Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 11, Ayat: 100-102)

Tafsir: Tafsīr al-Manār

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

هذه الآيات الثلاث في العبرة العامة بما في إهلاك الأمم الظالمة في الدنيا من موعظة ، ويتلوها العبرة بعذاب الآخرة قال تعالى : { ذَلِكَ مِنْ أَنْبَآءِ ٱلْقُرَىٰ } [ هود : 100 ] أي ذلك الذي قصصناه عليك أيها الرسول بعض أنباء الأمم أي أهم أخبارها ، وأطوار اجتماعها في القرى والمدائن من قوم نوح ومن بعدهم { نَقُصُّهُ عَلَيْكَ } في هذا القرآن أو هذه السورة لتتلوه على الناس ويتلوه المؤمنون آناً بعد آن ، للإنذار به تبليغاً عنا ، فهو مقصوص من لدنا بكلامنا { مِنْهَا قَآئِمٌ وَحَصِيدٌ } أي من تلك القرى ما له بقايا مائلة وآثار باقية كالزرع القائم في الأرض ، كقرى قوم صالح ، ومنها ما عفا ودرست آثاره كالزرع المحصود الذي لم يبق منه بقية في الأرض كقرى قوم لوط . { وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَـٰكِن ظَلَمُوۤاْ أَنفُسَهُمْ } [ هود : 101 ] أي وما كان إهلاكهم بغير جرم استحقوا به الهلاك ، ولكن ظلموا أنفسهم بشركهم وفسادهم في الأرض ، وإصرارهم حتى لم يعد فيهم بقية من قبول الحق وإيثار الخير على الشر ، بحيث لو بقوا زمناً آخر لما ازدادوا إلا ظلماً وفجوراً وفساداً ، كما قال نوح عليه السلام : { إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّواْ عِبَادَكَ وَلاَ يَلِدُوۤاْ إِلاَّ فَاجِراً كَفَّاراً } [ نوح : 27 ] وقد بالغ رسلهم في وعظهم وإرشادهم ، فما زادهم نصحهم لهم إلا عناداً وإصراراً ، وأنذروهم العذاب فتماروا بالنذر استكبارا ، واتكلوا على دفع آلهتهم العذاب عنهم إن هو نزل بهم { فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ ٱلَّتِي يَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مِن شَيْءٍ لَّمَّا جَآءَ أَمْرُ رَبِّكَ } أي : فما نفعتهم آلهتهم التي كانوا يدعونها ويطلبون منها أن تدفع عنهم الضر بنفسها أو بشفاعتها عند الله تعالى لما جاء عذاب ربك تصديقاً لنذر رسله { وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ } أي : هلاك وتخسير وتدمير ، وهو من التباب أي الخسران والهلاك : يقال تببه تتبيبا ، أي : أهلكه ، وتب فلان وتبت يده أي خسر أو هلك : " وتبا له " في الدعاء بالهلاك ، ومعنى زيادتهم إياهم تتبيبا أنهم باتكالهم عليهم ازدادوا كفرا وإصرارا على ظلمهم وفسادهم ، ظنا أنهم ينتقمون لهم من الرسل كما قال بعضهم لرسولهم : { إِن نَّقُولُ إِلاَّ ٱعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوۤءٍ } [ هود : 54 ] . { وَكَذٰلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ ٱلْقُرَىٰ وَهِيَ ظَالِمَةٌ } [ هود : 102 ] أي : ومثل ذلك الأخذ بالعذاب وعلى نحو منه أخذ ربك لأهل القرى في حال تلبسها بالظلم في كل زمان وكل قوم { إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ } أي وجيع قاس لا هوادة فيه ولا مفر منه ولا مناص ، فالجملة بيان للتشبيه فيما قبلها . أخرج أحمد والبخاري ومسلم والترمذي وابن ماجه عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه مرفوعا : " إن الله سبحانه وتعالى ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته " ثم قرأ صلى الله عليه وسلم هذه الآية . وهو تصريح بعمومها ، ولكن الظالمين قلما يعتبرون ، ولا سيما إذا كانوا مع ظلمهم مغرورين بدين يتحلون بلقبه ، ولا يحسبون حسابا لإملاء الله تعالى واستدراجه .