Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 1-1)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ بَرَآءَةٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى ٱلَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } خبر لمحذوف ، وتنوينه للتفخيم ، أي : هذه براءة ، أو مبتدأ مخصص بصفة ، وخبره : { إِلَى ٱلَّذِينَ } . و ( البراءة ) في اللغة انقطاع العصمة ، يقال : برئت من فلان براءة ، أي : انقطعت بيننا العصمة ، ولم يبق بيننا علقة . فإن قيل : حق البراءة أن تُنسب إلى المعاهِد ، فلم لم تنسب إليهم ، ونسبت إلى الله ورسوله ؟ أجيب : بأن { عَاهَدْتُمْ } إخبار عن سابق صدر من الرسول صلى الله عليه وسلم والجماعة ، فنسب إلى الكل ، كما هو الواقع ، وإن كان بإذن الله أيضاً . وأما البراءة فهي إخبار عن متجدّد ، فكيف ينسب إليهم ، وهم لم يحدثوه بعد ، وإنما يسند إلى من أحدثه ؟ وقال الناصر : إن سر ذلك أن نسبة العهد إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم في مقامٍ نسب فيه النبذ إلى المشركين ، لا يحسن أدباً ، ألا ترى إلى وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمراء السرايا حيث يقول لهم : " إذا نزلت بحصن فطلبوا النزول على حكم الله ، فأنزلهم على حكمك ، فإنك لا تدري أصادفت حكم الله فيهم أَوْ لا ! وإن طلبوا ذمة الله ، فأنزلهم على ذمتك ، فَلأَنْ تخفر ذمتك ، خير من أن تخفر ذمة الله " فانظر إلى أمره صلى الله عليه وسلم بتوقير ذمة الله ، مخافة أن تخفر ، وإن كان لم يحصل بعد ذلك الأمر المتوقع ، فتوقير عهد الله ، وقد تحقق من المشركين النكث ، وقد تبرأ منه الله ورسوله بأن لا ينسب العهد المنبوذ إلى الله - أحرى وأجدر . فلذلك نسب العهد إلى المسلمين دون البراءة منه . وقال الشهاب : ولك أن تقول : إنما أضاف العهد إلى المسلمين ؛ لأن الله علم أن لا عهد لهم ، فلذا لم يضف العهد إليه ، لبراءته منهم ، ومن عهدهم في الأزل . وهذا نكتة الإتيان بالجملة إسمية خبرية ، وإن قيل : إنها إنشائية للبراءة منهم ، ولذا دلت على التجدد . انتهى . قال ابن إسحاق : نزلت براءة في نقض ما بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين المشركين من العهد الذي كانوا عليه فيما بينه وبينهم ، أن لا يصدّ عن البيت أحد جاءه ، ولا يخاف أحد في الشهر الحرام . وكان ذلك عهداً عاماً بينه وبين الناس من أهل الشرك . وكانت بين ذلك عهود بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين قبائل من العرب خصائص إلى آجال مسماة ، فنزلت فيه وفيمن تخلف من المنافقين عنه في ( تبوك ) ، وفي قول من قال منهم ، فكشف الله تعالى سرائر أقوام كانوا يَسْتَخْفُونَ بغير ما يظهرون . وقال ابن كثير : وأول هذه السورة نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رجع من غزوة ( تبوك ) ، وهمَّ بالحج ، ثم ذكر أن المشركين يحضرون عامهم هذا الموسم على عادتهم في ذلك ، وأنهم يطوفون بالبيت عراة ، فكره مخالطتهم ، وبعث أبا بكر الصديق رضي الله عنه أميراً على الحج تلك السنة ، ليقيم للناس مناسكهم ، ويعلم المشركون أن لا يحجوا بعد عامهم هذا ، وأن ينادي بالناس { بَرَآءَةٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } ، فلما قفل ، أتبعه بعليّ بن أبي طالب ، ليكون مبلغاً عنه صلى الله عليه وسلم ، لكونه عَصَبةً له ، كما سيأتي .