Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 11, Ayat: 64-68)

Tafsir: Tafsīr al-Manār

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

هذه الآيات الخمس في بينة الله لصالح عليه السلام وهي آيته على رسالته ، وإنذارهم الهلاك وعذاب الاستئصال إذا هم مسوها بسوء ، ووقوع ذلك بالفعل . { وَيٰقَوْمِ هَـٰذِهِ نَاقَةُ ٱللَّهِ لَكُمْ آيَةً } [ هود : 64 ] أي الناقة التي شرفها الله بإضافتها إلى اسمه بجعلها ممتازة دون الإبل بما ترون من أمرها وأكلها وشربها ، أشير إليها حال كونها لكم آية منه بينة دالة على هلاككم إن خالفتم أمره فيها { فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِيۤ أَرْضِ ٱللَّهِ } مما فيها من المراعي لا يعرض لها أحد بمنع { وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوۤءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ } أي لا يمسها أحد منكم بأذى فيأخذكم كلكم عذاب عاجل لا يتأخر عن مسكم إياها بعقر أو غيره ، وقد تقدم هذا الإنذار بنصه في قصته من سورة الأعراف إلا أنه قال هناك ( عذاب أليم ) وكل من الوصفين حق وقد تكلمت هنالك على هذه الناقة ومعنى إضافتها إلى الله تعالى ، وما جاء فيها من السور الأخرى ومنه قسمة الماء بينها وبينهم ( فيراجع في ج8 ) . { فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُواْ فِي دَارِكُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ } [ هود : 65 ] يقولون عقر الناقة ( من باب ضرب ) بالسيف إذا ضرب قوائمها به أو نحرها ، أي فقتلوا الناقة عقب ذلك الإنذار غير مصدقين له ولا مبالين بالوعيد ، فضرب لهم صالح ثلاثة أيام موعداً يتمتعون بها في وطنهم كما كانوا في معايشهم { ذٰلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ } أي وعد من الله غير مكذوب فيه ، وكذب يتعدى بنفسه فيقال كذب فلانا حديثا وكذبه الحديث أي كذب عليه فيه ، والوعد خبر موقوت ، كأن الواعد قال للموعود إنني أفي به في وقته ، فإن وفى فقد صدقه ولم يكذبه ، ويجوز أن يكون ( مكذوب ) مصدراً وله نظائر كالمفتون والمجلود ومنه ( بأيكم المفتون ) . { فَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحاً وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ } [ هود : 66 ] أي فلما جاء أمرنا بإنجاز وعدنا بعذابهم نجينا صالحا والذين آمنوا معه برحمة خاصة منا ، ونجيناهم من خزي ذلك اليوم أي ذله ونكاله باستئصال القوم من الوجود ، وما يتبعه من سوء الذكر ولعنة الإبعاد من رحمة الله تعالى ، وأصل التعبير نجيناهم برحمة منا من خزي يومئذ ففصل بين : " من " التي هي صفة الرحمة ، و من الموصلة للعذاب كما تقدم في قصة هود بدون إعادة فعل التنجية الذي صرح به هناك ، وقدّر هنا استغناء عن ذكره بقرب مثله . فهذه الآية كالآية 58 في قصة هود ومعناهما واحد ، إلا أن هذه جاءت بالفاء ( فلما ) وتلك بالواو وهو الأصل في مثل هذا العطف ، وإنما كانت الفاء هي المناسبة لما هنا لأن ما قبلها جاء بالفاءات المتعاقبة الواقعة في مواقعها من أمر الإنذار فالوعيد على المخالفة فالمخالفة فتحديد موعد العذاب بثلاثة أيام فالإخبار بإنجازه ووقوعه - فما كان المناسب في هذا إلا أن يكون بالفاء تعقيباً على ما قبله كما قال في آخر سورة الشمس : { فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ ٱللَّهِ نَاقَةَ ٱللَّهِ وَسُقْيَاهَا * فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنبِهِمْ فَسَوَّاهَا } [ الشمس : 13 - 14 ] وإنما بينت هذا من نكت البلاغة لأنني لم أره في التفاسير التي تعنى بها . فليتأمل القارئ هذه الدقة الغريبة في اختلاف التعبير عن المعنى الواحد في الموضوع الواحد والفروق الدقيقة في العطف ، فإنها لا توجد في كلام أحد من بلغاء البشر البتة ، وليعذر الذين يفهمونها إذا جعلوا بلاغة القرآن هي التي أعجزت العرب والإنس والجن عن الإتيان بسورة مثله وإن كان إعجازه العلمي من وجوهه الكثيرة أعلى { إِنَّ رَبَّكَ هُوَ ٱلْقَوِيُّ ٱلْعَزِيزُ } إن ربك أيها الرسول الذي فعل هذا قادر على فعل مثله بقومك إذا أصروا على الجحود ، فإنه هو القوي المقتدر الذي لا يعجزه إنجاز وعده ، العزيز الغالب على أمره . قرأ الجمهور ( يومئذ ) بجر يوم بالإضافة ، وقرأه نافع والكسائي بالفتح وهما لغتان ، ومثله في سورة المعارج : { لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ } [ المعارج : 11 ] . { وَأَخَذَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ ٱلصَّيْحَةُ } [ هود : 67 ] الأخذ في أصل اللغة التناول باليد واستعمل في المعاني كأخذ الميثاق والعهد وفي الإهلاك ، والصيحة المرة من الصوت الشديد والمراد بها هنا صيحة الصاعقة التي نزلت بقوم صالح فأحدثت رجفة في القلوب وزلزلة في الأرض ، وصعق بها جميع القوم { فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ } أي ساقطين على وجوههم مصعوقين لم ينج منهم أحد ، شبهوا بالطير في لصوقها بالأرض يقال جثم الطائر والأرنب ( من باب ضرب ) جثوما وهو كالبروك من البعير . وتقدم في سورة الأعراف في قوله تعالى : { فَأَخَذَتْهُمُ ٱلرَّجْفَةُ } [ الأعراف : 78 ] إلخ وقد فصلنا في تفسيرها ما ورد من اختلاف التعبير فيها وفي هذه الآية ومثلها آية سورة الذاريات حيث قال : { فَأَخَذَتْهُمُ ٱلصَّاعِقَةُ } [ الذاريات : 44 ] وبينا معنى الصاعقة الذي عرف من سنن الله تعالى في نوعي الكهربائية الإيجابي والسلبي فيراجع في ( ج8 تفسير ) ومنه يعلم غلط من قال إن الصيحة صوت جبريل عليه السلام . { كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَآ } [ هود : 68 ] هو من غني بالمكان ( كرضي ) إذا أقام فيه ، أي كأنهم في سرعة زوالهم ، وعدم بقاء أحد منهم في ديارهم ، لم يقيموا فيها البتة { أَلاَ إِنَّ ثَمُودَ كَفرُواْ رَبَّهُمْ أَلاَ بُعْداً لِّثَمُودَ } تقدم مثله آنفا في قوم هود ، وفي ثمود قراءتان سبعيتان مشهورتان تنوينه لأنه مصروف بمعنى الحي أو القوم ، ومنعه من الصرف بمعنى القبيلة ، وهذه قراءة أكثر الناس في زماننا . إبراهيم ( صلى الله عليه وسلم ) مع الملائكة عليهم السلام . ذكر إبراهيم صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله في 24 سورة من القرآن منها ما هو في قصته مع أبيه وقومه في وطنه مجملا ومفصلا على ما علمناه من سنة القرآن ، ومنها ما هو في بيان إمامته وكون ملته أساس دين الله تعالى على ألسنة رسله من عهده إلى خاتمهم ( عليهم الصلاة والسلام ) ومنها ما هو في بشارته بولديه إسماعيل فإسحاق عليهما السلام وما وعده الله له ولهما ولذريتهما ، وما هو خاص بإسماعيل وقومه العرب من بناء البيت الحرام وإسكانه هنالك ، ومنها ما هو في بشارة الملائكة إياه بإسحاق وإخباره بإهلاك قوم لوط ، ومنه هذه الآيات .