Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 127-127)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَإِذَا مَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ نَّظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُمْ مِّنْ أَحَدٍ } قال الزمخشري : يعني : تغامزوا بالعيون إنكاراً للوحي ، وسخرية به ، قائلين : هل يراكم من أحد من المسلمين لننصرف ، فإنا لا نصبر على استماعه ، ويغلبنا الضحك ، فنخاف الافتضاح بينهم ، أو ترامقوا يتشاورون في تدبير الخروج والانسلال لواذاً . يقولون : هل يراكم من أحد { ثُمَّ ٱنصَرَفُواْ } أي : عن محفل الوحي خوفاً من الافتضاح { صَرَفَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُم } أي : عن الإيمان حسب انصرافهم عن حضرته عليه السلام . والجملة إخبارية أو دعائية { بِأَنَّهُمْ } أي : بسبب أنهم { قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ } أي : لا يتدبرون أمر الله حتى يفقهوا . تنبيهات الأول : دلت الآية المتقدمة على زيادة الإيمان بما ذكر ، وسواء قلنا بدخول الأعمال في مسمى الإيمان ، وهو الحق ، أو لا ، وأنه مجرد التصديق القلبيّ ، فالزيادة مما يقبلها قطعاً ، والأول بديهي ، والثاني مثله ، إذ ليس إيمان الأنبياء ، عليهم الصلاة والسلام ، والصحابة رضي الله عنهم ، كإيمان غيرهم وهذا مما لا يُرتاب فيه . الثاني : ذكر تعالى من مخازي المنافقين نوعين : عدم اعتبارهم بالابتلاء ، وتمكن الكفر منهم ، وازدياده في وقت يقتضي زيادة الإيمان ، وهو تكرير التنزيل . ولما كان القصد بيان إصرارهم على كفرهم ، وعدم نفع العظات فيهم ، ختم مخازيهم بذلك ، لأنه نتيجتها ، وقدم عليه ما يصيبهم من الابتلاء ؛ لأن فيه رادعاً عظيماً لو تذكروا . وقد تلطف القاشانيّ في إيضاح ذلك ، وجوّد التقرير فيه ، وعبارته : البلاء قائد من الله تعالى يقود الناس إليه ، وقد ورد في الحديث : " البلاء سوط من سياط الله تعالى يسوق به عباده إليه " ، فإن كل مرض وفقر وسوء حال يحل بأحد ، يكسر سورة نفسه وقواها ، ويقمع صفاتها وهواها ، فيلين القلب ، ويبرز من حجابها ، وينزعج من الركون إلى الدنيا ولذاتها ، وينقبض منها ويشمئز ، فيتوجه إلى الله . وأقل درجاته أنه إذا اطّلع على أن لا مفر منه إلا إليه ، ولم يجد مهرباً ومحيصاً من البلاء سواه ، تضرع إليه وتذلل بين يديه ، كما قال : { وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَّوْجٌ كَٱلظُّلَلِ دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ } [ لقمان : 32 ] ، { وَإِذَا مَسَّ ٱلإِنسَانَ ٱلضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَآئِماً } [ يونس : 12 ] ، وبالجملة يوجب رقة الحجاب أو ارتفاعه ، فليغتنم وقته وليتعوّذ ، وليتخذ ملكة يعود إليها أبداً حتى يستقر التيقظ والتذكر ، وتتسهل التوبة والحضور ، فلا يتعود الغفلة عند الخلاص فتغلب ، وتتقوى النفس عند الأمان ، وينسبل الحجاب أغلظ مما كان ، كما قال : { فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى ٱلْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ } [ العنكبوت : 65 ] { فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَآ إِلَىٰ ضُرٍّ مَّسَّهُ } [ يونس : 12 ] . انتهى . الثالث : قال السيوطي في ( الإكليل ) : أخذ ابن عباس من قوله : { ثُمَّ ٱنصَرَفُواْ } كراهية أن يقال : انصرفت من الصلاة - أخرجه ابن أبي حاتم - ومرجع هذا إلى أدب لفظيّ ، باجتناب ما يوهم ، أو ما نُعِيَ به على العصاة . وقد عقد الإمام ابن القيم في ( زاد المعاد ) : فصلاً في هدي النبيّ صلى الله عليه وسلم في حفظ المنطق ، واختيار الألفاظ ، فليراجع . ثم بيّن تعالى ما امتن به على المؤمنين من بعثة خاتم النبيين بقوله : { لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ … } .