Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 91, Ayat: 1-8)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَٱلشَّمْسِ وَضُحَاهَا } أي : ضوئها إذا أشرقت . قال الراغب : ( الضحى ) انبساط الشمس وامتداد النهار ، وبه سمي الوقت . وحقيقته - كما قال الشهاب - تباعد الشمس عن الأفق المرئي وبروزها للناظرين . ثم صار حقيقة في وقته . وقال الإمام : يقسم بالشمس نفسها ظهرت أو غابت لأنها خلق عظيم . ويقسم بضوئها لأنه مبعث الحياة ومجلي الهداية في عالمها الفخيم . وهل كنت ترى حيا أو تبصر نامياً ، أو هل كنت تجد نفسك ، لولا ضياء الشمس ، جل مبدعه ؟ { وَٱلْقَمَرِ إِذَا تَلاَهَا } أي : تبع الشمس ، قال الإمام : وذلك في الليالي البيض ، من الليلة الثالثة عشرة من الشهر إلى السادسة عشرة . وهو قسم بالقمر عند امتلائه أو قربه مع الامتلاء . إذ يضيء الليل كله مع غروب الشمس إلى الفجر . وهو قسم في الحقيقة بالضياء في طور آخر من أطواره . وهو ظهوره وانتشاره الليل كله . { وَٱلنَّهَارِ إِذَا جَلاَّهَا } أظهر الشمس . وذلك عند انتفاخ النهار وانبساطه ؛ لأن الشمس تنجلي في ذلك الوقت تمام الانجلاء . وفي هذه الأقسام كلها - كما قاله الإمام - إشارة إلى تعظيم أمر الضياء وإعظام قدر النعمة فيه ، ولفت أذهاننا إلى أنه من آيات الله الكبرى ونعمه العظمى . وفي قوله : { إِذَا جَلاَّهَا } بيان للحالة التي ينطق فيها النهار بتلك الحكمة الباهرة والآية الظاهرة . وهي حالة الصحو ، أما يوم الغيم الذي لا تظهر فيه الشمس ، فحاله أشبه بحال الليل الذي يقسم به في قوله : { وَٱللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا } أي : يغشى الشمس ويعرض دون ضوئها فيحجبه عن الأبصار . وذلك في ليالي الظلمة الحالكة المشار إليها بقوله في الآية المتقدمة : { وَلَيالٍ عَشْرٍ } [ الفجر : 2 ] على القول الأخير . قال الإمام : ولقلة أوقات الظلمة ، عبر في جانبها بالمضارع المفيد للحاق الشيء وعروضه متأخرا عما هو أصل في نفسه . أما النهار فإنه يجلي الشمس دائماً من أوله إلى آخره . وذلك شأن له في ذاته . ولا ينفك عنه إلا لعارض . كالغيم أو الكسوف قليل العروض . ولهذا عبر في جانبه بالماضي المفيد لوقوع المعنى من فاعله ، بدون إفادة أنه مما ينفك عنه . { وَٱلسَّمَآءِ وَمَا بَنَاهَا } أي : ومن رفعها ، وصيرها بما فيها من الكواكب ، كالسقف أو القبة المحكمة المزينة المحيطة بنا . فـ { مَا } موصولة بمعنى ( من ) أوثرت لإرادة الوصفية . أي والقادر الذي أبدع خلقها . قالوا : وذكر { وَمَا بَنَاهَا } مع أن في ذكر { وَٱلسَّمَآءِ } غنية عنه ، للدلالة على إيجادها وموجدها صراحة { وَٱلأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا } أي : بسطها من كل جانب ، لافتراشها وازدراعها والضرب في أكنافها . قال الإمام : وليس في ذلك دليل على أن الأرض غير كروية . كما يزعم بعض الجاهلين . أي : بتحريفه الكلم عن معناه المراد منه . { وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا } أي : خلقها فعدل خلقها ومزاجها ، وأعدها لقبول الكمال { فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا } أي : أفهمها إياهما ، وأشعرها بهما ، بالإلقاء الملكيّ والتمكين من معرفتهما ، وحسن التقوى وقبح الفجور بالعقل الهيولانيّ . لطيفة جوز في { مَا } كونها مصدرية في الكل ، ولا يضره خلو الأفعال من فاعل ظاهر ومضمر إذ لا مرجع له . وعطف الفعل على الاسم لأنه يكفي لصحة الإضمار دلالة السياق . وهي موجودة هنا . وأن العطف على صلة ( ما ) لا عليها مع صلتها . فكأنه قيل : ونفس وتسويتها ، فإلهامها إلخ . وعطف الفعل على الاسم ليس بفاسد . نعم في الوجه الأول توافق القرائن وهو أسد . وأما الثاني فوجه يتسع النظم الكريم له . وأما تنكير { نَفْسٍ } فللتكثير أو التعظيم .