Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 106-108)
Tafsir: Tafsīr al-Manār
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
جاء في أسباب نزول هذه الآيات ومعناها في الدر المنثور ما نصه : أخرج الترمذي وضعفه وابن جرير وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه وأبو الشيخ وابن مردويه وأبو نعيم في المعرفة من طريق أبي النضر وهو الكلبي عن بأذان مولى أم هانئ عن ابن عباس عن تميم الداري في هذه الآية : { يِآ أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ } قال برئ الناس منها غيري وغير عدي بن بداء ، وكانا نصرانيين يختلفان إلى الشام قبل الإسلام ، فأتيا الشام لتجارتهما وقدم عليهما مولى لبني سهم يقال له بديل بن أبي مريم بتجارة ومعه جام من فضة يريد به الملك وهو أعظم تجارته فمرض فأوصى إليهما وأمرهما أن يبلغا ما ترك أهله ، قال تميم فلما مات أخذنا ذلك الجام فبعناه بألف درهم ثم اقتسمناه أنا وعدي بن بداء ، فلما قدمنا إلى أهله دفعنا إليهم ما كان معنا وفقدوا الجام فسألونا عنه فقلنا : ما ترك غير هذا وما دفع إلينا غيره . قال تميم فلما أسلمت بعد قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم تأثمت من ذلك فأتيت أهله فأخبرتهم الخبر وأديت إليهم خمسمائة درهم وأخبرتهم أن عند صاحبي مثلها . فأتوا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألهم البينة فلم يجدوا ، فأمرهم أن يستحلفوه بما يعظم به على أهل دينه فحلف ، فأنزل الله { يِآ أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ } - إلى قوله - { أَن تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ } فقام عمرو بن العاص ورجل آخر فحلفا فنزعت الخمسمائة من عدي بن بداء . وأخرج البخاري في تاريخه والترمذي وحسنه وابن جرير وابن المنذر والنحاس والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال خرج رجل من بني سهم مع تميم الداري وعدي بن بداء فمات السهمي بأرض ليس فيها مسلم فأوصى إليهما فلما قدما بتركته فقدوا جاماً من فضة مخوصاً بالذهب فأحلفهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بالله ما كتمتماها ولا أطلعتما ثم وجدوا الجام بمكة فقيل إشتريناه من تميم وعدي ، فقام رجلان من أولياء السهمي فحلفا بالله : لشهادتنا أحق من شهادتهما وأن الجام لصاحبهم ، وأخذ الجام وفيه نزلت { يِآ أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ } . وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن عكرمة قال كان تميم الداري وعدي بن بداء رجلين نصرانيين يتجران إلى مكة في الجاهلية ويطيلان الإقامة بها ، فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم حوّلا متجرهما إلى المدينة فخرج بديل بن أبي مارية مولى عمرو بن العاص تاجراً حتى قدم المدينة فخرجوا جميعاً تجاراً إلى الشام ، حتى إذا كانوا ببعض الطريق اشتكى بديل فكتب وصيته بيده ثم دسها في متاعه وأوصى إليهما فلما مات فتحا متاعه فأخذا منه شيئاً ثم حجراه كما كان وقدما المدينة على أهله فدفعا متاعه ، ففتح أهله متاعه فوجدوا كتابه وعهده وما خرج به ، وفقدوا شيئاً فسألوهما عنه فقالوا هذا الذي قبضنا له ودفع إلينا ، فقالوا لهما هذا كتابه بيده ، قالوا ما كتمنا له شيئاً . فترافعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية : { يِآ أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ } - إلى قوله : { إِنَّآ إِذَاً لَّمِنَ ٱلآَثِمِينَ } فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يستحلفوهما في دبر صلاة العصر بالله الذي لا إله إلا هو ما قبضنا له غير هذا ولا كتمنا ، فمكثا ما شاء الله أن يمكثا ، ثم ظُهر معهما على إناء من فضة منقوش مموه بذهب ، فقال أهله هذا من متاعه ، قالا نعم ولكنا اشتريناه منه ونسينا أن نذكره حين حلفنا فكرهنا أن نكذب نفوسنا ، فترافعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت الآية الأخرى { فَإِنْ عُثِرَ عَلَىٰ أَنَّهُمَا ٱسْتَحَقَّآ إِثْماً } فأمر النبي صلى الله عليه وسلم رجلين من أهل الميت أن يحلفا على ما كتما وغيبي ويستحقانه ، ثم إن تميماً الداري أسلم وبايع النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان يقول صدق الله ورسوله أنا أخذت الإناء . ثم قال يا رسول الله إن الله يظهرك على أهل الأرض كلها فهب لي قريتين من بيت لحم وهي القرية التي ولد فيها عيسى فكتب له بها كتاباً ، فلما قدم عمر الشام أتاه تميم بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عمر أنا حاضر ذلك فدفعها إليه . وأخرج عبد بن حميد عن عاصم أنه قرأ { شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ } مضاف برفع شهادة بغير نون وبخفض بينكم . وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس { يِآ أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ حِينَ ٱلْوَصِيَّةِ ٱثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ } هذا لمن مات وعنده المسلمون أمره الله أن يشهد على وصيته عدلين من المسلمين ثم قال { أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي ٱلأَرْضِ } فهذا لمن مات وليس عنده أحد من المسلمين ، أمره الله بشهادة رجلين من غير المسلمين ، فإن إرتيب بشهادتهما استحلفا بالله بعد الصلاة ما إشتريناه بشهادتنا ثمنا قليلاً ، فإن اطلع الأولياء على إن الكافرين كذباً في شهادتهما قام رجلان من الأولياء فحلفا بالله إن شهادة الكافرين باطلة ، فذلك قوله تعالى : { فَإِنْ عُثِرَ عَلَىٰ أَنَّهُمَا ٱسْتَحَقَّآ إِثْماً } يقول إن أطلع على أن الكافرين كذباً قام الأولياء فحلفا أنهما كذبا ، ذلك أدنى أن يأتي الكافران بالشهادة على وجهها أو يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم فتترك شهادة الكافرين ويحكم بشهادة الأولياء ، فليس على شهود المسلمين أقسام إنما الأقسام إذا كانا كافرين . وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله : { ٱثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ } قال من أهل الإسلام { أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ } قال من غير أهل الإسلام وفي قوله : { فَيُقْسِمَانِ بِٱللَّهِ } يقول يحلفان بالله بعد الصلاة وفي قوله : { فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا } قال من أولياء الميت { فَيُقْسِمَانِ بِٱللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِن شَهَادَتِهِمَا } يقول فيحلفان بالله ما كان صاحبنا ليوصي بهذا أنهما لكاذبان ، وفي قوله : { ذٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يَأْتُواْ بِٱلشَّهَادَةِ عَلَىٰ وَجْهِهَآ أَوْ يَخَافُوۤاْ أَن تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ } يعني أولياء الميت فيستحقون ماله بأيمانهم ثم يوضع ميراثه كما أمر الله وتبطل شهادة الكافرين وهي منسوخة . وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن مسعود إنه سئل عن هذه الآية { ٱثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ } قال ما من الكتاب إلا قد جاء على شيء جاء على إدلاله غير هذه الآية ولئن أنا لم أخبركم بها لأنا أجهل من الذي يترك الغسل يوم الجمعة : هذا رجل خرج مسافراً ومعه مال فأدركه قدره فإن وجد رجلين من المسلمين دفع إليهما تركته وأشهد عليهما عدلين من المسلمين ، فإن لم يجد عدلين من المسلمين فرجلين من أهل الكتاب ، فإن أدى فسبيل ما أدى ، وإن هو جحد استحلف بالله الذي لا إله إلا هو دبر صلاة إن هذا الذي وقع إليّ وما غيبت شيئاً ، فإذا حلف برئ ، فإذا أتى بعد ذلك صاحبا الكتاب فشهدا عليه ثم إدعى القوم عليه من تسميتهم ما لهم جعلت أيمان الورثة مع شهادتهم ثم اقتطعوا حقه ، فذلك الذي يقول الله { ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ } . هذا ما ورد في سبب نزول هذه الآيات وتفسير بعضها من قوي وضعيف . وأما وجه إتصالها بما قبلها مباشرة فقد قال الرازي فيه : أنه تعالى لما أمر بحفظ النفس في قوله : { عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ } [ المائدة : 5 ] أمر بحفظ المال في قوله : { يِآ أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ } اهـ . وهذا قول غير ظاهر بل لا يصح على المعنى المعروف عند العلماء لحفظ النفس والمال إلا أن يحمل الكلام على لازم معناه . وأظهر منه أن يقال إنه تعالى لما ذكرنا في آخر الآية السابقة بأن مرجعنا إليه بعد الموت وأنه يحاسبنا ويجازينا ناسب أن يرشدنا في أثر ذلك إلى الوصية قبل الموت وإلى العناية بالإشهاد عليها لئلا تضيع . وأما مفرداتها التي يحسن التذكير بمعناها قبل تفسير النظم الكريم فمنها ( الشهادة ) وهي كالشهود حضور الشيء مع مشاهدته بالبصر أو البصيرة أو مطلقاً - كما قال الراغب - قال : لكن الشهود بالحضور المجرد أولى ، والشهادة مع المشاهدة أولى . … والشهادة قول صادر عن علم حصل بمشاهدة بصيرة أو بصر … و " شهدت " يقال على ضربين أحدهما جار مجرى العلم وبلفظه تقام الشهادة ويقال : " أشهد بكذا " ولا يرضى من الشاهد أن يقول : " أعلمُ " بل يحتاج أن يقول " أشهد " والثاني يجري مجرى القسم فيقول : " أشهد بالله أن زيداً منطلق " فيكون قسماً ، ومنهم من يقول : إن قال : " أشهد " ولم يقل " بالله " يكون قسماً ، ويجرى " علمت " مجراه في القسم فيجاب بجواب القسم ، نحو قول الشاعر : @ ولقد علمت لتأتينّ منيتي . @@ اهـ ملخصاً . وقد ترد بمعنى الإقرار بالشيء . ( والبين ) : أمر اعتباري يفيد صلة أحد الشيئين بالآخر أو الأشياء من زمان أو مكان أو حال أو عمل ، وقالوا أنه يطلق على الوصل والفرقة ، ومن الثاني قولهم " ذات البين " للعداوة والبغضاء ، قال تعالى : { وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ } [ الأنفال : 1 ] أي ما بينكم من عداوة أو فساد ، وهو أمر معنوي متصل بين الأفراد . ومنها : { ضَرَبْتُمْ فِي ٱلأَرْضِ } [ النساء : 101 ] أي سافرتم وتقدم في سورة النساء . ومنها ( تحبسونهما ) وهو من الحبس بمعنى إمساك الشيء ومنعه من الإنبعاث . والحبس مصنع الماء الذي يمنع فيه من الجريان . ومنها ( عثر ) وهو من العثور على الشيء بمعنى الإطلاع عليه بالإتفاق من غير سبق طلب له أو من غير حسبان ، وأعثر عليه - أوقفه عليه وأعلمه به من حيث لم يكن يتوقع ذلك . وأصله من عثر ( كقعد ) عثاراً وعثوراً إذا سقط . وأما معنى الآيات وتفسير نظمها فنبينه بما يلي : { يِآ أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ حِينَ ٱلْوَصِيَّةِ ٱثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ } أي حكم ما يقع بينكم من الشهادة أو كيفيته إذا نزلت بأحدكم أسباب الموت ومقدماته وأراد حينئذ أن يوصي هو أن يشهد إثنان إلخ أو الشهادة المشروعة بينكم في ذلك هي شهادة إثنين من رجالكم ذوي العدل والإستقامة ، وذلك بأن يشهدهما الموصي على وصيته سواء ائتمنهما على ما يوصي به ، كما في واقعة سبب النزول أم لا ، ويترتب على إشهاده إياهما أن يشهدا بذلك ، ومن إيجاز الآية أن عبارتها تدل على الإشهاد والشهادة جميعاً . والمراد بقوله : " منكم " من المؤمنين وهو قول الجمهور ، وقيل من أقاربكم وروي عن الحسن والزهري وأخذ به كثير من الفقهاء . { أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي ٱلأَرْضِ فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ ٱلْمَوْتِ } أي أو شهادة شهيدين آخرين من غير المسلمين أو من الأجانب إن كنتم مسافرين ونزلت بكم مقدمات الموت وأردتم الإيصاء . وفي الكلام تأكيد شديد للوصية وللإشهاد عليها { تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ ٱلصَّلاَةِ } استئناف بياني كأن السامع لما تقدم يقول وكيف يشهدان ؟ فأجيب بهذا الجواب أي تمسكون الشهيدين اللذين أشهدا على الوصية من بعد الصلاة . قال الأكثرون المراد صلاة العصر - لأن النبي صلى الله عليه وسلم حلف عدياً وتميماً فيه ، ولأن العمل جرى عليه فكان التحليف فيه هو المعتاد المعروف ، ولأنه الوقت الذي يقعد فيه الحكام للقضاء والفصل في المظالم والدعاوى لإعتداله وإجتماع الناس فيه إذ يكونون قد فرغوا من معظم أعمال النهار - أو لأن هذا الوقت وقت صلاة عند غير المسلمين أيضاً فهو وقت ذكر الله الذي يرجى فيه إتقاء الكذب والخيانة منهم أيضاً - أو لأن صلاة العصر هي الصلاة الوسطى ، أو لأنها تحضرها ملائكة الليل والنهار فيتحرى المؤمن أن يكون بعدها متصفاً بالكمال . وقيل إن المراد جنس الصلاة المفروضة لأنها تنهى عن الفحشاء والمنكر فيكون جديراً بالصدق من يكون قريب عهد بها ، وقال الحسن البصري المراد الظهر أو العصر لأن أهل الحجاز كانوا يقعدون للحكومة بعدهما ، وروي عن ابن عباس أن الشهيدين إذا كانا غير مسلمين فالمراد بالصلاة صلاة أهل دينهما ، أي لما ذكرنا من علة ذلك آنفاً { فَيُقْسِمَانِ بِٱللَّهِ إِنِ ٱرْتَبْتُمْ } أي فيقسم الشاهدان على الوصية إن شككتم في صدقهما فيما يقرآن به ، أي وتستقسمونهما فيقسمان ، والأمين يصدق باليمين . وقال بعضهم : الفاء للجزاء أي تحبسونهما فيقدمان لأجل ذلك على القسم . قيل هذا خاص بالشهود من الكفار إذا اتهموا أي لأنه لم يشترط فيهم أن يكونوا عدولاً . وقيل عام وقد نسخ ، والصواب إنه لا نسخ في الآيات . قال الرازي : وعن علي عليه السلام ، أنه كان يحلف الشاهد والراوي عند التهمة . ويجب أن يصرحا في قسمهما بقولهما . { لاَ نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ } أي لا نشتري بيمين الله ثمناً أي لا نجعل يمين الله كالسلعة التي تبذل لأجل ثمن ينتفع به في الدنيا ولو كان المقسم له من أقاربنا ، وصح إرجاع الضمير إلى المقسم لأجله للعلم به من فحوى الكلام كقوله تعالى : { وَإِذَا قُلْتُمْ فَٱعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ } [ الأنعام : 152 ] وهذا موافق لقوله تعالى : { يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّٰمِينَ بِٱلْقِسْطِ شُهَدَآءَ للَّهِ وَلَوْ عَلَىۤ أَنْفُسِكُمْ أَوِ ٱلْوَٰلِدَيْنِ وَٱلأَقْرَبِينَ } [ النساء : 135 ] والمراد أن يقول المقسم إنه يشهد لله بالقسط ولا يصده عن ذلك ثمن يبتغيه لنفسه ، ولا مراعاة قريب له إن فرض أن له نفعاً في إقراره وقسمه ، أي ولو إجتمعت المنفعتان كلتاهما . { وَلاَ نَكْتُمُ شَهَادَةَ ٱللَّهِ } ويقولان في قسمهما أيضاً : ولا نكتم الشهادة التي أوجبها الله تعالى وأمر بأن تقام له أو المؤكدة بالحلف به { وَأَقِيمُواْ ٱلشَّهَادَةَ لِلَّهِ } [ الطلاق : 2 ] ، { إِنَّآ إِذَاً لَّمِنَ ٱلآَثِمِينَ } أي إنا إذاً إشترينا بالقسم ثمناً أو راعيناً به قريباً بأن كذبنا فيه لمنفعة أنفسنا أو منفعة قرابة لنا ، أو كتمنا شهادة الله كلها أو بعضها بأن ذكرنا بعض الحق وكتمنا بعضاً - لمن المتحملين للإثم ، المتمكنين فيه المستحقين لجزائه . والإثم في الأصل ما يقعد بصاحبه عن عمل الخير والبر من معصية وغيرهما . وهذا التعبير أبلغ من " إنا إذاً لآثمون " . { فَإِنْ عُثِرَ عَلَىٰ أَنَّهُمَا ٱسْتَحَقَّآ إِثْماً فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ ٱلَّذِينَ ٱسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلأَوْلَيَانِ } قرأ الجمهور " إستحق " بضم التاء على البناء للمفعول ، وحفص عن عاصم بفتح التاء بالبناء للفاعل وهي مروية عن علي وابن عباس وأبيّ ، وقرأ يعقوب وخلف وحمزة وعاصم في رواية أبي بكر عنه ( الأولين ) جمع الأول الذي يقابله الآخر ، مع قراءتهم إستحق بالبناء للمفعول ، وقرأه الباقون ( الأوليان ) مثنى الأول سواء منهم من قرأ إستحق بالبناء للمفعول ومن قرأه بالبناء للفاعل ، ورسم الأوليان والأولين في المصحف الإمام واحد وهو هكذا ( الأولين ) . والمعنى : فإن إتفق الإطلاع على أن الشهيدين المقسمين إستحقا إثما بالكذب أو الكتمان في الشهادة أو بالخيانة وكتمان شيء من التركة في حالة ائتمانهما عليها - كما ظهر في الواقعة التي كانت سبب النزول - فالواجب أو فالذي يعمل لإحقاق الحق هو أن يرد اليمين إلى الورثة بأن يقوم رجلان آخران مقامهما من أولياء الميت الوارثين له الذين استحق ذلك الإثم بالإجرام عليهم والخيانة لهم ، وهؤلاء الرجلان الوارثان ينبغي أن يكونا هما الأوليين بالميت أي الأقربين إليه الأحقين بإرثه إن لم يمنع من ذلك مانع ، كما تفيده قراءة الجمهور - أو غيرهما منهم كما تفيد قراءة من قرأ ( الأولين ) وهو صفة للذين إستحق عليهم أو منصوب على الإختصاص . وتحمل القراءة الأولى على طلب الأكمل وهو أن يشهد أقرب الورثة إلى الميت . والقراءة الثانية على ما إذا منع مانع من إقسام أقرب الورثة أو كانت المصلحة في حلف غيره منهم لإمتيازه بالسن أو الفضيلة ، هذا إذا أريد بالأوليين الأوليان بأمر الميت الموصي ، ويجوز أن يراد بهما الأوليان بالقسم في هذه الحالة ، أي أجدر الورثة باليمين لقربهما من الميت أو لعلمهما أو لفضلهما . وأما قراءة حفص عن عاصم - وبها يقرأ أهل بلادنا - فقال أكثر المفسرين في توجيهها أن " الأوليان " فيها فاعل استحق والمفعول محذوف والتقدير : من الورثة الذين استحق عليهم الأوليان بأمر الميت منهم ما أوصى به أو ما تركه - أو ندبهما للشهادة . وذهب الإمام الرازي إلى أن الأوليين في هذه القراءة هما الوصيان قال : ووجهه أن الوصيين اللذين ظهرت خيانتهما هما أولى من غيرهما بسبب أن الميت عينهما للوصاية ولما خانا في مال الورثة صح أن يقال إن الورثة قد استحق عليهم الأوليان أي خان في مالهم الأوليان ، وقرأ الحسن الأولان ووجهه ظاهر مما تقدم اهـ . أقول : الوجه عندي في ذلك أنهما " الأوليان " باليمين في الأصل لأنهما منكران واليمين على من أنكر ، وكان المقام مقام الإضمار - بأن يقال : من الذين استحقا عليهم الإثم - فوضع المظهر وهو " الأوليان " موضع الضمير لإفادة أن الأصل في الشرع أن تكون اليمين عليهما ولكن إستحقاقهما الإثم بما ظهر من حنثهما إقتضى ردها أي اليمين إلى الورثة { فَيُقْسِمَانِ بِٱللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِن شَهَادَتِهِمَا وَمَا ٱعْتَدَيْنَآ } أي يحلفان على أن ما يشهدان به من خيانة الشهيدين اللذين شهدا على وصية ميتهما أحق وأصدق من شهادتهما بما كانا شهدا به ، وإنما ما إعتديا عليهما بتهمة باطلة أو ما إعتديا الحق فيما إتهموهما به { إِنَّا إِذاً لَّمِنَ ٱلظَّالِمِينَ } أي ويقولان في قسمهما إنا إذا اعتدينا الحق وقلنا الباطل لداخلون في عداد الظالمين لأنفسهم بتعريضها لسخط الله تعالى وإنتقامه ، والظالمين لمن ائتمنه ميتهم ، وظلمهما محرم عليهم . ثم بين تعالى حكمة شرعه لهذه الشهادة وهذه الأيمان ، في هذا الأمر المبني على الثقة والإئتمان ، فقال : { ذٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يَأْتُواْ بِٱلشَّهَادَةِ عَلَىٰ وَجْهِهَآ أَوْ يَخَافُوۤاْ أَن تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ } أي ذلك الذي ذكر من تكليف المؤتمن على الوصية القيام على مشهد من الناس بعد الصلاة وإقسامه تلك اليمين المغلظة أقرب الوسائل إلى أن يؤدي الشهداء الشهادة على وجهها بلا تغيير ولا تبديل ، تعظيماً لله ورهبة من عذابه ورغبة في ثوابه ، أو خوفاً من الفضيحة التي تعقب إستحقاقهما الإثم في الشهادة يرد أيمان إلى الورثة بعد أيمانهم تكون مبطلة لها ، فمن لم يمنعه خوف الله وتعظيمه أن يكذب أو يخون لضعف دينه يمنعه خوف الفضيحة على أعين الناس . { وَٱتَّقُوا ٱللَّهَ وَٱسْمَعُواْ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْفَاسِقِينَ } أي واتقوا الله أيها المؤمنون في الشهادة والأمانة وفي كل شيء ، وإسمعوا سمع إجابة وقبول هذه الأحكام وسائر ما شرعه الله تعالى لكم ، فإن لم تتقوا وتسمعوا كنتم فاسقين عن أمر الله تعالى محرومين من هدايته مستحقين لعقابه . إيضاح لتفسير الآيات وبلاغتها والاستنباط منها قال الرازي بعد تفسير الآية الثانية : إتفق المفسرون على أنها في غاية الصعوبة إعراباً ونظماً وحكماً ، وروى الواحدي رحمه الله في البسيط عن عمر بن الخطاب ( رضي الله عنه ) أنه قال : هذه الآية أعضل ما في هذه السورة من الأحكام . اهـ . وأورد الآلوسي في روح المعاني عبارة الرازي عن المفسرين دون رواية الواحدي عن عمر ، ثم نقل مثلها عن السعد التفتازاني وعن الطبرسي في الآيتين - لا الثانية فقط - وقال إن الطبرسي إفتخر بما أتى فيه ولم يأت بشيء . أقول : نحن لا يروعنا ما يراه المفسرون من الصعوبة في إعراب بعض الآيات أو في حكمها لأن لهم مذاهب في النحو والفقه يزينون بها القرآن فلا يفهمونه إلا منها ، والقرآن فوق النحو والفقه والمذاهب كلها ، فهو أصل الأصول ، فما وافقه فهو مقبول ، وما خالفه فهو مردود مرذول ، وإنما يهمنا ما يقوله علماء الصحابة والتابعين فيه ، فهو العون الأكبر لنا على فهمه ، ولم يرو عن أحد منهم ما يدل على وجدان شيء من الصعوبة في عبارة الآيتين . وما نقله الواحدي عن عمر ( رضي الله عنه ) في آية { فَإِنْ عُثِرَ عَلَىٰ أَنَّهُمَا ٱسْتَحَقَّآ إِثْماً } فليس مما يؤيد ما نقل عن المفسرين من إستصعابها ، بل معناه أن أحكامها أشد من سائر أحكام السورة ، ولعله يعني بذلك ما فيها من التضييق في رد أيمان بعد إيمان ، وإظهار فضائح من كذب وخان ، قال في حقيقة الأساس : عضلت على فلان - ضيقت عليه أمره وحلت بينه وبين ما يريد . ومنه النهي عن عضل النساء أي منعهن من الزواج . ولكن أصحاب المذاهب الفقهية إضطربوا في عدة أحكام من أحكامها لمجيئها مخالفة لأقيستهم ولما عليه العمل بثبوته في سائر الأحكام - منها حلف الشاهد اليمين ، ومنها شهادة غير المسلم فيما هو خاص بالمسلمين ، ومنها العمل بيمين المدعي ، وقد إجتهدوا في تخريج كل مسألة من تلك المسائل على الثابت عندهم كما تراه قريباً . حتى ادعوا في بعضها النسخ ، ورووه عن بعض الصحابة بسند لم يصح ، فلهذا رأينا بعد تفسير الآيتين بما يفهم من ظاهر اللفظ بالإختصار أن نفصل ما إشتملتا عليه من الفوائد والأحكام ، ليظهر حتى للضعيف في علم العربية ما فيهما من إعجاز الإيجاز ، وما جنته المذاهب النحوية والفقهية على كثير من العلماء ، حتى قال ما قال في الآيتين أشهرهم بسعة الإطلاع أو بالدقة والذكاء . أما دعوى النسخ فقد علم مما سلف ومما سيأتي قريباً ما عليه المحققون من أنه ليس في سورة المائدة منسوخ ، وقد حرر المسألة الحافظ ابن كثير في تفسيره فقال : " ومن الشواهد لصحة هذه القصة أيضاً ما رواه أبو جعفر بن جرير حدثني يعقوب حدثنا هشيم قال أخبرنا زكريا عن الشعبي أن رجلاً من المسلمين حضرته الصلاة بدقوقاً قال فحضرته الوفاة ولم يجد أحداً من المسلمين يشهده على وصيته فأشهد رجلين من أهل الكتاب - قال - فقدما الكوفة فأتيا الأشعري يعني أبا موسى الأشعري ( رضي الله عنه ) فأخبراه وقدما الكوفة بتركته ووصيته ، فقال الأشعري هذا أمر لم يكن بعد الذي كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم - قال - فأحلفهما بعد العصر بالله ما خانا ولا كذباً ولا بدلا ولا كتماً ولا غيراً ، وأنها لوصية الرجل وتركته ، - قال - فأمضى شهادتهما . ثم رواه عن عمرو بن علي الفلاس عن أبي داود الطيالسي عن شعبة عن مغيرة الأزرق عن الشعبي أن أبا موسى قضى به . وهذان إسنادان صحيحان إلى الشعبي عن أبي موسى الأشعري . فقوله : هذا أمر لم يكن بعد الذي كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم الظاهر - والله أعلم - أنه إنما أراد بذلك قصة تميم وعدي بن بداء ، وقد ذكروا أن إسلام تميم بن أوس الداري ( رضي الله عنه ) كان سنة تسع من الهجرة ، فعلى هذا يكون هذا الحكم متأخراً يحتاج مدعي نسخه إلى دليل فاصل في هذا المقام والله أعلم " . ثم قال الحافظ ابن كثير بعد أن أورد السدي في الآية الأولى : " قال عبد الله بن عباس ( رضي الله عنه ) كأني أنظر إلى العلجين حين انتهي بهما إلى أبي موسى الأشعري في داره ففتح الصحيفة فأنكر أهل الميت وخوفوهما فأراد أبو موسى أن يستحلفهما بعد العصر ، فقلت إنهما لا يباليان صلاة العصر ، ولكن استحلفهما بعد صلاتهما في دينهما ، فيوقف الرجلان بعد صلاتهما في دينهما فيحلفان بالله { لاَ نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ وَلاَ نَكْتُمُ شَهَادَةَ ٱللَّهِ إِنَّآ إِذَاً لَّمِنَ ٱلآَثِمِينَ } إن صاحبهما لبهذا أوصى وأن هذه لتركته ، فيقول لهما الإمام ( أي الحاكم ) قبل أن يحلفا إنكما إن كتمتما أو خنتما فضحتكما في قومكما ولم تجز لكما شهادة وعاقبتكما . فإذا قال لهما ذلك فإن { ذٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يَأْتُواْ بِٱلشَّهَادَةِ عَلَىٰ وَجْهِهَآ } رواه ابن جرير اهـ . المراد من كلام ابن كثير . وتأمل قوله " ولم تجز لكما شهادة " فالظاهر إنه من كلام ابن عباس ( رضي الله عنه ) وسيأتي لبحث دعوى النسخ واستشكال الفقهاء مزيد بيان قريباً . وأما الفوائد والأحكام التي إشتملت عليها الآيتان بإيجازهما ، فهاك ما يتبادر إلى الذهن منها : 1 - الحث على الوصية وتأكيد أمرها وعدم التهاون فيها بشواغل السفر وإن قصرت فيه الصلاة وأبيح فيه الإفطار في رمضان . 2 - الإشهاد على الوصية في الحضر والسفر ، ليكون أمرها أثبت ، والرجاء في تنفيذها أقوى ، وإن كثيراً من الناس ليكتبون وصيتهم ولا يشهدون أحداً عليها فيكون ذلك في بعض الأحيان سبباً لضياعها . 3 - إن الأصل في الإشهاد على الوصية أن يختار الشاهدان من المؤمنين الموثوق بعدالتهم كما ثبت في آيات أخرى أيضاً ، وحكمته ظاهرة من وجوه : لا حاجة إلى شرحها . 4 - إن إشهاد غير المسلمين على الوصية جائز مشروع . فإن وجبت الوصية وجب بشرطه وإلا فهو مندوب ، لأن مقصد الشارع من إثبات الوصية لا يترك البتة إذا لم يتيسر إقامته على وجه الكمال ، إذ الميسور لا يسقط بالمعسور ، والمقام هنا مقام إثبات الحقوق ، لا مقام التعبد الذي يشترط فيه الإيمان . ولا مقام التشريف والتكريم للأديان وأهل الأديان . 5 - إن الشهادة تشمل ما يقوله كل من الخصمين من إقرار في القضية أو إنكار نفي للمدعي به أو إثبات . 6 - شرعية إختيار الأوقات التي تؤثر في قلوب الشهود ومقسمي الأيمان ويرجى أن يصدقوا ويبروا فيها كما بيناه في تعليل القسم بعد الصلاة ، ومثله في ذلك إختيار المكان ، وهو مشروع أيضاً . ومما ورد في السنة في ذلك ما رواه مالك وأحمد وأبو داود والنسائي وصححه وابن ماجه بسند رجاله ثقات وابن خزيمة وابن حبان والحاكم وصححوه عن جابر مرفوعاً : " لا يحلف أحد عند منبري كاذباً إلا تبوأ مقعده من النار " وعن أبي هريرة حديث بمعناه عند أحمد وابن ماجه . وروى النسائي بإسناد رجاله ثقات عن أبي أمامة بن ثعلبة رفعه : " من حلف عند منبري هذا بيمين كاذبة يستحل بها مال امرئ مسلم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلا " وإستدل بالآية وبهذه الأحاديث جماهير الفقهاء على جواز التغليظ على الحالف بمكان معين ثبتت حرمته شرعاً كالمسجد الحرام ، وخاصة ما بين الركن ومقام إبراهيم عليه الصلاة والسلام . والمسجد النبوي وخاصة ما كان منه عند منبره صلى الله عليه وسلم ، وبالزمان كيوم الجمعة وبعد صلاة العصر . وقال بعضهم - ومنهم الحنفية - إن ما ذكر من النصوص لا يدل على ذلك . ولعله لا ينكر أحد التغليظ بما ورد فيها ، وإنما الخلاف في القياس عليها أو الأخذ بفحواها . وقال الرازي في تفسير الآية : قال الشافعي رحمه الله الإيمان تغلظ في الدماء والطلاق والعتاق والمال إذا بلغ مائتي درهم - في الزمان والمكان ، فيحلف بمكة بين الركن والمقام ، وبالمدينة عند المنبر ، وفي بيت المقدس عند الصخرة ، وفي سائر البلدان في أشرف المساجد ، وقال أبو حنيفة رحمه الله يحلف من غير أن يختص الحلف بزمان ومكان ، وهذا على خلاف الآية ، ولأن المقصود منه التهويل والتعظيم ولا شك أن الذي قاله الشافعي ( رضي الله عنه ) أقوى اهـ . هذه العبارة تشهد على نفسها بالتعصب فلا يقال إن أبا حنيفة خالف الآية إلا إذا أجاز ترك العمل بمنطوقها في هذا الموضوع نفسه . 7 - التغليظ على الحالف بصيغة اليمين بأن يقول فيه ما يرجى أن يكون رادعاً للحالف عن الكذب كالألفاظ التي وردت في الآية ، وأشد منها ما ورد في شهادة اللعان ، وقد جرى على هذا أصحاب الجمعيات السياسية في الإسلام وغيره فاخترعوا أيماناً وأقساماً قد يتحامى أفسق الناس وأجرأهم على الإجرام أن يحنث بها . وقد بينا ما يجب البر به وما يجب الحنث به من الإيمان وسائر مهمات أحكامها في تفسير آية كفارتها من هذه السورة . 8 - إن الأصل في أخبار الناس وشهاداتهم التي هي أخبار مؤكدة صادرة عن علم صحيح أن تكون مقبولة مصدقة . ولهذا شرط في حكم تحليف الشاهدين الإرتياب في خبرهما ، وصدر هذا الشرط بأن التي لا تدل على تحقق الوقوع ، إشارة إلى أن الأصل في وقوعها أن يكون شاذاً . 9 - إن الأصل في الناس أن يكونوا أمناء ، وفي المؤتمن أن يكون أميناً ، وأن يكون ما يقوله في أمر الأمانة مقبولاً . ولذلك قال : { فَإِنْ عُثِرَ عَلَىٰ أَنَّهُمَا ٱسْتَحَقَّآ إِثْماً } فأفادت أداة الشرط إن الأصل في هذا أن لا يقع ، وأنه إن وقع كان شاذاً . وأفاد فعل " عثر " المبني للمفعول إن هذا الشذوذ إن وقع فشأنه أن يطلع عليه بالمصادفة والإتفاق ، لا بالبحث وتتبع العثرات . 10 - شرعية تحليف الشهود إذا إرتاب الحكام أو الخصوم في شهادتهم ، وهو الذي عليه العمل الآن في أكثر الأمم ، بل تحتمه قوانينها الوضعية باطراد لكثرة ما يقع من شهادة الزور ، وسيأتي بحث الفقهاء في ذلك . 11 ، 12 - شرعية إئتمان المسلم لغير المسلم على المال ، وشرعية تحليف المؤتمن والعمل بيمينه . 13 - شرعية ردّ اليمين إلى من قام الدليل على ضياع حق له بيمين صار حالفها خصماً له . ومن هذا القبيل شهادة المتلاعنين وأقسامهما ، فإذا شهد الرجل على إمرأته بالزنا تلك الشهادة المشروعة في سورة النور المتضمنة للقسم المغلظ - ترد الشهادة مع اليمين إلى زوجه التي رماها بذلك ، فإذا شهدت بالله مثل شهادته سقط عنها الحد وبرئت من التهمة في شرع الله ، وبالنسبة إلى غيره من عباد الله . ومنه أيمان القسامة في الدماء ، وقد إختلف الفقهاء فيمن يبدأ باليمين - المدعون ذوو القتيل ؟ أم المدعى عليهم ذوو المتهم بالقتل ، وأياً ما كان البادؤن فإن الإيمان ترد إلى الآخرين . 14 - إذا احتيج إلى قيام بعض الورثة لميت بأمر يتعلق بالتركة فالذي يجب تقديمه منهم للقيام به من كان أولاهم به . ومن بلاغة الإيجاز إبهام الأولين بالقسم في الآية لإختلاف الأولوية بإختلاف الأحوال والوقائع كما أشرنا إليه . فإذا تعين أصحاب الأولوية بلا نزاع فذاك وإلا فالحاكم هو الذي يقدم من يراه الأولى . 15 - صحة شهادة غير المسلم على المسلم والعمل بها في الجملة ، وأخرناه ليتصل بما نوضحه في الفصل الآتي . كل هذه الأحكام مفهومة من الآيتين فتأمل جمعهما لهذه المعاني الكثيرة على إيجازهما وإيضاحهما للمعنى المقصود بهما بالذات . فصل في حكم شهادة غير المسلمين على المسلمين هذا بحث شرعي يجب أن نعطيه حقه من الإستقلال في الإستدلال فنقول : أعلم أن آيات القرآن في الإشهاد والإستشهاد منها المطلق ومنها المقيد . قال تعالى في اللاتي يأتين الفاحشة من المسلمات { فَٱسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنْكُمْ } [ النساء : 15 ] الآية وقال تعالى في شأن المطلقات المعتدات { فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُواْ ذَوَىْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُواْ ٱلشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ } [ الطلاق : 2 ] وقال تعالى في آية التداين { وَٱسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ مِّن رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَٱمْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ ٱلشُّهَدَآءِ أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا ٱلأُخْرَىٰ وَلاَ يَأْبَ ٱلشُّهَدَآءُ إِذَا مَا دُعُواْ وَلاَ تَسْأَمُوۤاْ أَن تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَو كَبِيراً إِلَىٰ أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ ٱللَّهِ وَأَقْومُ لِلشَّهَٰدَةِ وَأَدْنَىٰ أَلاَّ تَرْتَابُوۤاْ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَٰرَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلاَّ تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوۤاْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ } [ البقرة : 282 ] - ثم قال فيها { وَأَشْهِدُوۤاْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ } [ البقرة : 282 ] ولم يقل هنا : " ذوي عدل منكم " ومثله في الإطلاق قوله تعالى في اليتامى : { فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُواْ عَلَيْهِمْ } [ النساء : 6 ] . فإذا تأملنا في هذه الآيات مع آيتي المائدة اللتين نحن في صدد تفسيرهما وبحثنا عن حكمة الإطلاق والتقييد فيهن كلهن ، نرى إنه جل وعز إشترط في الإستشهاد أو الإشهاد في الوقائع المتعلقة بأمور المؤمنات الشخصية أن يكون الإشهاد من المؤمنين ، ولم يذكر هذا القيد في الإشهاد على دفع أموال اليتامى إليهم ، ولا في الإشهاد على البيع ، والفرق بين الأحكام المالية المحضة وأحكام النساء المؤمنات جلي واضح . وأما قوله في آية الدين وهي في الأحكام المالية { وَٱسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ مِّن رِّجَالِكُمْ } [ البقرة : 282 ] فظاهر اللفظ أن المراد به الرجال المؤمنون لأنهم المخاطبون ، وهو الذي عليه الجماهير ، ويحتمل أن يكون هذا الوصف لأجل بيان تقديم صنف الرجال في الشهادة على ما يقابله من شهادة الصنفين ، وإن الإضافة فيه روعي فيها الواقع أو الغالب بقرينة وصف المقابل بقول { مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ ٱلشُّهَدَآءِ } [ البقرة : 282 ] إذ لم يقل : " من شهدائكم " أو " من رجالكم ونسائكم " ثم بقرينة إطلاق الأمر بالإشهاد على الدين في الآية نفسها . فلقائل إن يقول لو أراد الله تعالى أن يبين لنا إنه لا يجوز لنا إن نُشهد في الأعمال المالية غير المؤمنين لجاء في كل نص من تلك النصوص بما يدل على ذلك وإن تقاربت على حد قوله في الأمور العامة : { وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى ٱلرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُوْلِي ٱلأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ ٱلَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ } [ النساء : 83 ] . وإنما يدل مجموع الآيات على أن الأصل أو الكمال في الإشهاد أن يكون الشهود من عدول المؤمنين للثقة بشهادتهم ، والإحتراز من الكذب والزور والخيانة التي يكثر وقوعها ممن لا ثقة بأيمانهم وعدالتهم ، وأن يلتزم هذا الأصل في الإشهاد على الأمور الخاصة بنساء المسلمين وبيوتهم إذ لا يحتاج فيها إلى غيرهم ، وليس من شأن سواهم أن يعرفها ، ولوجوب الإحتياط فيها ، ولذلك قال في آية الطلاق : { ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ } [ الطلاق : 2 ] وورد نص القرآن فيمن يقذف إمرأة بأن يجلد ثمانين جلدة وأن لا تقبل له شهادة أبداً . وبناء على هذا يقال في آية المائدة إن الله تعالى قدم إشهاد عدول المؤمنين على الوصية لأنه الأصل الذي يحصل به المقصود على الوجه الكامل ، وأجاز إشهاد غيرهم في الحال التي لا يتيسر فيها ذلك ، وإن الشرط في قوله : { إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي ٱلأَرْضِ } جاء لبيان هذه الحال فمفهومه غير مراد كقوله تعالى : { وَلاَ تُكْرِهُواْ فَتَيَاتِكُمْ عَلَى ٱلْبِغَآءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً } [ النور : 33 ] ومن يرى رأي الحنفية في عدم الإحتجاج بمفهوم الشرط ومفهوم اللقب يمكنه أن يرجح هذا القول أي ترجيح ، والكلام فيما تدل عليه آيات القرآن ، دون ما يدعى فيه غير ذلك من قياس أو إجماع فقهاء . ودونك ما ورد في ذلك عن علماء السلف وأئمة الفقه كما لخصه الحافظ ابن حجر في شرح البخاري - ونقله الشوكاني عنه في ( نيل الأوطار ) في شرح حديث ابن عباس في قصة السهمي المتقدمة الذي رواه البخاري وأبو داود قال : واستدل بهذا الحديث على جواز شهادة الكفار بناء على أن المراد بالغير في الآية الكريمة الكفار ، والمعنى ( منكم ) أي من أهل دينكم ( أو آخران من غيركم ) أي من غير أهل دينكم . وبذلك قال أبو حنيفة ومن تبعه . وتعقب بأنه لا يقول بظاهرها فلا يجيز شهادة الكفار على المسلمين . وإنما يجيز شهادة بعض الكفار على بعض . وأجيب بأن الآية دلت بمنطوقها على قبول شهادة الكافر على المسلم ، وبإيمانها على قبول شهادة الكافر على الكافر بطريق الأولى . ثم دل الدليل على أن شهادة الكافر على المسلم غير مقبولة ، فبقيت شهادة الكافر على الكافر على حالها . وهذا الجواب على التعقب في غير محله لأن التعقب هو بإعتبار ما يقوله أبو حنيفة لا باعتبار استدلاله . وخص جماعة القبول بأهل الكتاب وبالوصية وبفقد المسلم حينئذ ، ومنهم ابن عباس وأبو موسى الأشعري وسعيد بن المسيب وشريح وابن سيرين والأوزاعي والثوري وأبو عبيدة وأحمد ، وأخذوا بظاهر الآية وحديث الباب ، فإن سياقه مطابق لظاهر الآية . وقيل المراد بالغير غير العشيرة والمعنى منكم أي من عشيرتكم أو آخران من غيركم أي من غير عشيرتكم ، وهو قول الحسن البصري . وإستدل له النحاس بأن لفظ آخر لا بد أن يشارك الذي قبله في الصفة حتى لا يسوغ أن يقول مررت برجل كريم ولئيم آخر ، فعلى هذا فقد وصف الإثنان بالعدالة فتعين أن يكون الآخران كذلك . وتعقب بأن هذا وإن ساغ في الآية لكن الحديث دل على خلاف ذلك ، والصحابي إذا حكى سبب النزول كان ذلك في حكم الحديث المرفوع - إتفاقاً - وأيضاً ففيما قال رد المختلف فيه بالمختلف فيه ، لأن إتصاف الكافر بالعدالة مختلف فيه وهو فرع قبول شهادته ، فمن قبلها وصفه بها ومن لا فلا . " واعترض أبو حيان على المثال الذي ذكره النحاس بأنه غير مطابق ، فلو قلت جاءني رجل مسلم وآخر كافر صح ، بخلاف ما لو قلت جاءني رجل مسلم وكافر آخر ، والآية من قبيل الأول لا الثاني ، لأن قوله آخران من جنس قوله إثنان لأن كلا منهما صفة رجلان فكأنه قال فرجلان إثنان ورجلان آخران " . وذهب جماعة من الأئمة إلى أن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى : { مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ ٱلشُّهَدَآءِ } [ البقرة : 282 ] واحتجوا بالإجماع على رد شهادة الفاسق ، والكافر شر من الفاسق . وأجاب الأولون إن النسخ لا يثبت بالإحتمال ، وإن الجمع بين الدليلين أولى من إلغاء أحدهما ، وبأن سورة المائدة من آخر ما نزل من القرآن ، حتى صح عن ابن عباس وعائشة وعمرو بن شرحبيل وجمع من السلف إن سورة المائدة محكمة . وعن ابن عباس إن الآية نزلت فيمن مات مسافراً وليس عنده أحد من المسلمين فإن اتهما استحلفا أخرجه الطبري بإسناد رجاله ثقات ، وأنكر أحمد على من قال إن هذه الآية منسوخة ، وقد صح عن أبي موسى الأشعري إنه عمل بذلك بعد النبي صلى الله عليه وسلم ( وساق الحافظ الحديث وقال إن حكمه لم ينكره أحد من الصحابة فكان حجة . وذكر رد الطبري والرازي لقول من قال إنها في الأقارب والأجانب وقد تقدم ذلك كله ثم قال ) . وذهب الكرابيسي والطبري وآخرون إلى أن المراد بالشهادة في الآية اليمين ، قالوا وقد سمى الله اليمين شهادة في آية اللعان ، وأيدوا ذلك بالإجماع على أن الشاهد لا يلزمه أن يقول أشهد بالله ؛ وإن الشاهد لا يمين عليه إن شهد بالحق ، قالوا فالمراد بالشهادة اليمين لقوله : { فَيُقْسِمَانِ بِٱللَّهِ } أي يحلفان فإن عُرف أنهما حلفا على الإثم رجعت اليمين على الأولياء . وتعقب بأن اليمين لا يشترط فيه عدد ولا عدالة بخلاف الشهادة ، وقد إشترطا في هذه القصة فقوي حملها على أنها شهادة . وأما إعتلال من إعتل في ردها بأن الآية تخالف القياس والأصول لما فيها من قبول شهادة الكافر وحبس الشاهد وتحليفه ، وشهادة المدعي لنفسه ، وإستحقاقه بمجرد اليمين ، فقد أجاب من قال به بأنه حكم بنفسه مستغن عن نظيره ، وقد قبلت شهادة الكافر في بعض المواضع كما في الطب ، وليس المراد بالحبس السجن وإنما المراد الإمساك لليمين ليحلف بعد الصلاة . وأما تحليف الشاهد فهو مخصوص بهذه الصورة عند قيام الريبة . وأما شهادة المدعي لنفسه وإستحقاقه بمجرد اليمين فإن الآية تضمنت نقل الأيمان إليهم عند ظهور اللوث بخيانة الوصيين ، فيشرع لهما أن يحلفا ويستحقا ، كما يشرع لمدعي القسامة أن يحلف ويستحق ، فليس هو من شهادة المدعي لنفسه بل من باب الحكم له بيمينه القائمة مقام الشهادة لقوة جانبه . وأي فرق بين ظهور اللوث في صحة الدعوى بالدم وظهوره في صحة الدعوى بالمال ؟ وحكى الطبري أن بعضهم قال المراد بقوله : { ٱثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ } الوصيان قال والمراد بقوله : { شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ } معنى الحضور لما يوصيهما به الوصي . ثم زيف ذلك " اهـ . قال الشوكاني بعد نقل ما تقدم عن الفتح : وهذا الحكم يختص بالكافر الذمي ، وأما الكافر الذي ليس بذمي فقد حكى في البحر الإجماع على عدم قبول شهادته على المسلم مطلقاً . اهـ . وأقول : ما أورده الشوكاني من دعوى صاحب البحر من أئمة الزيدية الإجماع على عدم قبول شهادة الكافر غير الذمي مطلقاً مردود بما نقله ابن جرير وإختار إن " غيركم " يدخل فيه المجوس وعبدة الأوثان وأهل كل دين . سعة أحكام الكتاب والسنة وتضييق الفقهاء وبقي هاهنا بحث مهم وهو أن أحكام القرآن في هذه المسألة وفي غيرها أوسع مما جرى عليه الفقهاء ، وكذلك أحكام السنة ، وكل ما في الفقه من التشديد والتقييد فهو من اجتهاد الفقهاء ، ولا سيما المصنفين منهم الذين جاءوا بعد الصحابة والتابعين . وأولى الأحكام الإجتهادية بالنظر والإعتبار ما إتفق عليه كبار المجتهدين ، وجرى عليه عمل حكام العصور الأولى من المسلمين ، ومنه عدم قبول شهادة الكافر على المسلم في القضايا الشخصية والمدنية والجنائية على سواء ، فما سبب ذلك ؟ ولماذا لم يأخذوا بظاهر آية المائدة - وهي من آخر ما نزل من القرآن فيعدوها شارعة لقبول شهادة غير المسلم عند الحاجة مطلقاً ، أو في غير ما ورد النص بإشهاد المسلمين العدول عليه لحكمة تقتضي ذلك ، كما تقدم آنفاً في بيان المقابلة بين آيات الشهادة ؟ أو ليس الغرض من الشهادة أن تكون بينة يعرف بها الحق ، وقد يتوقف بيانه على شهادة شهداء من غير المسلمين يثق الحاكم بصدقهم وصحة شهادتهم ؟ الجواب عن هذا السؤال يعلم بالنظر فيما إستدلوا به على منع شهادة الكافر وبمعرفة حال المسلمين مع الكفار في عصر التنزيل وعصر وضع الفقه والتصنيف فيه وعمل الحكام بإجتهادهم ثم بأقوال علمائه . فأما الإستدلال فقد علم مما تقدم أن له من القرآن مأخذين : ( المأخذ الأول ) : جعل قوله تعالى : { وَأَشْهِدُواْ ذَوَىْ عَدْلٍ مِّنكُمْ } [ الطلاق : 2 ] مقيداً للإطلاق في قوله تعالى : { وَأَشْهِدُوۤاْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ } [ البقرة : 282 ] وفي هذا الإستدلال أبحاث : أحدها : إنه من مسائل الأصول التي إختلف فيها المتفقون على منع شهادة غير المسلم على المسلم ، وقد إتفقوا على أن المطلق والمقيد إذا إختلفا في السبب والحكم لا يحمل أحدهما على الآخر ، وإذا إتفقا فالخلاف في عدم الحمل ضعيف والجمهور على الحمل ، وأما إذا إختلفا في السبب دون الحكم كمسائل الإشهاد على النساء واليتامى والبيع والوصية وكذا عتق الرقبة في كفارات القتل والظهار واليمين ، فالخلاف في الحمل وعدمه قوي والأقوال فيه متعددة . فلم إتفق المختلفون فيها على منع شهادة غير المسلم مطلقاً أو فيما عدا الوصية أو الطب ؟ ثانيها : إن الإشهاد الإختياري غير الشهادة ، فالأمر بإختيار أفضل الناس إيماناً وعدالة للإشهاد لا يستلزم عدم الإعتداد بشهادة من دونهم في الفضيلة . فإن الشهادة بينة . والبينة كل ما يتبين به الحق كما يدل عليه إستعمال الكتاب والسنة ، وقد أطال العلامة ابن القيم في إثبات هذا وإيضاحه في كتاب ( إعلام الموقعين ) . ثالثها : إن قوله تعالى : { مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ ٱلشُّهَدَآءِ } [ البقرة : 282 ] فيه توسعة عظيمة في الإشهاد ، ونحن إلى التوسعة في الشهادة نفسها أحوج ، فإن كثيراً من الجنايات والعقود والإقرار قد تقع من بعض المسلمين على مرأى ومسمع من غيرهم ، وقد يكون هؤلاء الذين سمعوا ورأوا من أهل الصدق والأمانة ، لأن دينهم يحرم الكذب والخيانة ، فلماذا نضيع أمثال هذه الحقوق التي يمكن إثباتها بشهادتهم إذا تجرأ الذين أنكروها على اليمين كما تجرؤا على الكذب بالإنكار ؟ المأخذ الثاني : إن الله تعالى قد أمرنا أن نشهد ذوي عدل منا معشر المؤمنين وعلة ذلك بديهية وهي أن المؤمن العدل ؛ يتحرى الصدق الذي يثبت به الحق ، ونحن نشترط في قبول الشهادة الأمرين ، ونرى أن غير المؤمن المسلم لا يكون صادقاً عدلا . وإذا كان فقد العدالة يوجب رد الشهادة عندنا ففقد الإيمان أولى بذلك . وفي هذا الإستدلال نظر من وجهين : أحدهما : أن الإيمان بالله وبشرع له يحرم الكذب كاف لتحقيق المقصد الذي تتوخونه من الشهادة . وهذا مما يوجد في غير الإسلام من الملل . وقولكم إن غير المسلم لا يكون صادقاً ولا عدلا لا دليل عليه من النقل ، ولا من سيرة البشر المعلومة بالإختبار والعقل . أما النقل فقد جاء على خلافه فإن الله تعالى يقول { وَمِن قَوْمِ مُوسَىٰ أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِٱلْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ } [ الأعراف : 159 ] فإن حمل هذا على من كان قبل بعثة نبينا أو على من آمن به فلا يمكن أن يحمل عليهم قوله تعالى : { وَمِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَٰبِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ } [ آل عمران : 75 ] فهذه شهادة لهم بالأمانة ، وقد إستشهد الرسول صلى الله عليه وسلم بعض اليهود على آية الرجم في التوراة فاعترف بها بعضهم لما أقسم عليه بالله الذي أنزل التوراة على موسى ( راجع ج6 من التفسير ) وقد بينا في التفسير مراراً عدل القرآن ودقته في الحكم بالفساد على الأمم ، إذ يحكم على الأكثر أو يستثنى بعد إطلاق الحكم العام . وما روي من قبول النبي صلى الله عليه وسلم ثم أبي موسى الأشعري ( رضي الله عنه ) لشهادتهم في الوصية عملاً بالقرآن مبني على أن الأصل في خبر الإنسان الصدق وإن كان كافراً ، وإنه لا يعدل عن هذا الأصل إلا عند وجود التهمة ، وعليه جمهور السلف ، وهو يستلزم إثبات عدالتهم كما تقدم عن الحافظ ابن حجر وبهذا يسقط قياس الكافر على الفاسق ، وقد قبل المحدثون رواية المبتدع الذي يحرم الكذب مطلقاً أو فيما عدا تأييد بدعته . وأما سيرة البشر المعلومة بنقل المؤرخين وبسنن الله في أخلاق البشر وطباعهم التي هي القانون العقلي لمن يريد الحكم الصحيح عليهم - فهي مؤيدة لحكم القرآن العادل على المشركين والكفار من العرب والعجم بمثل قوله : { وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِم مِّنْ عَهْدٍ وَإِن وَجَدْنَآ أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ } [ الأعراف : 102 ] وقوله في عدة آيات : { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } [ الأنعام : 37 ] - { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَشْكُرُونَ } [ يونس : 60 ] - { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ } [ الأنعام : 111 ] - { وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ } [ المؤمنون : 70 ] - { وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ } [ التوبة : 8 ] - { أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ } [ الفرقان : 44 ] ومثل هذا كثير . وهو خاص بأحوال الأمم في طور الفساد وضعف الدين والأخلاق ، الذي كان عليه جميع أهل الملل عند ظهور الإسلام ، فننتقل إذاً إلى بيان المسألة الثانية التي نراها هي السبب الإجتماعي الحقيقي لعدم قبول شهادة غير المسلم فنقول : حال المسلمين مع غيرهم في العصر الأول إن حالة الأمم الإجتماعية والسياسية والأدبية لها شأن كبير في تطبيق الأحكام على الوقائع وهو ما يسميه علماء الأصول " تحقيق المناط " ومن عرف التاريخ وفقه قواعد علم الإجتماع منه فإنه هو الذي يفقه سبب إعراض الفقهاء والحكام عن قبول شهادة غير المسلمين عليهم . وأحق ما يجب فقهه من تلك القواعد أربع ينبغي التأمل فيها بعين العقل والإنصاف . أحدها : ما كان عليه المسلمون في القرون الأولى للإسلام من الإستمساك بعروة الحق ، وإقامة ميزان العدل ، وعدم المحاباة والتفرقة في ذلك بين مؤمن وكافر ، وقريب وبعيد ، وصديق وعدو . ثانيها : ما كان عليه جميع الأمم التي فتحوا بلادها ، وأقاموا شريعتهم فيها ، من ضعف وازع الدين ، وفساد الأخلاق والآداب ، وقد قرر ذلك مؤرخو الإفرنج وغيرهم وجعلوه أول الأسباب الإجتماعية لسرعة الفتح الإسلامي في الخافقين . ثالثها : ما جرى عليه الفاتحون من المسلمين من المبالغة في التوسعة على أهل ذمتهم في الإستقلال الديني والمدني ، إذ كانوا يسمحون لهم بأن يتحاكموا إلى رؤسائهم في الأمور الشخصية وغيرها - فكان من المعقول مع هذا أن لا يشهدوهم على قضايا أنفسهم الخاصة ، وإن يمنعهم نظرهم إلى ما بينهما من التفاوت في الأحوال الدينية والأدبية التي أشرنا إليها آنفاً من قبول شهادتهم على أنفسهم ، مع عدم ثقتهم وعدالتهم . رابعها : تأثير عزة السلطان وعهد الفتح الذي كانت الأحكام فيه أشبه بما يسمونه الآن بالأحكام العسكرية . واعتبر ذلك بأحكام دول الإفرنج في أيام الحرب ، بل في المستعمرات التي طال عليها عهد الفتح أو ما يشبه الفتح ، يتبين لك إن أشد أحكام فقهاء المسلمين وحكامهم على غيرهم هي أقرب إلى العدل والرحمة من أحكام أرقى أمم المدينة من دونهم . وقد علم من حال البشر أن الغالب قلما يرى شيئاً من فضائل المغلوب وإن كثرت ، فكيف يرجى أن يرى قليلها الضئيل الخفي ؟ والجماعات الكبيرة والصغيرة كالأفراد في نظر كل إلى نفسه وإلى أبناء جنسه بعين الرضا وإلى مخالفه بعين السخط . مثال ذلك أن امرأة من فضليات نساء سويسرة ديناً وأدباً وعلماً راقبت أحوال الأستاذ الإمام وسيرته مدة طويلة إذ كان يختلف إلى مدرسة ( جنيف ) لتلقي آداب اللغة الفرنسية ، وكلمته مراراً في مسائل من علم الأخلاق والتربية - وكانت بارعة ومصنفة فيهما - فأعجبها رأيه ، كما أعجبها فضله وهديه ، ثم قالت له بعد ذلك : إنني لم أكن أظن قبل أن عرفتك إن القداسة توجد في غير المسيحيين . فمن تأمل ما ذكر تجلت له الأسباب المعنوية والإجتماعية التي صدت الحكام والفقهاء عن قبول شهادة غير المسلم على المسلم . وتعجب من سعة أحكام القرآن ، التي يتوهم الجاهلون أنها ضد ما هي عليه من الإطلاق وموافقة كل زمان ومكان ، فتراهم ينسبون إلى القرآن كل ما ينكرونه على المسلمين من آرائهم وأعمالهم وأحكامهم بالحق أو بالباطل ، ولو كان المسلمون عاملين بالقرآن كما يجب لما أنكر عليهم أحد ، بل لأتبعهم الناس في هديهم ، كما اتبعوا سلفهم من قبلهم ، بل لكانوا أشد إتباعاً لهم ، بما يظهر لهم من موافقة هدايته لهذا الزمان كغيره ، وكونها أرقى من كل ما وصل إليه البشر من نظام وأحكام ، وهذا من أجل معجزاته التي تتجدد بتجدد الأزمان . إعراب الآية الثانية الذي اضطرب فيه النحاة قد تبين مما فصلناه إن الذين عدوا الآيتين في غاية الصعوبة لمخالفة مذاهبهم لهما مخطئون ، وإن الواجب رد المذاهب إليهما لا تأويلهما لتوافقا المذاهب ، وأما الذين إستشكلوا إعراب جملة من الآية الثانية ، وعدوا لأجلها الآية أو الآيات في غاية الصعوبة - فإنما أوقعهم في ذلك إحتمال التركيب لعدة وجوه : من الإعراب ، بما فيه من تعدد القراءات ، مع إعتيادهم تقديم الإعراب على المعنى وجعله هو المبين له ، وقد إستحسنا بعد إيضاح تفسير الآيات بما تقدم أن نذكر ملخص ما قيل في إعراب تلك الجملة نقلا عن ( روح البيان ) الذي يلتزم تحقيق المباحث النحوية في جميع الآيات ، عسى أن يستغني القارئ به عن مراجعة تفسير آخر . ونبدأ بجواب الشرط لأنه مبدأ ما استشكلوه من الإعراب . قال المؤلف رحمه الله تعالى : { آخَرَانِ } أي فرجلان آخران وهو مبتدأ خبره قوله تعالى : { يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا } والفاء جزائية وهي إحدى مسوغات الإبتداء بالنكرة ولا محذور في الفصل بالخبر بين المبتدأ وصفته وهو قوله سبحانه : { مِنَ ٱلَّذِينَ ٱسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلأَوْلَيَانِ } وقيل هو خبر مبتدأ محذوف أي فالشاهدان آخران ، وجملة يقومان صفته والجار والمجرور صفة أخرى . وجوز أبو البقاء أن يكون حالا من ضمير يقومان ، وقيل هو فاعل فعل محذوف أي فليشهد آخران . وما بعده صفة له . وقيل مبتدأ خبره الجار والمجرور والجملة الفعلية صفته وضمير " مقامهما " في جميع هذه الأوجه مستحق للذين إستحقا ، وليس المراد بمقامها مقام أداء الشهادة التي تولياها ولم يؤدياها كما هي بل هو مقام الحبس والتحليف . وإستحق بالبناء للفاعل على قراءة عاصم في رواية حفص عنه وبها قرأ علي كرم الله تعالى وجهه وابن عباس وأبي رضي الله تعالى عنهم ، وفاعله " الأوليان " والمراد من الموصول أهل الميت ، ومن الأوليين الأقربان إليه الوارثان له الأحقان بالشهادة لقربهما واطلاعهما ، وهما في الحقيقة الآخران القائمان مقام اللذين إستحقا إثماً ، إلا أنه أقيم المظهر مقام ضميرهما للتنبيه على وصفهما بهذا الوصف ، ومفعول إستحق محذوف واختلفوا في تقديره فقدره الزمخشري أن يجردوهما للقيام بالشهادة ليظهروا بهما كذب الكاذبين ، وقدره أبو البقاء وصيتهما . وقدره ابن عطية ما لهم وتركتهم . وقال الإمام : إن المراد بالأولياء الوصيان اللذان ظهرت خيانتهما ، وسبب أولويتهما أن الميت عينهما للوصية . فمعنى " إستحق عليهم الأوليان " خان في مالهم وجنى عليهم الوصيان اللذان عثر على خيانتهما ، وعلى هذا لا ضرورة إلى القول بحذف المفعول ، وقرأ الجمهور : " إستحق عليهم الأوليان " ببناء إستحق للمفعول واختلفوا في مرجع ضميره والأكثرون إنه الإثم والمراد من الموصول الورثة لأن إستحقاق الإثم عليهم كناية عن الجناية عليهم ، ولا شك أن الذين جُني عليهم وارتكب الذنب بالقياس إليهم هم الورثة ، وقيل إنه الإيصاء ، وقيل الوصية لتأويلها بما ذكر . وقيل المال . وقيل إن الفعل مسند إلى الجار والمجرور ، وكذا اختلفوا في توجيه رفع الأوليان فقيل إنه مبتدأ خبره { آخَرَانِ } أي الأوليان بأمر الميت آخران ، وقيل بالعكس ، واعترض بأن فيه الإخبار عن النكرة بالمعرفة وهو مما اتفق على منعه في مثله ، وقيل خبر مبتدأ مقدر أي هما الآخران على الإستئناف البياني ، وقيل بدل من آخران ، وقيل عطف بيان عليه ، ويلزمه عدم إتفاق البيان والمبين في التعريف والتنكير مع أنهم شرطوه حتى من جوز تنكيره . نعم نقل عن نزر عدم الإشتراط ، وقيل هو بدل من فاعل يقومان وكون المبدل منه في حكم الطرح ليس من كل الوجوه : حتى يلزم خلو تلك الجملة الواقعة خبراً أو صفة عن الضمير على إنه لو طرح وقام هذا مقامه كان من وضع الظاهر موضع الضمير فيكون رابطاً ، وقيل هو صفة آخران ، وفيه وصف النكرة بالمعرفة والأخفش أجازه هنا لأن النكرة بالوصف قربت من المعرفة ، قيل : وهذا على عكس : @ ولقد أمر على اللئيم يسبني @@ فإنه يؤول فيه المعرفة بالنكرة . وهذا أول فيه النكرة بالمعرفة أو جعلت في حكمها للوصف ، ويمكن - كما قال بعض المحققين - أن يكون منه بأن يجعل الأوليان لعدم تعينهما كالنكرة ، وعن أبي علي الفارسي إنه نائب فاعل " إستحق " والمراد على هذا إستحق عليهم إنتداب الأوليين منهم للشهادة كما قال الزمخشري ، أو إثم الأوليين كما قيل . وهو تثنية الأولى قلبت ألفه ياء عندها ، وفي على في " عليهم " أوجه : الأول : أنها على بابها ، والثاني : أنها بمعنى في ، والثالث : أنها بمعنى من . وفسر إستحق بطلب الحق وبحق وغلب . وقرأ يعقوب وخلف وحمزة وعاصم في رواية أبي بكر عنه " إستُحق عليهم الأولين " ببناء إستحق للمفعول والأولين جمع أول المقابل للآخر وهو مجرور على إنه صفة الذين أو بدل منه أو من ضمير عليهم أو منصوب على المدح . ومعنى الأولية التقدم على الأجانب في الشهادة ، وقيل التقدم في الذكر لدخولهم في { يِآ أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } ، وقرأ الحسن " الأولان " بالرفع وهو كما قدمنا في الأوليان ، وقرئ " الأولين " بالتثنية والنصب ، وقرأ ابن سيرين " الأوليين " بياءين تثنية أولى منصوباً ، وقرأ " الأولين " بسكون الواو وفتح اللام جمع أولى كأعلين ، وإعراب ذلك ظاهر .