Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 3-3)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَأَذَانٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى ٱلنَّاسِ يَوْمَ ٱلْحَجِّ ٱلأَكْبَرِ أَنَّ ٱللَّهَ بَرِيۤءٌ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ } ( الأذان ) بمعنى الإيذان ، وهو الإعلام ، كما أن الأمان والعطاء بمعنى الإيمان والإعطاء . وارتفاعه كارتفاع ( براءة ) . وهذه الجملة معطوفة على مثلها ، والفرق بين معنى الجملة الأولى والثانية ، أن تلك إخبار بثبوت البراءة ، وهذه إخبار بوجوب الإعلام بما ثبت ، وإنما علقت البراءة بالذين عوهدوا من المشركين ، وعلق الأذان بالناس ؛ لأن البراءة مختصة بالمعاهدين والناكثين منهم ، وأما الأذان فعامّ لجميع الناس ، من عاهد ومن لم يعاهد ، ومن نكث من المعاهدين ومن لم ينكث . كذا في ( الكشاف ) . ويوم الحج الأكبر : قيل يوم عرفة ، وقيل يوم النحر . قال ابن القيّم : وهو الصواب ؛ لأنه ثبت في الصحيحين أن أبا بكر وعليّاً رضي الله عنهما ، أذّنا بذلك يوم النحر ، لا يوم عرفة . وفي سنن أبي داود بأصح إسناد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يوم الحج الأكبر يوم النحر " وكذلك قال أبو هريرة وجماعة من الصحابة . ويوم عرفة مقدمة ليوم النحر بين يديه ، فإن فيه يكون الوقوف والتضرع والتوبة والابتهال والاستقامة ، ثم يوم النحر تكون الوفادة والزيارة ؛ ولهذا سمي طوافه طواف الزيارة ؛ لأنهم قد طهروا من ذنوبهم يوم عرفة ، ثم أذن لهم يوم النحر في زيارته ، والدخول عليه إلى بيته ، ولهذا كان فيه ذبح القرابين ، وحلق الرؤوس ، ورمي الجمار ، ومعظم أفعال الحج . وعمل يوم عرفة ، كالطهور والاغتسال بين يدي هذا اليوم ، انتهى . تنبيه روى الأئمة هاهنا آثاراً كثيرة ، نأتي منها على جوامعها : قال ابن أبي نجيح عن مجاهد : قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من ( تبوك ) حين فرغ ، فأراد الحج ثم قال : إنما يحضر المشركون فيطوفون عراة فلا أحب أن أحج ، حتى لا يكون ذلك . فأرسل أبا بكر وعليّاً فطافا بالناس في ( ذي المجاز ) وبأمكنتهم التي كانوا يتبايعون بها ، وبالمواسم كلها ، فآذنوا أصحاب العهد بأن يؤمنوا أربعة أشهر ، فهي الأشهر المتواليات ، عشرون من ذي الحجة ، إلى عشر يخلون من ربيع الآخر ، ثم لا عهد لهم ، وآذن الناس كلهم بالقتال ، إلى أن يؤمنوا . وروى ابن إسحاق بسنده عن أبي جعفر محمد بن عليّ رضوان الله عليه قال : لما نزلت ( براءة ) على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد كان بعث أبا بكر الصديق رضي الله عنه ليقيم للناس الحج ، قيل له : يا رسول الله ، لو بعثت بها إلى أبي بكر ؛ فقال : " لا يؤدّي عني إلا رجل من أهل بيتي " ، ثم دعا عليّ بن أبي طالب رضوان الله عليه ، فقال له : " اخرج بهذه القصة من صدر براءة ، وأذّن في الناس يوم النحر إذا اجتمعوا بمنى ، أنه لا يدخل الجنة كافر ، ولا يحج بعد العام مشرك ، ولا يطوف بالبيت عُريان ، ومن كان له عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد فهو له إلى مدته " فخرج عليّ بن أبي طالب على ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم ( العضباء ) ، حتى أدرك أبا بكر بالطريق ، فلما رآه أبو بكر بالطريق قال : أمير أو مأمور ؟ فقال : بل مأمور ، ثم مضيا ، فأقام أبو بكر للناس الحج ، والعرب إذا ذاك في تلك السنة على منازلهم من الحج التي كانوا عليها في الجاهلية ، حتى إذا كان يوم النحر قام عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه ، فأذن في الناس بالذي أمره به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : أيها الناس ، إنه لا يدخل الجنة كافر ، ولا يحج بعد العام مشرك ، ولا يطوف بالبيت عريان ، ومن كان له عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد فهو له إلى مدته . وأجَّل الناس أربعة أشهر من يوم أذّن فيهم ، ليرجع كل قوم إلى مأمنهم وبلادهم ، ثم لا عهد لمشرك ولا ذمة ، إلا أحدٌ كان له عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عهدٌ إلى مدة ، فهو له إلى مدته ، فلم يحجّ بعد ذلك العام مشرك ، ولم يطف بالبيت عريان . ثم قدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال ابن إسحاق : فكان هذا من أمر ( براءة ) فيمن كان من أهل الشرك من أهل العهد العامّ ، وأهل المدة إلى الأجل المسمى . وروى البخاريّ عن أبي هريرة قال : بعثني أبو بكر رضي الله عنه في تلك الحجة في المؤذّنين ، بعثهم يوم النحر يؤذنون بمنى : أن لا يحج بعد العام مشرك ، ولا يطوف بالبيت عريان . قال حميد : ثم أردف النبيُّ صلى الله عليه وسلم بعليّ بن أبي طالب ، فأمره أن يؤذن ببراءة . قال أبو هريرة : فأذن معنا عليّ في أهل منى يوم النحر ببراءة ، وأن لا يحج بعد العام مشرك ، ولا يطوف بالبيت عريان . وفي رواية أخرى للبخاريّ ، قال أبو هريرة : بعثني أبو بكر فيمن يؤذّن يوم النحر بمنى : لا يحج بعد العام مشرك ، ولا يطوف بالبيت عريان ويوم الحج الأكبر يوم النحر ، وإنما قيل ( الأكبر ) من أجل قول الناس - للعمرة - الحج الأصغر ، فنبذ أبو بكر إلى الناس في ذلك العام ، فلم يحج عام حجة الوداع الذي حجّ فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم مشرك . هذا لفظ البخاريّ في ( كتاب الجهاد ) . وروى الإمام أحمد عن أبي هريرة قال : كنت مع علي بن أبي طالب حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل مكة بـ ( براءة ) فقال : ما كنتم تنادون ؟ قال : كنا ننادي : أنه لا يدخل الجنة مشرك ، ولا يطوف بالبيت عريان ، ومن كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد فإن أجله - أو أَمَدَّهُ - إلى أربعة أشهر ، فإذا مضت الأربعة الأشهر ، فإن الله بريء من المشركين ورسولُه ، ولا يحج هذا البيتَ بعد العام مشرك . قال : فكنت أنادي حتى صَحِل صوتي ، ( صحِل الرجلُ وصَحِل صوتُهُ : بَحَّ ) . وقوله تعالى : { فَإِن تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ } أي : فإن تبتم ، أيها المشركون ، من كفركم ورجعتم إلى توحيد الله وإخلاص العبادة له دون الآلهة والأنداد ، فهو خير لكم من الإقامة على الشرك ، رأس الضلال والفساد { وَإِن تَوَلَّيْتُمْ } أي : عن الإيمان وأبيتم إلا الإقامة على ضلالكم وشرككم { فَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي ٱللَّهِ } أي : غير فائتين أخذه وعقابه { وَبَشِّرِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } أي : جحدوا نبوّتك وخالفوا أمر ربهم { بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } أي : موجع يحل بهم . وفيه من التهكم والتهديد ما فيه ، كيلا يظن أن عذاب الدنيا ، لو فات وزال خلصوا من العذاب ، بل العذابُ الشديدُ مُعَدٌّ لهم يوم القيامة . ثم استثنى تعالى من ضرب مدة التأجيل ، لمن له عهد مطلق بأربعة أشهر ، مَن له عهد مؤقت بتأجيله إلى مدته المضروبة التي عوهد عليها ، فقال سبحانه : { إِلاَّ ٱلَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئاً … } .