Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 93, Ayat: 6-11)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَىٰ } قال أبو السعود : تعديد لما أفاض عليه من أول أمره إلى ذلك الوقت ، من فنون النعماء العظام ، ليستشهد بالحاضر الموجود على المترقب الموعود . فيطمئن قلبه وينشرح صدره . والهمزة لإنكار النفي وتقرير المنفيّ على أبلغ وجه . كأنه قيل : قد وجدك إلخ . والوجود بمعنى : العلم . روي " أن أباه مات وهو جنين قد أتت عليه ستة أشهر . وماتت أمه وهو ابن ثمان سنين ، فكفله عمه أبو طالب وعطَّفه الله عليه فأحسن تربيته " ، وذلك إيواؤه { وَوَجَدَكَ ضَآلاًّ فَهَدَىٰ } أي : غافلاً عما أوحاه إليك من الهدى والفرقان ، فهداك إليه وجعلك إماماً له ، كما في آية { مَا كُنتَ تَدْرِي مَا ٱلْكِتَابُ وَلاَ ٱلإِيمَانُ } [ الشورى : 52 ] . قال الشهاب : فالضلال مستعار من ( ضل في طريقه ) إذا سلك طريقاً غير موصلة لمقصده لعدم ما يوصله للعلوم النافعة ، من طريق الاكتساب { وَوَجَدَكَ عَآئِلاً } أي : فقيراً { فَأَغْنَىٰ } أي : فأغناك بمال خديجة الذي وهبته إياه . أو بما حصل لك من ربح التجارة { فَأَمَّا ٱلْيَتِيمَ فَلاَ تَقْهَرْ } فلا تغلبه على ماله فتذهب بحقه ، استعطافاً منك له { وَأَمَّا ٱلسَّآئِلَ فَلاَ تَنْهَرْ } قال ابن جرير : أي : وأما من سألك من ذي حاجة فلا تنهره ، ولكن أطعمه واقض له حاجته . أي : لأن للسائل حقا ، كما قال تعالى : { وَٱلَّذِينَ فِيۤ أَمْوَٰلِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ * لِّلسَّآئِلِ وَٱلْمَحْرُومِ } [ المعارج : 24 - 25 ] . وقد ذهب الحسن - فيما نقله الرازي - إلى أن المراد من السائل من يسأل العلم . فيكون في مقابلة قوله تعالى : { وَوَجَدَكَ ضَآلاًّ فَهَدَىٰ } وهكذا قال ابن كثير : أي وكما كنت ضالا فهداك الله ، فلا تنهر السائل في العلم المسترشد . قال الإمام : ويؤيد هذا المعنى ما ورد في أحوال الذين كانوا يسألونه عليه الصلاة والسلام بيان ما يشتبه عليهم . فمنهم أهل الكتاب الممارون . ومنهم الأعراب الجفاة . ومنهم من كان يسأل عما لا يسأل عنه الأنبياء . فلا غرو أن يأمره الله بالرفق بهم ، وينهاه عن نهرهم ، كما عاتبه على التوليّ عن الأعمى السائل ، في سورة عبس . انتهى . { وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ } أي : بشكرها وإظهار آثارها ، فيرغب فيما لديه منها ، ويحرص على تصدر المحاويج عنها . وهذا هو سر الأمر بالتحدث بها . وفي الآية تنبيه على أدب عظيم . وهو التصدي للتحدث بالنعمة وإشهارها ، حرصاً على التفضل والجود والتخلق بالكرم ، وفراراً من رذيلة الشح الذي رائده كتم النعمة والتمسكن والشكوى . قال الإمام : من عادة البخلاء أن يكتموا ما لهم ، لتقوم لهم الحجة في قبض أيديهم عن البذل . فلا تجدهم إلا شاكين من القل . أما الكرماء فلا يزالون يظهرون بالبذل ما آتاهم الله من فضله ، ويجهرون بالحمد لما أفاض عليهم من رزقه . فلهذا صح أن يجعل التحديث بالنعمة كناية عن البذل وإطعام الفقراء وإعانة المحتاجين . فهذا من قوله : { وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ } أي : إنك لما عرفت بنفسك ما يكون فيه الفقير ، فأوسع في البذل على الفقراء . وليس القصد هو مجرد ذكر الثروة ، فإن هذا من الفجفجة التي يتنزه عنها النبيّ صلى الله عليه وسلم . ولم يعرف عنه في امتثال هذا الأمر أنه كان يذكر ما عنده من نقود وعروض . ولكن الذي عرف عنه أنه كان ينفق ما عنده ويبيت طاوياً . وقد يقال : إن المراد من النعمة : النبوة . ولكن سياق الآيات يدل على أن هذه الآية مقابلة لقوله : { وَوَجَدَكَ عَآئِلاً } فتكون النعمة بمعنى الغنى ، ولو كانت بمعنى النبوة ، لكانت مقابلة لقوله : { وَوَجَدَكَ ضَآلاًّ } وقد علمت الحق في مقابله . والله أعلم .