Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 8, Ayat: 63-63)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ } أي : جمع بين قلوبهم وكلمتهم ، بالهدى الذي بعثك الله به إليهم ، بعد ما كان فيها العصيبة والضغينة { لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً } أي : من الذهب والفضة { مَّآ أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ } إذ لا يدخل ذلك تحت قدرة البشر ، لكونه من عالم الغيب { وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ } أي : بين قلوبهم بدينه الذي جمعهم إليه { إِنَّهُ عَزِيزٌ } أي : غالب في ملكه وسلطانه على كل ظاهر وباطن { حَكِيمٌ } أي : فاقتضت حكمته ذلك ، لما فيه من تأييد دينه ، وإعلاء كلمته . قال الزمخشريّ رحمه الله تعالى : التأليف بين قلوب من بعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، من الآيات الباهرة ؛ لأن العرب لما فيهم من الحمية والعصبية ، والإنطواء على الضغينة في أدنى شيء ، وإلقائه بين أعينهم ، وإلى أن ينتقموا ، لا يكاد يأتلف منهم قلبان . ثم ائتلفت قلوبهم على اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واتحدوا ، وأنشأوا يرمون عن قوس واحدة ، وذلك لما نظم الله من ألفتهم ، وجمع من كلمتهم ، وأحدث بينهم من التحابّ والتوادّ ، وأماط عنهم من التباغض والتماقت ، وكلفهم من الحب في الله ، والبغض في الله ، ولا يقدر على ذلك إلا من يملك القلوب ، فهو يقلبها كما شاء ، ويصنع فيها ما أراد . وقيل : هم الأوس والخزرج ، كان بينهم من الحروب والوقائع ما أهلك سادتهم ورؤساءهم ، ودق جماجمهم ، ولم يكن لبغضائهم أمد ومنتهى . وبينهما التجاور الذي يهيج الضغائن ، ويديم التحاسد والتنافس . وعادة كل طائفتين كانتا بهذه المثابة أن تتجنب هذه ، ما آثرته أختها ، وتكرهه وتنفر عنه ، فأنساهم الله تعالى ذلك كله ، حتى اتفقوا على الطاعة ، وتصافوا وصاروا أنصاراً وعادوا أعواناً ، وما ذاك إلا بلطيف صنعه ، وبليغ قدرته . انتهى . وإنما ضعف القول الثاني لأنه ليس في السياق قرينة عليه . كذا في ( العناية ) . أقول : لكن شهرة ما كان بين هذين البطنين من التعادي الذي تطاول أمده ، واستحال قبل البعثة نضوب مائه ، يصلح أن يكون قرينة . ونقل علماء السيرة أن النبيّ صلى الله عليه وسلم ، لما لقي في الموسم الرهط من الخزرج ، ودعاهم إلى الله تعالى . فأجابوه وصدقوه ، قالوا له : إنا قد تركنا قومنا ، ولا قوم بينهم من العداوة والشر ما بينهم ، وعسى أن يجمعهم الله بك ، فسنقدم عليهم فندعوهم إلى أمرك ، ونعرض عليهم الذي أجبناك إليه من هذا الدين ، فإن يجمعهم الله عليه ، فلا رجل أعزُّ منك . رواه ابن إسحاق وغيره . وفي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خطب الأنصار في شأن غنائم ( حنين ) ، قال لهم : " يا معشر الأنصار ! ألم أجدكم ضلالاً فهداكم الله بي ؟ وعالة فأغناكم الله بي ، وكنتم متفرقين فألفكم الله بي ؟ " كلما قال شيئاً قال : الله ورسوله أمنّ . لطيفة روى الحاكم أن ابن عباس كان يقول : إن الرحم لتقطع ، وإن النعمة لتكفر ، وإن الله إذا قارب بين القلوب لم يزحزحها شيء . ثم يقرأ : { لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي ٱلأَرْضِ … } الآية . وعند البيهقيّ نحوه . وقال : ذلك موجود في الشعر : @ إذا بتّ ذو قربَى إليك بزلة فغشَّك واستغنى فليس بذي رُحْم ولكنّ ذا القربى الذي إن دعوتَه أجاب ، وأنْ يرمي العدوَّ الذي ترمي @@ قال : ومن ذلك قول القائل : @ ولقد صحبتُ الناس ثم سَبَرْتهم وبلوتُ ما وصلوا من الأسبابِ فإذا القرابة لا تقرّب قاطعاً وإذا المودة أقرب الأسبابِ @@ قال البيهقيّ : لا أدري هذا موصولاً بكلام ابن عباس ، أو هو قول مَن دونه مِن الرواة . قال الرازيّ : احتج أصحابنا بهذه الآية ، على أن أحوال القلوب من العقائد والإرادات ، كلها من خلق الله تعالى . وذلك لأن الألفة والمودة والمحبة الشديدة إنما حصلت بسبب الإيمان ، ومتابعة الرسول صلى الله عليه وسلم . انتهى . ولما بين تعالى كفايته لنبيه صلى الله عليه وسلم عند مخادعة الأعداء ، في الآية المتقدمة ، أعلمه بكفايته له في جميع أموره مطلقاً ، فقال تعالى : { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ حَسْبُكَ ٱللَّهُ وَمَنِ … } .