Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 99, Ayat: 3-8)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَقَالَ ٱلإِنسَانُ مَا لَهَا } أي : قال من يكون من الإنسان شاهداً لهذا الزلزال ، الذي فجأه ودهشه ، ولم يعهد مثله : ما لهذه الأرض رجت هذه الرجة الهائلة ، وبعثر ما فيها من الأثقال المدفونة { يَوْمَئِذٍ } بدل من { إِذَا } أي : في ذلك الوقت { تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا } أي : تبين الأرض بلسان حالها ، ما لأجله زلزالها وإخراج أثقالها . فتدل دلالة ظاهرة على ذلك . وهو الإيذان بفناء النشأة الأولى وظهور نشأة أخرى . فالتحديث استعارة أو مجاز مرسل مطلق الدلالة . قال أبو مسلم : أي يومئذ يتبين لكل أحد جزاء عمله . فكأنها حدثت بذلك . كقولك : ( الدار تحدثنا بأنها كانت مسكونة ) فكذا انتقاض الأرض بسبب الزلزلة ، تحدث أن الدنيا قد انقضت ، وأن الآخرة قد أقبلت . { بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَىٰ لَهَا } الباء سببية متعلق بـ { تُحَدِّثُ } أي : تحدث بسبب إيحاء ربك لها ، وأمره إياها بالتحديث والإيحاء استعارة أو مجاز مرسل لإرادة لازمِهِ . وهو إحداث ما تدل به على خرابها . وقال القاشاني : أي : أشار إليها وأمرها بالاضطراب والخراب وإخراج الأثقال . يعني : الأمر التكويني . وهو تعلق القدرة الإلهية بما هو أثر لها { يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ ٱلنَّاسُ أَشْتَاتاً } أي : ينصرفون عن مراقدهم إلى مواطن حسابهم وجزائهم ، متفرقين سعداء وأشقياء { لِّيُرَوْاْ أَعْمَالَهُمْ } أي : ليريهم الله جزاء أعمالهم { فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ } أي : فمن عمل في الدنيا وزن ذرة من خير ، يرى ثوابه هنالك . والذرة النملة الصغيرة وهي مثل في الصغر . وقيل الذر : هو الهباء الذي يرى في ضوء الشمس إذا دخلت من نافذة { وَمَن يَعْـمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ } أي : ومن كان عمل في الدنيا وزن ذرة من شر ، يرى جزاءه ثمة . تنبيهات الأول : دل لفظ { مَن } على شمول الجزاء بقسميه ، للمؤمن وغيره . قال الإمام : أي ومن يعمل من الخير أدنى عمل وأصغره ، فإنه يراه ويجد جزاءَهُ . لا فرق في ذلك بين المؤمن والكافر . غاية الأمر : أن حسنات الكفار الجاحدين لا تصل بهم إلى أن تخلصهم من عذاب الكفر ، فهم به خالدون في الشقاء . والآيات التي تنطق بحبوط أعمال الكفار ، وأنها لا تنفعهم ، معناها هو ما ذكرنا . أي أن عملاً من أعمالهم لا ينجيهم من عذاب الكفر ، وإن خفف عنهم بعض العذاب الذي كان يرتقبهم ، على بقية السيئات الأخرى ، أما عذاب الكفر نفسه فلا يخفف عنه منه شيء . كيف لا ، والله جل شأنه يقول : { وَنَضَعُ ٱلْمَوَازِينَ ٱلْقِسْطَ لِيَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَىٰ بِنَا حَاسِبِينَ } [ الأنبياء : 47 ] فقوله : { فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً } [ الأنبياء : 47 ] أصرح قول في أن الكافر والمؤمن في ذلك سواء . وإن كلاًّ يوفي يوم القيامة جزاءه . وقد ورد أن حاتماً يخفف عنه لكرمه . وأن أبا لهب يخفف عنه لسروره بولادة النبي صلى الله عليه وسلم ، وما نقله بعضهم من الإجماع على أن الكافر لا تنفعه في الآخرة حسنة ولا يخفف عنه عذاب سيئة ما لا أصل له . فقد قال بما قلناه كثير من أئمة السلف رضي الله عنهم . على أن كلمة ( الإجماع ) كثيراً ما يتخذها الجهلاء السفهاء آلة لقتل روح الدين ، وحجرا يلقمونه أفواه المتكلمين . وهم لا يعرفون للإجماع الذي تقوم به الحجة معنى ، فبئس ما يصنعون . انتهى . وقد سبقه الشهاب في ( حواشيه ) على القاضي ، حيث ناقش صاحب المقاصد في دعواه الإجماع على إحباط عمل الكفرة . وعبارته : كيف يدعى الإجماع على الإحباط بالكلية ، وهو مخالف لما صرح به في الآية ؟ والذي يلوح للخاطر ، بعد استكشاف سرائر الدفاتر ، أن الكفار يعذبون على الكفر بحسب مراتبه . فليس عذاب أبي طالب كعذاب أبي جهل . ولا عذاب المعطلة كعذاب أهل الكتاب ، كما تقتضيه الحكمة والعدل الإلهيّ . انتهى . الثاني : قال في ( الإكليل ) : في هاتين الآيتين ، الترغيب في قليل الخير وكثيره . والتحذير من قليل الشر وكثيره . أخرج عبد الرزاق عن ابن مسعود قال : هذه الآية أحكم آية في القرآن . وفي لفظ أجمع . وسمَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية : " الجامعة الفاذة " ، حين سئل عن زكاة الحمير فقال : " ما أنزل الله فيها شيئاً إلا هذه الآية الجامعة الفاذة " { فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَن يَعْـمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ } . وروى الإمام أحمد عن صعصعة بن معاوية . عم الفرزدق ، " أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقرأ عليه { فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ } إلخ . قال : " حسبي . لا أبالي أن لا أسمع غيرها " ورواه النسائي في تفسيره .