Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 10, Ayat: 83-87)

Tafsir: Tafsīr al-Manār

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

هذه الآيات الخمس في بيان ما كان من شأن موسى مع قومه بني إسرائيل الذين أرسله الله ليخرجهم من مصر ، في إثر ما كان من شأنه مع فرعون وملئه . { فَمَآ آمَنَ لِمُوسَىٰ إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ } [ يونس : 83 ] المتبادر إلى فهمي إن عطف هذه الجملة على ما قبلها بالفاء لإفادة السببية أو التفريع ، أي إن إصرار فرعون وقومه على الكفر بموسى بعد خيبة السحرة وظهور حقه على باطلهم ، ثم عزمه على قتله كما أنبأ الله تعالى بقوله : { وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِيۤ أَقْتُلْ مُوسَىٰ وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّيۤ أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُـمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي ٱلأَرْضِ ٱلْفَسَادَ } [ غافر : 26 ] يعني بالفساد الثورة والخروج على السلطان - كما قتل من آمن به من السحرة . كل هذا أوقع الخوف والرعب في قلوب بني إسرائيل قوم موسى فما آمن له إلاَّ ذريّة من قومه وهم الأحداث من المراهقين والشبان ، وقيل قوم فرعون ولكن من آمن به منهم كان يكتم إيمانه ولا يقال آمن له إلا من اتبعه مؤمناً ، ولم يكونوا صغاراً ، والذرية في اللغة الصغار من الأولاد ، قال الراغب وإن كان يقع على الصغار والكبار معاً في التعارف ، ويستعمل للواحد والجمع وأصله الجمع . { عَلَىٰ خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ } [ يونس : 83 ] أي آمنوا على خوف من فرعون وملئهم أي أشراف قومهم الجبناء المرائين الذين هم عرفاؤهم عند فرعون فيما يطلب هو منهم ، فإن الملوك يستذلون الشعوب ويستعبدونهم برؤساء وعرفاء منهم ، وقيل ملأ فرعون وجمع ضميره للتعظيم على خوف منه أن يفتنهم عن الإيمان لموسى واتباع دينه بالتعذيب والإرهاق الفتون الابتلاء والاختبار الشديد للحمل على الشيء أو على تركه ، واستعمل في الاضطهاد والتعذيب للارتداد عن الدين بكثرة كما تقدم في تفسير { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ } [ البقرة : 193 ] . { وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي ٱلأَرْضِ } أي والحال أن فرعون عات شديد العتو مستبد غالب قوي القهر في أرض مصر فهو جدير بأن يخاف منه . فالمراد بعلوه قهره واستبداده كما حكى الله عنه بقوله { وَقَالَ ٱلْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ أَتَذَرُ مُوسَىٰ وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِي ٱلأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَآءَهُمْ وَنَسْتَحْيِـي نِسَآءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ } [ الأعراف : 127 ] . { وَإِنَّهُ لَمِنَ ٱلْمُسْرِفِينَ } أي المتجاوزين حدود الرحمة والعدل ، إلى الظلم والقتل ، والعدوان والبغي ، وغمط الحق واحتقار الخلق ( وهو معنى الكبرياء ) . { وَقَالَ مُوسَىٰ } [ يونس : 84 ] لمن آمن من قومه وقد رأى خوفهم من الفتنة والاضطهاد مرشداً ومثبتاً لهم { يٰقَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِٱللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوۤاْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ } [ يونس : 84 ] أي إن كنتم آمنتم بالله حق الإيمان فعليه توكلوا ، وبوعده فثقوا ، إن كنتم في إيمانكم مستسلمين مذعنين بالفعل ، وإنما يكون الإيمان يقيناً إذا صدقه العمل وهو الإسلام ، وهذا لا يدل على إيمان جميع قومه كما قيل ، فالإيمان بالله غير الإيمان لموسى المتضمن لمعنى الإسلام والاتباع المشار إليه بقوله : { إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ } وهم قد طلبوا منه بعد نجاتهم أن يجعل لهم آلهة من الأصنام ، ثم اتخذوا العجل المصنوع وعبدوه . { فَقَالُواْ عَلَىٰ ٱللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ } [ يونس : 85 ] أي فامتثلوا الأمر ، إذ علموا أنه يتوقف عليه إنجاز الوعد ، وصرحوا به في القول ، مع الدعاء بأن يحفظهم الله من فتنة القوم الظالمين بالفعل ، فإن التوكل على الله الذي هو أكبر مقامات الإيمان لا يكمل إلا بالصبر على الشدائد ، والدعاء لا يصح ولا يقبل فيستجاب ، إلا إذا كان مسبوقاً أو مقارناً لاتخاذ الأسباب ، وهو أن تعمل ما تستطيع ، وتطلب من الله أن يسخر لك ما لا تستطيع . ولفظ : " فتنة " هنا يحتمل معنى الفاتن والمفتون فكأنهم قالوا ربنا لا تسلطهم علينا فيفتنونا ، ولا تفتنا بهم فنتولى عن اتباع نبينا ، أو نضعف فيه فراراً من شدة ظلمهم لنا ، ولا تفتنهم بنا فيزدادوا كفراً وعناداً وظلماً بظهورهم علينا ، ويظنوا أنهم على الحق وأننا على الباطل ومن المعقول والثابت بالتجارب أن سوء حال المؤمنين وأهل الحق في أي حال من ضعف أو فقر أو عمل مذموم يجعلهم موضعاً أو موضوعاً لافتتان الكفار وأهل الباطل بهم ، باعتقاد أنهم هم خير منهم ، كما قال تعالى : { وَكَذٰلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِّيَقُولوۤاْ أَهَـٰؤُلاۤءِ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَآ } [ الأنعام : 53 ] وقال { وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ } [ الفرقان : 20 ] فكيف إذا خذل أهل الحق حقهم ، وكفروا نعمة ربهم ؟ { وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلْكَافِرِينَ } [ يونس : 86 ] أي نجنا من سلطانهم وحكمهم لأن حكم الكافر لا يطاق ، ومثل هذا الدعاء في جملته قوله تعالى في سياق التأسي بإبراهيم والذين آمنوا معه في أقوالهم لقومهم وأفعالهم وتوكلهم { رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ ٱلْمَصِيرُ * رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ وَٱغْفِرْ لَنَا رَبَّنَآ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } [ الممتحنة : 4 - 5 ] وما أجدر المسلمين اليوم بهذه الأسوة ، وتجديد الإنابة ، وتكرار هذا الدعاء خاشعين معتبرين مستعبرين ، فقد أصبحوا فتنة للقوم الكافرين . { وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتاً } [ يونس : 87 ] يقال تبوأ الدار : اتخذها مبوءاً ومباءة أي مسكناً ثابتاً وملجأً يبوء إليه أي يرجع كلما فارقه لحاجة ، وبوأها غيره ، وقوله ( أن تبوءا ) تفسير لأوحينا لأنه بمعنى قلنا لهما : اتخذوا لقومكما بيوتاً في مصر تكون مساكن وملاجئ يبوءون إليها ويعتصمون بها . { وَٱجْعَلُواْ بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً } أي متقابلة في وجهة واحدة ، فالقبلة في اللغة ما يقابل الإنسان ويكون تلقاء وجهه ومنه قبلة الصلاة وهي أخص ويصح الجمع هنا بين المعنيين العام والخاص بقرينة قوله { وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ } أي فيها متوجهين إلى وجهة واحدة لأن الاتحاد في الاتجاه يساعد على اتحاد القلوب كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في حكمة تسوية الصفوف في الصلاة : " ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم " وحكمة هذا أن يكونوا مستعدين لتبليغهما إياهم ما يهمهم ويعنيهم مما بعثا لأجله وهو إنجاؤهم من عذاب فرعون بإخراجهم من بلاده واختلف المفسرون في الجهة التي أمروا باستقبالها والتوجه إليها في الصلاة وهي لا تعلم إلا بنص ولا نص { وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } بحفظ الله إياهم من فتنة فرعون وملئه الظالمين لهم وتنجيتهم من ظلمهم . خص الله موسى بهذا الأمر ( التبشير ) لأنه من أمر الوحي والتبليغ المنوط به ، وأشرك هارون معه في الأمر الذي قبله لأنه تدبير عملي هو وزيره المساعد له على تنفيذه .