Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 103-103)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ } أي : بعضها { صَدَقَةً } . قال المهايميّ : لتصدق توبتهم إذ { تُطَهِّرُهُمْ } أي : عما تلطخوا به من أوضار التخلف . وعن حب المال الذي كان التخلف بسببه { وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا } أي : عن سائر الأخلاق الذميمة التي حصلت عن المال . قال الزمخشريّ : التزكية مبالغة في التطهير وزيادة فيه ، أو بمعنى الإنماء والبركة في المال { وَصَلِّ عَلَيْهِمْ } أي : واعطف عليهم بالدعاء لهم وَترَحَّمْ { إِنَّ صَلَٰوتَك سَكَنٌ لَّهُمْ } أي : تسكن نفوسهم إليها ، وتطمئن قلوبهم بها ، ويثقون بأنه سبحانه قبِل توبتهم . وقال قتادة : { سَكَنٌ } ، أي : وقار . وقال ابن عباس : رحمة لهم . وقد روى الإمام أحمد عن حذيفة أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا دعا للرجل ، أصابته وأصابت ولده وولد ولده . وفي رواية : إن صلاة النبيّ صلى الله عليه وسلم لتدرك الرجل وولده وولد ولده . والجملة تعليل للأمر بالصلاة عليهم { وَٱللَّهُ سَمِيعٌ } أي : يسمع اعترافهم بذنوبهم ودعاءهم { عَلِيمٌ } أي : بما في ضمائرهم من الندم والغم ، لما فرط منهم . تنبيهات الأول : { تُطَهِّرُهُمْ } قرئ مجزوماً على أنه جواب للأمر ، وأما بالرفع ، فعلى أنه حال من ضمير المخاطب في { خُذْ } . أو صفة لـ { صَدَقَةً } والتاء للخطاب أو للصدقة . والعائد على الأول محذوف ثقة بما بعده ، أي : بها . وقرئ تُطْهِرهم ، من أطهره بمعنى طهّره - ولم يُقرأ : ( وتزكيهم ) إلا بإثبات الياء ، وهو خبر لمحذوف ، والجملة حال من الضمير في الأمر أو في جوابه ، أي : وأنت تزكيهم بها ، هذا على قراءة ( تطهرهم ) بالجزم . وأما على قراءة الرفع فـ { تُزَكِّيهِمْ } عطف على { تُطَهِّرُهُمْ } حالاً أو صفة . الثاني : قرئ { صَلاَتَك } بالتوحيد ، و ( صلواتك ) بالجمع ، مراعاة لتعدد المدعوّ لهم . وقال الشهاب : جمع ( صلاة ) لأنها إسم جنس ، والتوحيد لذلك ، أو لأنها مصدر في الأصل . الثالث : قال الشهاب : السكن السكون ، وما يسكن إليه من الأهل والوطن ، فإن كان المراد الأول ، فجعلها نفس السكن والاطمئنان مبالغة ، وهو الظاهر ، وإن كان الثاني فهو مجاز بتشبيه دعائه ، في الالتجاء إليه بالسكن ، انتهى . قال أبو البقاء : سكن بمعنى مسكون إليها ، فلذلك لم يؤنثه ، وهو مثل القبض بمعنى المقبوض . الرابع : قيل : المأمور به في الآية الزكاة . و ( من ) تبعيضية ، وكانوا أرادوا التصدق بجميع مالهم ، فأمره الله أن يأخذ بعضها لتوبته ؛ لأن الزكاة لم تقبل من بعض المنافقين ، فترتبط الآية بما قبلها . وقيل : ليست هذه الصدقة المفروضة ، بل هم لما تابوا ، بذلوا جميع مالهم كفارة للذنب الصادر منهم ، فأمره الله تعالى بأخذ بعضها وهو الثلث ، وهذا مرويّ عن الحسن ، وهو المختار عندهم . ونقل الرازيّ أن أكثر الفقهاء على أن هذه الآية كلام مبتدأ قصد به إيجاب أخذ الزكوات من الأغنياء ، إذ هي حجتهم في إيجاب الزكاة ، ثم نظر فيه بأن حملها على ما ذكروه يوجب ألا تنتظم الآية مع سابقها ولاحقها . وأقول : لا ريب في ارتباط الآية بما قبلها ، كما أفصحت عنه الرواية السابقة . وخصوصُ سببها لا يمنع عموم لفظها ، كما هو القاعدة في مثل ذلك ، ولذا رد الصدّيق رضي الله عنه على من تأول من بعض العرب هذه الآية ؛ أن دفع الزكاة لا يكون إلا للرسول صلوات الله عليه ؛ لأنه المأمور بالأخذ ، وبالصلاة على المتصدقين ، فغيره لا يقوم مقامه - وأمر بقتالهم ، فوافقته الصحابه ، وقاتلوهم حتى أدوا الزكاة إلى الخليفة ، كما كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . فاستدل من ذلك على وجوب دفع الزكاة إلى الإمام ، ومثله نائبه ، وهؤلاء المتأولون المرتدون غاب عنهم أن الزكاة إنما أوجبها الله تعالى سدّاً لحاجة المعدم ، وتفريجاً لكربة الغارم ، وتحريراً لرقاب المستعبَدين ، وتيسيراً لأبناء السبيل ، فاستلَّ بذلك ضغائن أهل الفاقة ، على من فضلوا عليهم في الرزق ، وأشعر قلوب أولئك محبة هؤلاء ، وساق الرحمة في نفوس هؤلاء على أولئك البائسين ، فالإمام لا خصوصية لذاته فيها ، بل لأنه يجمع ما يرد منها لديه ، فينفقها في سبلها المذكورة . الخامس : استدل بقوله تعالى : { وَصَلِّ عَلَيْهِمْ } على ندب الدعاء للمتصدق . قال الشافعيّ رحمه الله : السنة للإمام ، إذا أخذ الصدقة ، أن يدعو للمتصدق ، ويقول : آجرك الله فيما أعطيت وجعله طهوراً ، وبارك لك فيما أبقيت ، وقال آخرون : يقول : اللهم ! صلّ على فلان ، ويدل عليه ما روي " عن عبد الله بن أبي أوفى ، وكان من أصحاب الشجرة قال : كان النبيّ صلى الله عليه وسلم إذا أتاه قوم بصدقة قال : " اللهم ! صلِّ عليهم " ، فأتاه أبي بصدقته فقال : " اللهم ! صلّ على آل أبي أوفى " أخرجاه في الصحيحين . قال ابن كثير : وفي الحديث الآخر " أن امرأة قالت : يا رسول الله ، صلِّ علي وعلى زوجي ، فقال : " صلى الله عليك وعلى زوجك " " . أقول : وبهذين الحديثين يردّ على من زعم أن المراد بـ { صَلِّ عَلَيْهِمْ } الصلاة على الموتى حكاه السيوطيّ في ( الإكليل ) . السادس : دلت الآية ، كالحديثين ، على جواز الصلاة على غير الأنبياء استقلالاً . قال الرازيّ : روى الكعبيّ في ( تفسيره ) أن عليّاً رضي الله عنه قال لعمر رضي الله عنه وهو مسجّى : عليك الصلاة والسلام . ومن الناس من أنكر ذلك . ونقل عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : لا تنبغي الصلاة من أحد على أحد ، إلا في حق النبيّ صلى الله عليه وسلم . ثم قال الرازيّ : إن أصحابنا يمنعون من ذكر ( صلوات الله عليه ) ، و ( عليه الصلاة والسلام ) ، إلا في حق الرسول ، والشيعة يذكرونه في عليّ وأولاده ، واحتجوا بأن نص القرآن دل على جوازه فيمن يؤدي الزكاة ، فكيف يمنع في حق عليّ والحسن والحسين عليهم رضوان الله ؟ قال : ورأيت بعضهم قال : أليس أن الرجل إذا قال : سلام عليكم ، يقال له : وعليكم السلام ، فدل هذا على أن ذكر هذا اللفظ جائز في حق جمهور المسلمين ، فأَوْلَى آل البيت - انتهى . وأقول : إِن المنع من ذلك أدبيّ لا شرعيّ ؛ لأنه صار في العرف دعاءً خاصاً به صلى الله عليه وسلم ، وشعاراً له ، كالعلَم بالغلبة ، فغيره لا يطلق عليه إلا تبعية له ، أدباً لفظياً . السابع : قال الرازيّ : في سر كون صلاته عليه السلام سكناً لهم : أن روح محمد عليه السلام كانت روحاً قوية مشرقة صافية باهرة ، فإذا دعا لهم وذكرهم بالخير ، فاضت آثار من قوته الروحانية على أرواحهم ، فأشرقت بهذا السبب أرواحهم ، وصفت أسرارهم .