Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 98-99)
Tafsir: Tafsīr al-Manār
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
أقول لما أقام سبحانه الحجة على أهل الكتاب وبين بطلان شبهاتهم على نبوّة محمّد صلى الله عليه وسلم وكونه على ملة إبراهيم عليه السّلام أمره أن يبكتهم على كفرهم وصدهم عن سبيل الإيمان ، وابتغائه عوجاً وضلالهم بذلك على علم . فقال : { قُلْ يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ } في بيته الدالّة على كونه أوّل بيت وضع لعبادته وعلى بناء إبراهيم له وتعبده فيه قبل وجود بني إسرائيل وبيت المقدس ، أو بآياته على صحة نبوّة محمد وإحيائه لملّة إبراهيم الذي تعترفون بنبوّته وفضله . ومنها ما ذكر عن البيت { وَٱللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ } أي والحال أن الله تعالى مطلع على عملكم هذا وسائر أعمالكم محيط به ، أفلا تخافون أن يأخذكم به ويجازيكم عليه أشدّ الجزاء ؟ { قُلْ يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ مَنْ آمَنَ } أي لأي شيء تصرفون من آمن بمحمّد صلى الله عليه وسلم واتّبعه عن الإيمان ، وهو سبيل الله الموصلة إلى رضوانه ورحمته بما ترقي من عقل المؤمن بالعقائد الصّحيحة ومن نفسه بالأخلاق الكريمة والأعمال الصالحة ، تصدون عنها بالتكذيب كبراً وحسداً ، وإلقاء الشبهات الباطلة مكابرة وبغياً والكيد للنبي والمؤمنين بغياً وعدواناً { تَبْغُونَهَا عِوَجاً } أي لم تصدون عنها قاصدين بصدكم أن تكون معوجة في نظر من يؤمن لكم ويغتر بكيدكم و { وَأَنْتُمْ شُهَدَآءُ } بأنها سبيل الله المستقيمة ، لا ترون فيها عوجاً ولا أمتاً عارفون بما ورد فيها من البشارات عن الأنبياء . ويلزم من ذلك أن من صد عنها ضال مضل . وقيل : الشهداء في قومكم ، توصفون فيهم بالعدل وتستشهدون في القضايا ، ومن كان كذلك كان أقدر على الصد ، وقال الأستاذ الإمام : المعنى وأنتم شهداء على بقايا الكتاب وما يؤثر عن النبيين ؛ فكان من حقكم أن تكونوا أقرب الناس إلى معرفة هذه السبيل سبيل الحق والسبق إليها بالإيمان بمحمّد صلى الله عليه وسلم . { وَمَا ٱللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } من هذا الصّد وغيره فهو يجازيكم عليه . فالتذييل تهديد لهم ووعيد ، وقد جاء بنفي الغفلة لأن صّدهم عن الإسلام كان بضروب من المكايد والحيل الخفية التي لا تروج إلا على الغافل . كما ختم الآية السابقة بكونه شهيداً على عملهم ، لأن العمل الذي ذكر فيها هو الكفر وهو ظاهر مشهود ، فذكر في كل آية ما يناسب المقام . أخرج الفريابي وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : " كانت الأوس والخزرج في الجاهلية بينهما شرّ ، فبينما هم جلوس ذكروا ما ( كان ) بينهم حتى غضبوا وقام بعضهم إلى بعض بالسّلاح فنزلت { وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ } [ آل عمران : 101 ] الآية والآيتان بعدها " . وأخرج ابن إسحاق وأبو الشيخ عن زيد بن أسلم قال : مرّ شاس بن قيس - وكان يهودياً - على نفر من الأوس والخزرج يتحدثون ، فغاظه ما رأى من تآلفهم بعد العداوة ، فأمر شاباً معه من يهود أن يجلس بينهم فيذكرهم يوم بعاث ، ففعل ، فتنازعوا وتفاخروا حتى وثب رجلان : أوس بن قرظي من الأوس وجبّار بن صخر من الخزرج ، فتقاولا ، وغضب الفريقان ، وتواثبوا للقتال . فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء حتى وعظهم وأصلح بينهم ، فسمعوا وأطاعوا . فأنزل الله في أوس أو جبّار : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقاً مِّنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ } [ آل عمران : 100 ] الآية . وفي شاس بن قيس : { قُلْ يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ } [ آل عمران : 99 ] الآية . انتهى من لباب النقول للسيوطي . وأخرجه ابن جرير في التفسير مفصلاً عن زيد بن أسلم ، قال : مرّ شاس بن قيس - وكان شيخاً قد عتا في الجاهلية ، عظيم الكفر ، شديد الضّغن على المسلمين ، شديد الحسد لهم - على نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأوس والخزرج في مجلس قد جمعهم يتحدثون فيه ، فغاظه ما رأى من جماعهم وألفتهم وصلاح ذات بينهم على الإسلام بعد الذي كان منهم من العداوة في الجاهلية ، فقال : قد اجتمع ملأ بني قيلة بهذه البلاد ، والله ما لنا معهم إذا اجتمع ملؤهم بها من قرار . فأمر فتى شاباً من اليهود - وكان معه - فقال : أعمد إليهم فأجلس معهم وذكرهم يوم بعاث وما كان قبله ، وأنشدهم بعض ما كانوا تقاولوا فيه من الأشعار ، وكان يوم بعاث يوماً إقتتلت فيه الأوس والخزرج ، وكان الظفر فيه للأوس على الخزرج ، ففعل ، فتكلم القوم عند ذلك ، فتنازعوا وتفاخروا ، حتى تواثب رجلان من الحيين على الركب - أوس بن قيظي أحد بني حارثة بن الحارث من الأوس وجبّار بن صخر أحد بني سلمة من الخزرج - فتقاولا ثم قال أحدهما لصاحبه : إن شئتم والله رددناها الآن جذعة ، وغضب الفريقان وقالوا : قد فعلنا ، السّلاح السلاح موعدكم الظاهرة : - والظاهرة الحرة - فخرجوا إليها وتحاور الناس ، فإنضمت الأوس بعضها إلى بعض والخزرج بعضها إلى بعض على دعواهم التي كانوا عليها في الجاهلية . فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج إليهم فيمن معه من المهاجرين من أصحابه حتى جاءهم فقال : " يا معشر المسلمين الله الله ، أتدعون بدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم ، بعد أن هداكم الله إلى الإسلام ، وأكرمكم به وقطع به عنكم أمر الجاهلية ، واستنقذكم به من الكفر ، وألف به بينكم ، ترجعون إلى ما كنتم عليه كفاراً " ! ؟ فعرف القوم أنها نزغة من الشيطان وكيد من عدوهم ، فألقوا السّلاح من أيديهم ، وبكوا وعانق الرجال من الأوس والخزرج بعضهم بعضاً ؛ ثم انصرفوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سامعين مطيعين ، قد أطفأ الله عنهم كيد عدو الله شاس بن قيس وما صنع . قال ابن جرير : فأنزل الله في شاس بن قيس وما صنع { قُلْ يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ } إلى آخر الآيتين السابقتين ، قال : وأنزل الله عز وجل في أوس بن قيظي وجبّار بن صخر ومن كان معهما من قومهما : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقاً مِّنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ } [ آل عمران : 100 ] - إلى قوله - { لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } [ آل عمران : 103 ] وأورد صاحب الكشاف ، الرواية مختصرة ، وقال في آخرها : فما كان يوم أقبح أولا وأحسن آخراً من ذلك اليوم : - فعلى هذا تكون الآيتان السابقتان متصلتين بالآيات الآتية .