Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 83, Ayat: 29-31)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ إِنَّ ٱلَّذِينَ أَجْرَمُواْ } يعني : كفار قريش { كَانُواْ مِنَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ يَضْحَكُونَ } أي : استهزاءً بهم لإيمانهم بالله وحده وبما أوحاه إلى رسوله صلوات الله عليه ، ونبذهم ما ألْفَوْا عليه آباءهم . قال الإمام : الذين أجرموا هم المعتدون الأئمة الذين شَرِيَت نفوسهم في الشر ، وصَمّت آذانهم عن سماع دعوة الحق . هؤلاء كانوا يضحكون من الذين آمنوا . ذلك لأنه حين رحم الله هذا العالم ببعثة النبي صلى الله عليه وسلم ، كان كبار القوم وعرفاؤهم على رأي الدهماء وفي ضلال العامة . وكانت دعوة الحق خافتة لا يرتفع بها إلا صوته عليه السلام ، ثم يهمس بها بعض من يليه . ويجيب دعوته من الضعفاء الذين لم تطمس أهواؤهم سبيلَ الحق إلى قلوبهم فَيُسِرُّ بِهَا إلى من يرجوه ، ولا يستطيع الجهر بها لمن يخافه . ومن شأن القويّ المستعز بالقدرة والكثرة أن يضحك ممن يخالفه في المنزع ويدعوه إلى غير ما يعرفه ، وهو أضعف منه قوة وأقل عدداً . كذلك كان شأن جماعة من قريش ، كأبي جهل والوليد بن المغيرة والعاص بن وائل وأشياعهم . وهكذا يكون شأن أمثالهم في كل زمان متى عمت البدع ، وتفرقت الشيع وخفي طريق الحق بين طرق الباطل ، وجهل معنى الدين ، وأزهقت روحه من عباراته وأساليبه ، ولم يبق إلا ظواهر لا تطابقها البواطن ، وحركات أركان لا تشايعها السرائر وتحكمت الشهوات فلم تبق رغبة تحدو بالناس إلى العمل ، إلا ما تعلق بالطعام والشراب والزينة والرياش والمناصب والألقاب . وتشبثت الهمم بالمجد الكاذب . وأحب كل واحد أن يحمد بما لم يفعل . وذهب الناقص يستكمل ما نقص منه بتنقيص الكامل . واستوى في ذلك الكبير والصغير ، والأمير والمأمور ، والجاهل والملقب بلقب العالم . إذا صار الناس إلى هذه الحال ، ضعف صوت الحق وازدرى السامعون منهم بالداعي إليه . وانطبق عليهم نص الآية الكريمة . انتهى . { وَإِذَا مَرُّواْ } أي : الذين آمنوا { بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ } أي : يغمز بعضهم بعضاً استهزاءً وسخرية . والغمز : الإشارة بالجفن والحاجب . قال السيوطيِ : وفي هذا دلالة على تحريم السخرية بالمؤمنين ، والضحك منهم ، والتغامز عليهم { وَإِذَا ٱنقَلَبُوۤاْ } أي : هؤلاء المجرمون من مجالسهم { إِلَىٰ أَهْلِهِمُ ٱنقَلَبُواْ فَكِهِينَ } أي : متلذذين بالسخرية وحكاية ما يعيبون به أهل الإيمان . أو بما هم فيه من الشرك والطغيان والتنعم بالدنيا .