Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 98, Ayat: 7-8)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } أي : بالله ورسوله محمد ، صلوات الله عليه { وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } أي : من بذل النفس في سبيل الجهاد للحق ، وبذل المال في أعمال البر ، مع القيام بفرائض العبادات ، والإخلاص في سائر ضروب المعاملات ؛ لأن إذعانهم الصحيح ، ووجدانهم لذة معرفة الحق ملكت الحق قيادهم . فعملوا الأعمال الصالحة ، قاله الإمام ، { أُوْلَـٰئِكَ هُمْ خَيْرُ ٱلْبَرِيَّةِ } أي : أفضل الخليقة . لأنهم بمتابعة الحق عند معرفته بالدليل القائم عليه ، قد حققوا لأنفسهم معنى الإنسانية التي شرفهم الله بها . وبالعمل الصالح ، قد حفظوا نظام الفضيلة الذي جعله الله قوام الوجود الإنسانيّ ، وهَدوا غيرهم بحسن الأسوة إلى مثل ما هُدوا إليه من الخير والسعادة . فمن يكون أفضل منهم ؟ قاله الإمام : { جَزَآؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِى مِنْ تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } أي : بساتين إقامة لا ظعن فيها تجري من تحت أشجارها وغرفها الأنهار { خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً } أي : ماكثين على الدوام ، لا يخرجون عنها ولا يموتون فيها { رِّضِىَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ } أي : بما أطاعوه في الدنيا ، وعملوا لخلوصهم من عقابه ذلك { وَرَضُواْ عَنْهُ } لأنهم بحسن يقينهم يرتاحون إلى امتثال ما يأمر به في الدنيا . فهم راضون عنه . ثم إذا ذهبوا إلى نعيم الآخرة ، وجدوا من فضل الله ما لا محل للسخط معه ، فهم راضون عن الله في كل حال . أفاده الإمام . { ذَلِكَ } أي : هذا الجزاء الحسن وهذا الرضاء { لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ } أي : خاف الله في الدنيا في سره وعلانيته ، فاتقاه بأداء فرائضه واجتناب معاصيه . فإن الخشية ملاك السعادة الحقيقية . قال الإمام : أراد بهذه الكلمة الرفيعة : الاحتياط لدفع سوء الفهم الذي وقع فيه العامة من الناس ، بل الخاصة كذلك . وهو أن مجرد الاعتقاد بالوراثة ، وتقليد الأبوين ، ومعرفة ظواهر بعض الأحكام ، وأداء بعض العبادات ، كحركات الصلاة وإمساك الصوم ، مجرد هذا لا يكفي في نيل ما أعد الله من الجزاء للذين آمنوا وعملوا الصالحات . وإن كانت قلوبهم حشوها الحسد والحقد والكبرياء والرياء . وأفواههم ملؤها الكذب والنميمة والافتراء ، وتهز أعطافهم رياحُ العجب والخيلاء . وسرائرهم مسكن العبودية والرق للأمراء . بل ولمن دون الأمراء . خالية من أقل مراتب الخشوع والإخلاص لرب الأرض والسماء - كلا لا ينالون حسن الجزاء . فإن خشية ربهم لم تحل قلوبهم . ولهذا لم تهذب من نفوسهم . ولا يكون ذلك الجزاء إلا لمن خشي ربه ، وأشعر خوفُه قلبه . والله أعلم .