Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 65-66)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ } أي : عن إتيانهم بتلك القبائح المتضمنة للاستهزاء بما ذكر { لَيَقُولُنَّ } أي : في الاعتذار إنه لم يكن عن القلب حتى يكون نفاقاً وكفراً بل { إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ } أي : ندخل هذا الكلام لترويح النفس { وَنَلْعَبُ } أي : نمزح { قُلْ أَبِٱللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِءُونَ } أي : في ترويحكم ومزاحكم ، ولم تجدوا لهما كلاماً آخر . { لاَ تَعْتَذِرُواْ } أي : لا تشتغلوا باعتذاراتكم الكاذبة ، فالنهي عن الاشتغال به ، وإدامته ، إذ أصله وقع { قَدْ كَفَرْتُمْ } أي : أظهرتم الكفر بإيذاء الرسول صلى الله عليه وسلم والطعن فيه وباستهزائكم بمقالكم { بَعْدَ إِيمَانِكُمْ } أي : بعد إظهاركم الإيمان . تنبيه قال في ( الإكليل ) : قال الكيا : فيه دلالة على أن اللاعب والجادّ في إظهار كلمة الكفر سواء ، وأن الاستهزاء بآيات الله كفر - انتهى . قال الرازيّ : لأن الاستهزاء يدل على الاستخفاف ، والعمدةُ الكبرى في الإيمان تعظيمُ الله تعالى بأقصى الإمكان ، والجمع بينهما محال . وقال الإمام ابن حزم في ( الملل ) : كل ما فيه كفر بالبارئ تعالى ، واستخفاف به ، أو بنبيّ من أنبيائه ، أو بملك من ملائكته ، أو بآية من آياته عزَّ وجلَّ ، فلا يحلّ سماعه ولا النطق به ، ولا يحلّ الجلوس حيث يلفظ به . ثم ساق الآية . وقوله تعالى : { إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنْكُمْ } أي : لتوبتهم وإخلاصهم ، أو تجنبهم عن الإيذاء والاستهزاء { نُعَذِّبْ طَآئِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ } أي : مصرّين على النفاق ، أو مُقدِمين على الإيذاء والاستهزاء . تنبيه روي في صفة استهزاء المنافقين روايات عدة : قال ابن إسحاق : كان رهط من المنافقين منهم وديعة بن ثابت ، أخو بني عمرو بن عوف ، ومنهم رجل من أشجع حليف لبني سلمة يقال له : مُخَشِّن بن حُمَيّر ، ( ويقال مَخْشِيّ ) يشيرون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو منطلق إلى تبوك ، فقال بعضهم لبعض : أتحسبون جِلاد بني الأصفر كقتال العرب بعضهم بعضاً . والله ! لكأنا بكم غداً مقرنين في الحبال ، إرجافاً وترهيباً للمؤمنين ، فقال مخشن بن حمير : والله ! لوددت أن أقاضَى على أن يُضرَبَ كل منا مائة جلدة ، وأنا ننقلب أن ينزل فينا قرآن ، لمقالتكم هذه ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما بلغني - لعمار بن ياسر : " أدرك القوم ، فإنهم قد احترقوا ، فسلهم عما قالوا ، فإن أنكروا فقل : بلى ! قلتم : كذا وكذا " فانطلق إليهم ، عمار ، فقال ذلك لهم ، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتذرون إليه ، فقال وديعة بن ثابت - ورسول الله صلى الله عليه وسلم واقف على ناقته : يا رسول الله ، إنما كنا نخوض ونلعب ، فأنزل الله عزَّ وجلَّ فيهم : { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ } وقال مخشن بن حمير : يا رسول الله ، قعد بي إسمي وإسم أبي ، وكان الذي عُفِيَ عنه في هذه الآية مخشن ، فتسمى عبد الرحمن ، وسأل الله تعالى أن يقتله شهيداً لا يعلم بمكانه ، فقتل بيوم اليمامة ، فلم يوجد له أثر . انتهى . وقال عكرمة : ممن إن شاء الله تعالى عفا عنه يقول : اللهم إني أسمع آية أنا أعنى بها ، تقشعر منها الجلود ، وتَجِلُ منها القلوب ، اللهم فاجعل وفاتي قتلاً في سبيلك ، لا يقول أحد : أنا غسلت ، أنا كفنت ، أنا دفنت . قال : فأصيب يوم اليمامة ، فما من أحد من المسلمين إلا وقد وُجِدَ ، غيره . ومما روي في استهزائهم أن رجلاً من المنافقين قال : ما رأيت مثل قرائنا هؤلاء ، أرغب بطوناً ، ولا أكذب ألسناً ، ولا أجبن عند اللقاء ، فرفع ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجاء إلى النبيّ صلوات الله عليه وقد ارتحل وركب ناقته ، فقال : يا رسول الله ! إنما كنا نخوض ونلعب ، فقال : { أَبِٱللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِءُونَ } الآية [ التوبة : 65 ] - وهو متعلق بسيف الرسول ، وما يلتفت إليه صلى الله عليه وسلم . قال الزجاج : ( الطائفة ) في اللغة أصلها الجماعة ، لأنها المقدار الذي يمكنها أن تطيف بالشيء ، ثم يجوز أن يسمى الواحد بالطائفة . انتهى . وإيقاع الجمع على الواحد معروف في كلام العرب .