Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 10, Ayat: 75-78)

Tafsir: Tafsīr al-Manār

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

هذه قصة موسى وهارون عليهما السلام مع فرعون وملئه ملخصة هنا في 19 آية مفصلة مرتبة كما نبينه في تفسيرها ، وهذه الأربع منها في استكبار فرعون وملئه عن الإيمان وزعمهم أن آيات الله لموسى من السحر ، وتعليل تكذيبهم له بأمرين أحدهما أن اتباعه تحويل لهم عن التقاليد الموروثة عن الآباء ، والثاني أنه يسلب سلطانهم منهم وينفرد هو وأخوه بما يتمتعون به من الكبرياء في الأرض ، وهذا بمعنى ما تقدم من قصة نوح المختصرة في هذه السورة . وهاك تفسيرهن بالاختصار : { ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِمْ مُّوسَىٰ وَهَـٰرُونَ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلإِيْهِ } [ يونس : 75 ] أي ثم بعثنا من بعد أولئك الرسل الذين بعثناهم إلى أقوامهم موسى وهارون إلى فرعون مصر وأشراف قومه الذين هم أركان دولته ، وإلى قومهم القبط بالتبع لهم لأنهم كانوا مستعبدين لهم يكفرون بكفرهم ، ويؤمنون بإيمانهم إن آمنوا { بِآيَـٰتِنَا } أي بعثناهما مؤيدين بآياتنا التسع المفصلة في سورة الأعراف وغيرها { فَٱسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْماً مُّجْرِمِينَ } أي فاستكبر فرعون وملؤه ، أي أعرضوا عن الإيمان كبراً وعلواً مع علمهم بأن ما جاء به هو الحق ، لما كانوا عليه من سعة العلم وصناعة السحر ، وكانوا قوماً راسخين في الإجرام وهو الظلم والفساد في الأرض ، كما قال تعالى في سورة النمل : { وَجَحَدُواْ بِهَا وَٱسْتَيْقَنَتْهَآ أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً فَٱنْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُفْسِدِينَ } [ النمل : 14 ] . { فَلَمَّا جَآءَهُمُ ٱلْحَقُّ } [ يونس : 76 ] وهو آياتنا الدالة على الربوبية والألوهية { مِنْ عِندِنَا } ووحينا إلى موسى كما هو مفصل في أول سورة الشعراء وغيرها المبطل لادعاء فرعون لهما بقوله : { أَنَاْ رَبُّكُمُ ٱلأَعْلَىٰ } [ النازعات : 24 ] وقوله : { مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرِي } [ القصص : 38 ] { قَالُوۤاْ إِنَّ هَـٰذَا لَسِحْرٌ مُّبِينٌ } أي أقسموا إن هذا الذي جاء به موسى من الآيات الدالة على صدقه ، إنما هو سحر بين ظاهر ، وإنما السحر صناعة باطلة هم أحذق الناس بها ، فكيف يتبعون من جاء ينازعهم سلطانهم بها ، فماذا قال لهم موسى ؟ { قَالَ مُوسَىٰ أَتقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَآءَكُمْ } [ يونس : 77 ] أي قال لهم متعجباً من قولهم : أتقولون هذا الذي قلتم للحق الظاهر ، الذي هو أبعد الأشياء عن كيد السحر الباطل ، لما جاءكم وعرفتموه واستيقنته أنفسكم ، حذف مقول القول لدلالة ما قبله عليه وهو قولهم { إِنَّ هَـٰذَا لَسِحْرٌ مُّبِينٌ } وكذا ما بعده وهو قوله منكراً له متعجباً منه . { أَسِحْرٌ هَـٰذَا } أي إن هذا الذي ترونه من آيات الله بأعينكم ، وترجف من عظمته قلوبكم ، لا يمكن أن يكون سحراً من جنس ما تصنعه أيديكم ، { وَلاَ يُفْلِحُ ٱلسَّاحِرُونَ } أي والحال المعروف عندكم إن الساحرين لا يفوزون في أمور الجد العملية من دعوة دين وتأسيس ملك وقلب نظام ، وهو ما تتهمونني به على ضعفي وقوتكم ، لأن السحر أمور شعوذة وتخييل ، لا تلبث أن تفتضح وتزول ، يدل على هذا جوابهم له : { قَالُوۤاْ أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا ٱلْكِبْرِيَآءُ فِي ٱلأَرْضِ } [ يونس : 78 ] هذا استفهام توريط وتقرير ، تجاه ما أورده موسى من استفهام الإنكار والتعجيب ، فحواه أتقر وتعترف بأنك جئتنا لتصرفنا وتحولنا عما وجدنا عليه آباءنا وأجدادنا من الدين القومي الوطني لنتبع دينك وتكون لك ولأخيك كبرياء الرياسة الدينية ، وما يتبعها من كبرياء الملك والعظمة الدنيوية التابعة لها في أرض مصر كلها ؟ يعنون أنه لا غرض لك من دعوتك إلا هذا وإن لم تعترف به اعترافاً ، جعلوا الخطاب الخاص بالدعوة والغرض منها لموسى لأنه هو الداعي لهم بالذات وأشركوا معه أخاه في ثمرة الدعوة وفائدتها لأنها تكون مشتركة بينهما بالضرورة { وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ } أي وما نحن بمتبعين لكما اتباع إيمان وإذعان فيما يخرجنا من دين آبائنا الذي تقلده عامتنا ، ويسلبنا ملكنا الذي تتمتع بكبريائه خاصتنا - وهم الملك وأركان دولته وبطانته وحواشيه - وهذان الأمران هما اللذان كانا يمنعان جميع الأقوام من اتباع الأنبياء والمصلحين في كل زمان .