Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 10, Ayat: 28-30)
Tafsir: Tafsīr al-Manār
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
هذا لون آخر من ألوان البيان لعقيدة البعث والجزاء ، وقد بينا حكمة هذا التكرار المختلف الأساليب والألوان وأمثاله في الكلام على أسلوب القرآن وإعجازه . { وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً } أي واذكر أيها الرسول لفريقي الناس الذين ضربنا لهم ما سبق من الأمثال ، وبينا ما يعملون من الأعمال ، يوم نحشرهم جميعاً في موقف الحساب لا يتخلف منهم أحد ، أو الظرف متعلق بقوله تعالى في الآية التالية { هُنَالِكَ تَبْلُواْ كُلُّ نَفْسٍ مَّآ أَسْلَفَتْ } وفي بعض الآيات { وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ } [ الفرقان : 17 ] { ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ مَكَانَكُمْ } أي ثم نقول للمشركين منهم بعد وقوف طويل لا يخاطب فيه أحد بشيء كما تدل عليه بعض الآيات : الزموا مكانكم لا تبرحوه حتى تنظروا ما يفعل بكم { أَنتُمْ وَشُرَكَآؤُكُمْ } أي الزموه أنتم وشركاؤكم ، أي الذين جعلتموهم شركاء لله لنفصل بينكم فيما كان من سبب عبادتكم لهم وما يقول كل منكم فيها . { فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ } أي فرقنا بين الشركاء ومن أشركوهم مع الله ، وميزنا بعضهم من بعض كما يميز بين الخصوم عند الحساب ، والتزييل من زاله يزاله كناله يناله بمعنى نحاه ( وهو يائي ) وزايلته فارقته وتزيلوا تميزوا بافتراق بعضهم من بعض ، ومنه قوله في أهل مكة واختلاط مؤمنيهم بكفّارهم قبل الفتح { لَوْ تَزَيَّلُواْ لَعَذَّبْنَا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً } [ الفتح : 25 ] أو المراد من التزييل والتفريق تقطيع ما كان بينهم في الدنيا من الصلات ، وما للمشركين في الشركاء من الأعمال ، وكل من المعنيين صحيح ، والعبادة الشركية أنواع ، والمعبودات والمعبودون أنواع يصح في بعضهم ما لا يصح في الآخر ، ولذلك تكرر معنى حشر الفريقين وحسابهم في سور أخرى بعضها في عبادة الملائكة وعبادة الجن ، وبعضها في عبادة البشر ، وما اتخذ لهم من التماثيل والصور ، ومثلها القبور المعظمة وسنشير إلى شواهده . { وَقَالَ شُرَكَآؤُهُمْ مَّا كُنتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ } أي ما كنتم تخصّوننا بالعبادة وإنما كنتم تعبدون أهواءكم وشهواتكم وشياطينكم المغوية لكم ، وتتخذون أسماءنا وتماثيلنا هياكل ومواسم لمنافعكم ومصالحكم ، وليس هذا شأن العبودية الصادقة للمعبود الحق ، الذي يطاع ويعبد لأنه صاحب السلطان الأعلى على الخلق ، وبيده تدبير الأمر ، ومصادر النفع والضر والمراد أنهم يتبرؤن منهم كما صرح به في آيات أخرى { فَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ } أي فكفى بالله شهيداً وحكماً بيننا وبينكم فهو العليم بحالنا وحالكم { إِن كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ } أي إننا كنا في غفلة عن عبادتكم لا ننظر إليها ولا نفكر فيها ، وقيل إن المراد بالغفلة عنها عدم الرضا بها . { هُنَالِكَ تَبْلُواْ كُلُّ نَفْسٍ مَّآ أَسْلَفَتْ } أي في ذلك المكان وهو موقف الحساب أو في ذلك الوقت أو اليوم تختبر كل نفس من عابدة ومعبودة ومؤمنة وجاحدة ، وشاكرة وكافرة ، ما قدمت في حياتها الدنيا من عمل ، وما كان لكسبها في صفاتها من أثر ، من خير وشر ، ونفع وضر ، بما ترى من الجزاء عليه ، وكونه ثمرة طبيعية له ، لا شأن فيه لولي ولا شفيع ، ولا معبود ولا شريك . وهنالك مواقف وأوقات أخرى لا سؤال فيها ولا جدال ، تغني فيها دلالة الحال عن المقال ، ولكل مقام مقال { وَرُدُّوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ مَوْلاَهُمُ ٱلْحَقِّ } أي أرجعوا إلى الله الذي هو مولاهم الحق دون ما اتخذوا من دونه بالباطل من الأولياء والشفعاء ، والأنداد والشركاء على اختلاف الأسماء ، كما ثبت في الآيات الكثيرة كقوله { إِلَى ٱللَّهِ مَرْجِعُكُمْ } ، { إِلَىٰ رَبِّكُمْ مَّرْجِعُكُمْ } ، { إِلَىٰ رَبِّهِمْ مَّرْجِعُهُمْ } { وَإِلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْمَصِيرُ } { وَإِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ } { وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } أي وضاع وذهب عنهم ما كانوا يفترونه عليه من الشفعاء والأولياء فلم يجدوا أحداً ينصرهم ولا ينقذهم { يَوْمَ لاَ تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَٱلأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ } [ الانفطار : 19 ] . هذه الآيات في موقف المشركين مع الشركاء ، والمرؤوسين مع الرؤساء ، والمتكبرين مع الضعفاء ، والمضلين مع الضالين ، والغاوين مع المغوين ، قد تكرر بيانها في سور أخرى مجملاً مبهماً ، وفي بعضها مفصلاً ومبيناً ، فمنها ما يسأل الله فيه العابدين ، ومنها ما يسأل فيه المعبودين ، من غير تعيين ، ومنها ما عين فيه اسم الملائكة والجن والشياطين ، وفي كل منها يتبرأ المضلون من الضالين ، فتراجع فيها سورة الفرقان [ 17 - 19 ] وسورة الأنعام [ 22 - 24 ] وسورة سبأ [ 40 - 42 ] وسورة القصص [ 62 - 64 ] ومنها ما يتناقش فيها الفريقان فراجع سورة إبراهيم [ 21 - 22 ] وسورة الصافات [ 22 - 23 ] فبمراجعة هذه الآيات كلها وما في معناها كآيات سورة البقرة [ 166 - 167 ] ومع تفسيرنا لهاتين ( ج2 ) يتبين لك ما يفسر به بعضها بعضاً ، وقد بينّا حكمة هذا التكرار في موضعه الذي دللنا عليه آنفاً .