Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 11, Ayat: 74-76)
Tafsir: Tafsīr al-Manār
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ ٱلرَّوْعُ وَجَآءَتْهُ ٱلْبُشْرَىٰ يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ } [ هود : 74 ] أي فلما سري عن إبراهيم وانكشف ما راعه من الخيفة والرعب إذ علم أن هؤلاء الرسل من ملائكة العذاب ، وجاءته البشرى بالولد واتصال النسل ، أخذ يجادل رسلنا فيما أرسلناهم به من عقاب قوم لوط ، جعلت مجادلتهم ومراجعتهم مجادلة له تعالى لأنها مجادلة في تنفيذ أمره ، وإنما قال ( يجادلنا ) دون ( جادلنا ) - والأصل في جواب ( لما ) : " أن يكون فعلاً ماضياً - لتصوير تلك الحال كأنها حاضرة ، أو لتقدير ماض قبله كالذي قلنا ، والمراد بالمجادلة ما ذكر في سورة العنكبوت من قوله تعالى : { وَلَمَّا جَآءَتْ رُسُلُنَآ إِبْرَاهِيمَ بِٱلْبُشْرَىٰ قَالُوۤاْ إِنَّا مُهْلِكُوۤ أَهْلِ هَـٰذِهِ ٱلْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُواْ ظَالِمِينَ * قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطاً قَالُواْ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَن فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ ٱمْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ ٱلْغَابِرِينَ } [ العنكبوت : 31 - 32 ] . { إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ } [ هود : 75 ] هذا تعليل لمجادلة إبراهيم في عذاب قوم لوط وهو أنه كان حليما لا يحب المعاجلة بالعقاب ، كثير التأوه مما يسوء ويؤلم ، منيب يرجع إلى الله في كل أمر ، وقد تقدم وصفه بالأواه الحليم في الآية سورة التوبة : 114 . وهذه المجادلة المشار إليها هنا المجملة في سورة العنكبوت مفصلة في الفصل الثامن عشر من سفر التكوين من أوله إلى آخره ، وجعلت فيه مجادلة للرب سبحانه لا لرسله ، ففي أوله إن الرب ظهر لإبراهيم وهو جالس في باب الخيمة فظهر له ثلاثة رجال ، وذكر خبر ضيافته لهم بالعجل وخبز الملة وأنهم أكلوا وبشروه بالولد ، وأن امرأته سارة سمعت فضحكت وتعجبت ، وعللت تعجبها بكبرها وانقطاع عادة النساء عنها ( 13 فقال الرب لإبراهيم لماذا ضحكت سارة هل يستحيل على الرب شيء ؟ ) إلخ . ثم قال ( 22 وانصرف الرجال ( يعني الملائكة ) من هناك وذهبوا نحو سدوم ( أي قرية قوم لوط ) وأما إبراهيم فكان لم يزل قائماً أمام الرب 23 فتقدم إبراهيم وقال : أفتهلك البار مع الأثيم 24 عسى أن يكون هناك خمسون باراً في المدينة ، أفتهلك المكان ولا تصفح عنه من أجل الخمسين باراً الذين فيه ؟ 26 فقال الرب إن وجدت في سدوم خمسين باراً فإني أصفح عن المكان كله من أجلهم ) ثم كلمه إبراهيم مثل هذا في خمسة وأربعين ثم في أربعين ثم في ثلاثين ثم في عشرين ثم في عشرة ، والرب يعده في كل من هذه الأعداد بأنه من أجلهم لا يهلك القوم ( ثم قال ) 33 وذهب الرب عندما فرغ من الكلام مع إبراهيم إلى مكانه " . فتأمل الفرق بين عبارات القرآن الوجيزة المفيدة المنزهة للرب تعالى عن مشابهة الخلق وعبارات ما يسمونه التوراة في تشبيه الله بعباده وتطويلها غير المفيد . { يَٰإِبْرَٰهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَـٰذَآ } [ هود : 76 ] بيان مستأنف لما أجابته به الملائكة عن الله تعالى ، أي أعرض عن الجدال في أمر قوم لوط والاسترحام لهم { إِنَّهُ قَدْ جَآءَ أَمْرُ رَبِّكَ } أي إن الحال والشأن فيهم قد قضي بمجيء أمر ربك الذي قدره لهم { وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ } بجدال ولا شفاعة فهو واقع ما له من دافع . فهل يعتبر بهذا من يتخذون لله أنداداً من أوليائه أو أوليائهم يزعمون أنهم يتصرفون في الكون كما يشاءون ، وأن قوله تعالى في أهل الجنة : { لَهُم مَّا يَشَآءُونَ عِندَ رَبِّهِمْ } [ الزمر : 34 ، الشورى : 22 ] هو لهؤلاء الأولياء في الدنيا فلا يرد لهم طلبا ولا شفاعة ولا يريد ما لا يريدونه ! يكذبون على الله ويحرفون كتابه وهم يدعون أنهم مسلمون مؤمنون بأن أفضل الخلق بعد محمد جده إبراهيم الخليل عليهما وآلهما الصلاة والسلام ؟ قصة لوط عليه السلام وإهلاك قومه : في سفر التكوين إن لوطا عليه السلام ابن هارون أخي إبراهيم صلى الله عليه وسلم وأنه هاجر معه من مسقط رأسهما ( أور الكلدانيين ) في العراق إلى أرض الكنعانيين وسكن إبراهيم في أرض كنعان ، ولوط في مدن دائرة الأردن ، وقاعدتها سدوم ويليها عمورة فصوغر ، وإنما افترقا اتقاء اختلاف رعيانهما وإيقاعهما في الخصومة التي لا ينبغي أن تكون بين الآخوين ( أي العم وابن أخيه ) وكان لوط عليه السلام في سدوم ويظن الكثيرون من الباحثين أن بحيرة لوط قد غمرت موضعها بعد الخسف فلا يعلم موضعه بالضبط . وقيل أنه عثر على آثارها في هذا العهد .