Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 88, Ayat: 17-20)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ أَفَلاَ يَنظُرُونَ إِلَى ٱلإِبْلِ كَيْفَ خُلِقَتْ } قال أبو السعود : استئناف مسوق لتقدير ما فصل من حديث الغاشية ، وما هو مبني عليه من البعث الذي هم فيه مختلفون ، بالاستشهاد عليه بما لا يستطيعون إنكاره . والهمزة للإنكار والتوبيخ . والفاء للعطف على مقدر يقتضيه المقام . وكلمة { كَيْفَ } منصوبة بما بعدها ، معلقة لفعل النظر . والجملة في حيز الجر على أنها بدل اشتمال من { ٱلإِبْلِ } أي : أينكرون ما ذكر من البعث وأحكامه ، ويستبعدون وقوعه من قدرة الله عز وجل ، فلا ينظرون إلى الإبل التي هي نصب أعينهم يستعملونها كل حين ، إلى أنها كيف خلقت خلقاً بديعاً معدولاً به عن سنن خلقة سائر أنواع الحيوانات ، في عظم جثتها وشدة قوتها وعجيب هيئتها اللائقة بتأتي ما يصدر عنها من الأفاعيل الشاقة ، كالنوء بالأوقار الثقيلة ، وجر الأثقال الفادحة إلى الأقطار النازحة . وفي صبرها على الجوع والعطش ، حتى أن أظماءها لتبلغ العشر فصاعداً . واكتفائها باليسير ، ورعيها لكل ما يتيسر من شوك وشجر وغير ذلك ، مما لا يكاد يرعاه سائر البهائم . وفي انقيادها مع ذلك للإنسان في الحركة والسكون والبروك والنهوض ، حيث يستعملها في ذلك كيفما يشاء ، ويقتادها بقطارها كل صغير وكبير . { وَإِلَى ٱلسَّمَآءِ } التي يشاهدونها كل لحظة بالليل والنهار { كَيْفَ رُفِعَتْ } أي : رفعت كواكبها رفعاً سحيق المدى ، وأمسك كل منها في مداره إمساكاً لا يختل سيره ولا يفسد نظامه { وَإِلَىٰ ٱلْجِبَالِ } أي : التي ينزلون في أقطارها { كَيْفَ نُصِبَتْ } أي : أقيمت منتصبة لا تبرح مكانها ، حفظاً للأرض من الميدان { وَإِلَى ٱلأَرْضِ } أي : التي يضربون فيها ويتقلبون عليها { كَيْفَ سُطِحَتْ } أي : بسطت ومهدت ، حسبما يقتضيه صلاح أمور ما عليها من الخلائق . قال الزمخشري : والمعنى : أفلا ينظرون إلى هذه المخلوقات الشاهدة على قدرة الخالق ، حتى لا ينكروا اقتداره على البعث ، فيسمعوا إنذار الرسول صلى الله عليه وسلم ويؤمنوا به ويستعدوا للقائه . لطيفة ذكر السكاكيّ في ( المفتاح ) في بحث الجامع الخياليّ ؛ أن جمعه على مجرى الإلف والعادة بحسب ما تنعقد الأسباب في استيداع الصور خزانة الخيال . وأنه إذا لم يوفه حقه من التيقظ وأنه من أهل المدر ، أنى يستحلى كلام رب العزة مع أهل الوبر ، حيث يبصرهم الدلائل ناسقاً ذلك النسق { أَفَلاَ يَنظُرُونَ إِلَى ٱلإِبْلِ كَيْفَ خُلِقَتْ } الآيات ، لبعد البعير عن خياله في مقام النظر ، ثم لبعده في خياله عن السماء ، وبعد خلقه عن رفعها . وكذا البواقي . لكن إذا وفاه حقه بتيقظه لما عليه تقلبهم في حاجاتهم ، جاء الاستحلاء . وذلك إذا نظر أن أهل الوبر ، إذا كان مطعمهم ومشربهم وملبسهم من المواشي ، كانت عنايتهم مصروفة لا محالة إلى أكثرها نفعاً ، وهي الإبل . ثم إذا كان انتفاعهم بها لا يتحصل إلا بأن ترعى وتشرب ، كان جل مرمى غرضهم نزول المطر ، وأهم مسارح النظر عندهم السماء ، ثم إذا كانوا مضطرين إلى مأوى يُؤويهم وإلى حصن يتحصنون فيه ولا مأوى ولا حصن إلا الجبال . @ لنا جبلٌ يحتلُّه مَن نجيرهُ منيعٌ يردُّ الطرفَ وهو كلِيلُ @@ فما ظنك بالتفات خاطرهم إليها ؟ ثم إذا تعذر طول مكثهم في منزل - ومَن لأصحاب مواش بذاك - كان عقد الهمة عندهم بالتنقل من أرض إلى سواها من عزم الأمور . فعند نظره هذا ، أيرى البدوي إذا أخذ يفتش عما في خزانة الصور له ، لا يجد صورة الإبل حاضرة هناك ، أو لا يجد صورة السماء لها مقارنة ، أو تعوزه صورة الجبال بعدهما ، أو لا تَنِصّ إليه صورة الأرض تليها بعدهن ؟ لا . وإنما الحضريّ ، حيث لم تتآخذ عنده تلك الأمور ، وما جمع خياله تلك الصور على ذلك الوجه وإذا تلا الآية قبل أن يقف على ما ذكرت ، ظن النسق بجهله معيباً ، للعيب فيه . انتهى .