Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 11, Ayat: 53-57)

Tafsir: Tafsīr al-Manār

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

هذه الآيات الخمس في رد قومه للدعوة وجحودهم للبينة ، وحجته عليهم وإنذاره لهم . { قَالُواْ يٰهُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ } [ هود : 53 ] أي بحجة ناهضة تدل على إن ما جئت به من الله تعالى { وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِيۤ آلِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ } أي وما نحن بالذين نترك عبادة آلهتنا صادرين عن قولك أو تركا صادراً عن قولك من تلقاء نفسك وأنت بشر مثلنا { وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ } أي وما نحن بمتبعين لك اتباع إيمان وتصديق برسالتك التي لا بينة لك عليها ، وما قولهم هذا إلا جحود وعناد ، فإن حجته عليه السلام موافقة للعقل والفطرة السليمة . { إِن نَّقُولُ إِلاَّ ٱعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوۤءٍ } أي ما نجد من قول نقوله فيك إلا إن بعض آلهتنا أصابك بجنون أو خبل وهو الهوج والبله لإنكارك لها وصدك إيانا عنها { قَالَ إِنِّيۤ أُشْهِدُ ٱللَّهَ وَٱشْهَدُوۤاْ أَنِّي بَرِيۤءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ مِن دُونِهِ } هذا بدء جواب يتضمن عدة مسائل ( احداها ) البراءة من شركهم أو شركائهم التي افتروها ولا حقيقة لها ( الثانية ) إشهاد الله على ذلك لثقته بأنه على بينة منه فيه - وإشهاده إياهم عليه أيضا لإعلامهم بعدم مبالاته بهم وبما يزعمون من قدرة شركائهم على إيذائه ( الثالثة ) قوله { فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ } أي فأجمعوا أنتم وشركاؤكم ما تستطيعون من الكيد للإيقاع بي ثم لا تمهلوني ولا تؤخروا الفتك بي إن استطعتم ، أي إنه لا يخافهم ولا يخاف آلهتهم . وتقدم مثل هذا في تلقين نبينا صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى بعد تقرير عجز آلهة المشركين وهو في قوله تعالى : { قُلِ ٱدْعُواْ شُرَكَآءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلاَ تُنظِرُونِ } [ الأعراف : 195 ] ومثله حكاية عن نوح في سورة يونس في قوله تعالى : { فَأَجْمِعُوۤاْ أَمْرَكُمْ وَشُرَكَآءَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ ٱقْضُوۤاْ إِلَيَّ وَلاَ تُنظِرُونَ } [ يونس : 71 ] وقد قدم نوح على هذا الأمر توكله على الله تعالى ، وأخره هود بقوله وهو المسألة ( الرابعة ) . { إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى ٱللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ } هذا احتجاج على ما دل عليه ما قبله من عدم الخوف منهم ومن آلهتهم ، يقول إني وكلت أمر حفظي وخذلانكم إلى الله معتمداً عليه وحده إذ هو ربي وربكم ، أي مالك أمري وأموركم المتصرف فيها وفي غيرها بدليل قوله { مَّا مِن دَآبَّةٍ } تدب على هذه الأرض { إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَآ } أي مسخرها ومتصرف فيها ، والتعبير بالأخذ بالناصية وهو مقدم شعر الرأس تمثيل لتصرف القهر ، والخضوع الذي لا مهرب منه ولا مفر ، وتقدمت الجملة في أول الآية السادسة من هذه السورة ، ويؤيده من سورة العلق : { لَئِن لَّمْ يَنتَهِ لَنَسْفَعاً بِٱلنَّاصِيَةِ } [ العلق : 15 ] أي لنأخذن بها أخذ القاهر المؤدب قال في الأساس : وسفع بناصية الفرس ليلجمه أو يركبه ، وسفع بناصية الرجل ليلطمه ويؤدبه { إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } أي على طريق الحق والعدل لا يسلط أهل الباطل من أعدائه على أهل الحق من رسله ومتبعيهم . من أوليائه ، ولا يضيع حقا ولا يفوته ظالم . { فَإِن تَوَلَّوْاْ } [ هود : 57 ] أي فإن تتولوا مجرمين ولم تنتهوا بنهيي لكم عن التولي ولم تطيعوا أمري لكم بعبادة الله وحده وترك الإشراك به { فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَّآ أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ } أي فقد أبلغتكم رسالة ربي التي أرسلني بها إليكم وليس علي غير البلاغ ولزمتكم الحجة ، وحقت عليكم كلمة العذاب { وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ } إذا هو أهلككم بإصراركم على كفركم وإجرامكم { وَلاَ تَضُرُّونَهُ شَيْئاً } ما من الضرر بتوليكم عن الإيمان ، فإنه غني عنكم وعن إيمانكم في قوله تعالى : { إِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ وَلاَ يَرْضَىٰ لِعِبَادِهِ ٱلْكُفْرَ وَإِن تَشْكُرُواْ يَرْضَهُ لَكُمْ } [ الزمر : 7 ] ويستلزم هذا إنكم لا تضرون رسوله ولعله هو المراد ، ويؤيده قوله { إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ } أي قائم ورقيب عليه بالحفظ والبقاء ، على ما اقتضته سنته وتعلقت به مشيئته ، ومنه أنه ينصر رسله ويخذل أعداءه وأعداءهم إذا أصروا على الكفر بعد قيام الحجة عليهم .