Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 11, Ayat: 32-34)

Tafsir: Tafsīr al-Manār

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قال الراغب الجدال المفاوضة على سبيل المنازعة والمغالبة . وأصله من جدلت الحبل إذا أحكمت فتله ومنه الجديل ( أي الحبل المفتول ) وجدلت البناء أحكمته ، ودرع مجدولة والأجدل الصقر المحكم البنية ، والمجدل ( كمنبر ) القصر المحكم البناء ، ومنه الجدال فكأن المتجادلين يفتل كل واحد الآخر على رأيه . وقيل الأصل في الجدال الصراع وإسقاط الإنسان صاحبه على الجدالة وهي ( بالفتح ) الأرض الصلبة اهـ . وقال الفيومي في المصباح المنير جدل الرجل جدلاً فهو جدل من باب تعب إذا اشتدت خصومته ، وجادل مجادلة إذا خاصم بما يشغل عن ظهور الحق ووضوح الصواب ، هذا أصله ، ثم استعمل في لسان حملة الشرع في مقابلة الأدلة لظهور أرجحها ، وهو محمود إن كان للوقوف على الحق وإلا فمذموم اهـ . وقد ورد عدة أحاديث وآثار في ذم الجدل والنهي عنه منها : " ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل " رواه أحمد والترمذي وابن ماجه من حديث أبي أمامة مرفوعا . { قَالُواْ يٰنُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا } أي قد خاصمتنا وحاججتنا فأكثرت جدالنا ، واستقصيت فيه فلم تدع لنا حجة إلا دحضتها حتى مللنا وسئمنا ولم يبق عندنا شيء نقوله - يدل على هذا قوله في قوله تعالى : { قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً * فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَآئِيۤ إِلاَّ فِرَاراً } [ نوح : 5 - 6 ] إلخ وقوله لهم في التعبير عن هذه الحالة من سورة يونس في قوله تعالى : { يٰقَوْمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَّقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ ٱللَّهِ } [ يونس : 71 ] إلخ { فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ } من عذاب الله الدنيوي الذي تخافه علينا ، الأقرب أن يكون المراد به قوله { إِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ } [ هود : 26 ] ويجوز أن يكون غيره كما تقدم { إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ } في دعواك أن الله يعاقبنا على عصيانه في الدنيا قبل الآخرة . { قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ ٱللَّهُ إِن شَآءَ } أي إن هذا لله وبيده لا أملكه أنا وإنما هو الذي يأتيكم به إن تعلقت مشيئته به في الوقت الذي تقتضيه حكمته ، وهذا بيان للواقع لا شك فيه { وَمَآ أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ } ولا فائتين له إن أخره لحكمة يعلمها فهو متى شاء واقع ما له من دافع ، ونفي الإعجاز مؤكد بالباء . { وَلاَ يَنفَعُكُمْ نُصْحِيۤ إِنْ أَرَدْتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِن كَانَ ٱللَّهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ } النصح تحري الصلاح والخير للمنصوح له والإخلاص فيه قولاً وعملاً من قولهم ناصح العسل لخالصه المصفى منه ، ونصح له أفصح من نصحه ، والإغواء الإيقاع في الغي وهو الفساد الحسي والمعنوي ، والمعنى إن نصحي لكم لا ينفعكم بمجرد إرادتي له فيما أدعوكم إليه وإنما يتوقف نفعه على إرادة الله تعالى ، وقد مضت سنته تعالى بما عرف بالتجارب أن نفع النصح له شرطان أو طرفان هما الفاعل للنصح والقابل له ، وإنما يقبله المستعد للرشاد ، وبرفضه من غلب عليه الغي والفساد ، بمقارفة أسبابه من الغرور بالغنى والجاه والكبر ، وهو غمط الحق واحتقار المتكبر لمن يزدري من الناس ، وتعصبه لما كان عليه الآباء والأجداد ، واتباع الهوى وحب الشهوات المانعة من طاعة الله ، فمعنى إرادة الله تعالى لإغوائهم اقتضاء سنته فيهم أن يكونوا من الغاوين ، لا خلفه للغواية فيهم جزافا أنفا ( بضمتين ) أي ابتداء بغير عمل ولا كسب منهم لأسبابها ، فإن هذا مضاد لمذهب أهل السنة في إثبات خلق الأشياء مقدرة بأقدارها ، ترتبط أسبابها بمسبباتها . وفسر ابن جرير ( يغويكم ) بيهلككم بعذابه ، وقد ورد الغي بهذا المعنى ومنه قوله تعالى : { فَسَوْفَ يَلْقَونَ غَيّاً } [ مريم : 59 ] وحكي عن طيء قولهم : أصبح فلان غاوياً ، إذا أصبح مريضاً ، وأصل الغي فساد الجهاز الهضمي من كثرة الغذاء أو سوئه تقول العرب غوى الفصيل إذا فسد جوفه وبشم من كثرة اللبن ، ثم توسعوا فيه فاستعمل في الفساد المعنوي من الإنهماك في الجهل وكل ما ينافي الرشد . والقرائن هي التي ترجح بعض المعاني على بعض ، وموافقة سنن الله وأقداره شرط في الكل ، وبه يعرف الحق في اختلاف الأشاعرة والمعتزلة في الآية وأمثالها بناء على اختلافهم في إرادة الله تعالى لكل من الخير والشر مطلقاً ، وتقدم بسط ذلك في مواضع من هذا التفسير . { هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } أي هو مالك أموركم ومدبرها ومسيرها على سننه المطردة في الدنيا ، ولكل شيء عنده قدر ، ولكل قدر أجل ، وإليه ترجعون في الآخرة فيجزيكم بأعمالكم خيرها وشرها لا يظلم أحداً .