوّ وهجومه . ولما عمل الأمراء بمقتضى هذه الآية ، أيام حضارة الإسلام ، كان الإسلام عزيزاً ، عظيماً ، أبيّ الضيم ، قويّ القنا ، جليل الجاه ، وفير السنا ، إذا نشر لواء سلطته على منبسط الأرض ، فقبض على ناصية الأقطار والأمصار ، وخضد شوكة المستبدين الكافرين ، وزحزح سجوف الظلم والإستعباد ، وعاش بنوه أحقاباً متتالية ، وهم سادة الأمم ، وقادة الشعوب ، وزمام الحول والطول ، وقطب رحى العز والمجد ، لا يستكينون لقوة ، ولا يرهبون لسطوة . وأما اليوم ، فقد ترك المسلمون العمل بهذه الآية الكريمة ، ومالوا إلى النعيم والترف ، فأهملوا فرضاً من فروض الكفاية ، فأصبحت جميع الأمة آثمة بترك هذا الفرض . ولذا تعاني اليوم من غصته ما تعاني . وكيف لا يطمع العدوّ بالممالك الإسلامية ، ولا ترى فيها معامل للأسلحة ، وذخائر الحرب ، بل كلها مما يشترى من بلاد العدوّ ؟ أما آن لها أن تنتبه من غفلتها ، وتنشئ معامل لصنع المدافع والبنادق والقذائف والذخائر الحربية ؟ فلقد ألقي عليها تنقص العدوّ بلادها من أطرافها درساً يجب أن تتدبره ، وتتلافى ما فرطت به ، قبل أن يداهم ما بقي منها بخيله ورجله ، فيقضي ، والعياذ بالله ، على الإسلام وممالك المسلمين ، لاستعمار الأمصار ، واستعباد الأحرار ، ونزع الإستقلال المؤذن بالدمار . وبالله الهداية . وقوله تعالى : { وَآخَرِينَ } أي : وترهبون قوماً آخرين { مِن دُونِهِمْ } أي : من دون من يظهر عداوتكم ، وهم المنافقون { لاَ تَعْلَمُونَهُمُ } أي : أنهم يعادونكم { ٱللَّهُ يَعْلَمُهُمْ } أي : أنهم أعداؤكم ، يظهرون عداوتهم إذا رأوا ضعفكم . ثم شجعهم سبحانه على إنفاق المال في إعداد القوة ، ورباط الخيل ، مبشراً لهم بتوفية جزائه كاملاً ، بقوله تعالى : { وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } أي : الذي أوضحه الجهاد { يُوَفَّ إِلَيْكُمْ } أي : في الدنيا من الفيء والغنيمة والجزية والخراج ، وفي الآخرة بالثواب المقيم { وَأَنْتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ } أي : بترك الإثابة . تنبيهات الأول : هذه الآية أصل في كل ما يلزم إعداده للجهاد من الأدوات . الثاني : في قوله تعالى : { تُرْهِبُونَ بِهِ } إشارة إلى التجافي عن أن يكون الإعداد لغير الإرهاب ، كالخيلاء . وفي حديث الإمام مالك عن أبي هريرة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم : " الخيل ثلاثة : لرجل أجر ، ولرجل ستر ولرجل وزر . فأما الذي له أجر ، فرجل ربطها في سبيل الله ، ورجل ربطها تغنياً وتعففاً ، ولم ينس حق الله في رقابها ولا ظهورها ، فهي له ستر . ورجل ربطها فخراً ورياءً ونِواءً لأهل الإسلام ، فهي على ذلك وزر " . الثالث : ما ذكرناه في تأويل ( الآخرين ) من أنهم المنافقون ، يشهد له قوله تعالى : { وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِّنَ ٱلأَعْرَابِ مُنَٰفِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ ٱلْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى ٱلنِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ } [ التوبة : 101 ] . ثم بين تعالى جواز مصالحة الكفار بقوله : { وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَٱجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ إِنَّهُ هُوَ … } .