Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 79-79)

Tafsir: Tafsīr al-Manār

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قال المفسّر ( الجلال ) : إنّهم كانوا يكتبون الأحكام على خلاف ما هي عليه في الكتاب ، كآية الرجم ووصف النبيّ صلى الله عليه وسلم . وقال الأستاذ الإمام : لو كان هذا هو المراد من هذه الآية ، لما بديء الكلام بالفاء ، وإنّما الآية وعيد على أن لبسوا على الناس بالكتابة وتأليف الكتب الدينيّة وإيهام العامّة أنّ كلّ ما كتبوه فيها مأخوذ من كتاب الله ، كما يعتقد المقلّدون من كل ملّة بكتب الدين التي يألفها علماؤهم في الأصول والفروع ، حتى أن بعضهم يقول : إن اختلافها لا ينافي كونها من عند الله خلافاً لقوله تعالى : { وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ ٱللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ ٱخْتِلاَفاً كَثِيراً } [ النساء : 82 ] . فهذه الكتب هي مثار الأماني والغرور ؛ ولذلك أنذر على أصحابها الهلاك ، بعد ما ذكر أصناف اليهود من منافقين ومحرّفين وأمّيّين فقال : { فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ ٱلْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَـٰذَا مِنْ عِنْدِ ٱللَّهِ } . أقول : أي ويل وهلاك عظيم لأولئك العلماء الذين يكتبون الكتب بأيديهم ويودعونها آراءهم ويحملون الناس على التعبد بها قائلين : إن ما فيها من عند الله ويمكن الإستغناء بها عن كتاب الله الذي نفهم منه ما لا يفهم غيرنا . يخطبون بتلك الكتب ميل العامة وودّهم ، ويبتغون الجاه عندهم ويأكلون أموالهم بالدين . ولذلك قال : { لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً } وكل ما يباع به الحق ويترك لأجله فهو قليل ؛ لأنّ الحق أثمن الأشياء وأغلاها ، وأرفعها وأعلاها ، ولذلك كرر الوعيد فقال : { فَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ } فالهلاك والويل محيط بهم من أقطارهم ، ونازل بهم من جانب الوسيلة ومن جانب المقصد . قال الأستاذ الإمام : مَنْ شاء أن يرى نسخة ممّا كان عليه أولئك اليهود فلينظر فيما بين يديه فإنّه يراها واضحة جليّة ، يرى كتباً ألفت في عقائد الدين وأحكامه حرّفوا فيها مقاصده وحولوها إلى ما يغرّ الناس ويمنّيهم ويفسد عليهم دينهم ، ويقولون هي من عند الله ، وما هي من عند الله ، وإنّما هي صادّة عن النظر في كتاب الله والإهتداء به . ولا يعمل هذا إلاّ أحد رجلين : رجل مارق من الدين يتعمد إفساده ويتوخّى إضلال أهله ، فيلبس لباس الدين ويظهر بمظهر أهل الصلاح يخادع بذلك الناس ليقبلوا ما يكتب ويقول . ورجل يتحرّى التأويل ويستنبط الحيل ليسهّل على الناس مخالفة الشريعة ابتغاء المال والجاه . ثم ذكر الأستاذ وقائع طابق فيها بين ما كان عليه اليهود من قبل وما عليه المسلمون الآن . ذكر وقائع للقضاة والمأذونين وللعلماء والواعظين ، فسقوا فيها عن أمر ربّهم ، فمنهم مَنْ يتأوّل ويغترّ بأنّه يقصد نفع أمّته ، كما كان أحبار اليهود يفتون بأكل الربا أضعافاً مضاعفة ليستغني شعب إسرائيل ، ومنهم مَنْ يفعل ما يفعل عامداً عالماً أنه مبطل ، ولكن تغرّه أماني الشفاعات والمكفّرات .