Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 175-177)
Tafsir: Tafsīr al-Manār
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
هذا مثل ضربه الله تعالى للمكذّبين بآيات الله المنزلة على رسوله صلى الله عليه وسلم على ما أيّدها به من الآيات العقليّة والكونيّة ، وهو مثل من آتاه الله آياته فكان عالماً بها حافظاً لقواعدها وأحكامها ، قادراً على بيانها والجدل بها ، ولكنّه لم يؤت العمل مع العلم ، بل كان عمله مخالفاً لعلمه تمام المخالفة ، فسلبها لأن العلم الذي لا يعمل به لا يلبث أن يزول فأشبه الحيّة التي تنسلخ من جلدها وتخرج منه وتتركه على الأرض ( ويسمّى هذا الجلد المسلاخ ) أو كان في التباين بين علمه وعمله كالمنسلخ من العلم التارك له كالثوب الخلق يلقيه صاحبه والثعبان يتجرّد من جلده حتى لا تبقى له به صلة على حد قول الشاعر : @ خُلقوا وما خُلقوا لمكرمة فكأنّهم خُلقوا وما خُلقوا رُزقوا وما رُزقوا سماح يد فكأنّهم رُزقوا وما رُزقوا @@ فحاصل معنى المثل أن المكذّبين بآيات الله تعالى المنزلة على رسوله محمّد صلوات الله وسلامه عليه على إيضاحها بالحجج والدلائل كالعالم الذي حرّم ثمرة الإنتفاع من علمه لأن كلاّ منهما لم ينظر في الآيات نظر تأمّل وإعتبار وإخلاص وهاك تفسير الآيات بما يدلّ عليه نظمها العربي ، ويتلوه ما ورد من الروايات فيها ونظرة فيه { وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ٱلَّذِي ۤ ءَاتَيْنَاهُ ءَايَاتِنَا فَٱنْسَلَخَ مِنْهَا } التلاوة القراءة وإلقاء الكلام الذي يعاد ويكرر للإعتبار به ، والضمير في عليهم للناس المخاطبين بالدعوة وأوّلهم كفار مكّة . والسورة مكيّة ، وقيل لليهود لأن المثل تابع لقصّة موسى في السورة ، والنبأ الخبر الذي له شأن ، وهذا الذي آتاه الله آياته من مبهمات القرآن لم يبيّن الله ولا رسوله في حديث صحيح عنه اسمه ولا جنسه ولا وطنه لأن هذه الأشياء لا دخل لها فيما أنزل الله تعالى الآيات لبيانه . وانسلاخه منها تجرّده وانسلاله منها وتركه إياها بحيث لا يلتفت إليها لإهتداء ولا إعتبار ولا عمل والتعبير بالإنسلاخ المستعمل عند العرب في خروج الحيّات والثعابين أحياناً من جلودها يدلّ على أنّه كان متمكناً منها ظاهراً لا باطناً . { فَأَتْبَعَهُ ٱلشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ ٱلْغَاوِينَ } أي فترتب على انسلاخه منها بإختياره أن لحقه الشيطان فأدركه وتمكن من الوسوسة له إذ لم يبق لديه من نور العلم والبصيرة ما يحول دون قبول وسوسته ، وأعقب ذلك أن صار من الغاوين أي الفاسدين المفسدين . { وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا } أي ولو أردنا أن نرفعه بتلك الآيات إلى درجات الكمال والعرفان ، التي تقرن فيها العلوم بالأعمال ، { يَرْفَعِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ وَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ دَرَجَاتٍ } [ المجادلة : 11 ] - لفعلنا بأن تخلق له الهداية خلقاً ، ونحمله عليها طوعاً أو كرها ، فإنّ ذلك لا يعجزنا ، وإنّما هو مخالف لسنّتنا . { وَلَـٰكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى ٱلأَرْضِ وَٱتَّبَعَ هَوَاهُ } أي ولكنّه اختار لنفسه التسفّل المنافي لتلك الرفعة بأن أخلد ومال إلى الأرض وزينتها وجعل كلّ حظه من حياته التمتع بما فيها من اللذائذ الجسدية ، فلم يُرفع إلى العالم العلوي رأساً ، ولم يوجّه إلى الحياة الروحيّة الخالدة عزماً ، واتّبع هواه في ذلك فلم يراع فيه الإهتداء بشيء ممّا آتيناه من آياتنا ، وقد مضت سنّتنا في خلق نوع الإنسان بأن يكون مختاراً في عمله المستعد له في أصل فطرته ، ليكون الجزاء عليه بحسبه ، وأن نبتليه ونمتحنه بما خلقنا في هذه الأرض من الزينة والمستلذّات { إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى ٱلأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُم أَحْسَنُ عَمَلاً } [ الكهف : 7 ] وتولى كلّ إنسانٍ منهم ما تولّى { مَّن كَانَ يُرِيدُ ٱلْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَآءُ لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَّدْحُوراً * وَمَنْ أَرَادَ ٱلآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُوراً * كُلاًّ نُّمِدُّ هَـٰؤُلاۤءِ وَهَـٰؤُلاۤءِ مِنْ عَطَآءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَآءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً * ٱنظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً } [ الإسراء : 18 - 21 ] . وقد مضت سنّتنا أيضاً بأن اتّباع الإنسان لهواه بتحرّيه وتشهيه ما تميل إليه نفسه في كلّ عمل من أعماله دون ما فيه المصلحة والفائدة له من حيث هو جسد وروح ) يضلّه عن سبيل الله الموصلة إلى سعادة الدنيا والآخرة ، ويتعسّف به في سبل الشيطان المردية المهلكة قال تعالى لخليفته داود عليه السلام : { وَلاَ تَتَّبِعِ ٱلْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } [ ص : 26 ] وقال تعالى في أوّل ما أوحاه إلى كليمه موسى عليه السلام بعد ذكر الساعة { فَلاَ يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَن لاَّ يُؤْمِنُ بِهَا وَٱتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَىٰ } [ طه : 16 ] وقال جلّ جلاله لخاتم أنبيائه صلى الله عليه وسلم { أَرَأَيْتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً } [ الفرقان : 43 ] والآيات في ذم الهوى والنهي عنه كثيرة وحسبك منها قوله : { وَلَوِ ٱتَّبَعَ ٱلْحَقُّ أَهْوَآءَهُمْ لَفَسَدَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ } [ المؤمنون : 71 ] . وحاصل معنى الشرط والإستدراك إن من شأن مَنْ أوتي آيات الله تعالى أن ترتقي نفسه ، وترتفع في مراقي الكمال درجته ، لمّا فيها من الهداية والإرشاد والذكرى ، وإنّما يكون ذلك لمن أخذ هذه الآيات وتلقاها بهذه النية " وإنّما لكلّ امرئٍ ما نوى " وأمّا مَنْ لم ينو ذلك ولم تتوجه إليه نفسه وإنّما تلقى الآيات الآلهيّة إتفاقاً بغير قصد ، أو بنيّة كسب المال والجاه ، ووجد مع ذلك في نفسه ما يصرفه عن الإهتداء بها فلن يستفيد منها ، وأسرع به أن ينسلخ منها ، فهو يقول لو شئنا لرفعناه بها لأنّها في نفسها هدى ونور ، ولكن تعارض المقتضي والمانع وهو إخلاده إلى الأرض واتباع هواه . @ قالوا فلان عالم فاضل فأكرموه مثلما يقتضى فقلت لمّا لم يكن عاملاً تعارض المانع والمقتضى @@ { فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ ٱلْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث } اللهث بالفتح واللهاث بالضم التنفّس الشديد مع إخراج اللسان ، ويكون لغير الكلب من شدة التعب والإعياء أو العطش ، وأمّا الكلب فيلهث في كلّ حال سواء أصابه ذلك أم لا ، وسواء حملت عليه تهدده بالضرب أم تركته وادعا آمناً ، وهذا الرجل صفته كصفة الكلب في حالته هذه وهي أخس أحواله وأقبحها . والمراد والله أعلم أنّه كان من إخلاده إلى الأرض واتباع هواه في أسوء حال ، خلافاً لمّا كان يبغي من نعمة العيش وراحة البال ، فهو في همٍّ دائم ممّا شأنه أن يهتم به ، وما شأنه أن لا يهتم به من صغائر الأمور وخسائس الشهوات ، كدأب عبّاد الأهواء وصغار الهمم ، تراهم كاللاهث من الأعياء والتعب وإن كان ما يعنون به ويحملون همّه حقيراً لا يتعب ولا يعيي ولا ترى أحداً منهم راضياً بما أصابه من شهواته وأهوائه ، بل يزيد طمعاً وتعباً كلّما أصاب سعة وقضى أرباً . @ فما قضى أحد منها لبانته ولا انتهى أرب إلاّ إلى أرب @@ { ذَّلِكَ مَثَلُ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا } أي ذلك الأمر البعيد الشأو في الغرابة هو مثل القوم الذين كذّبوا بآياتنا من الجاحدين المستكبرين ، والمقلّدين الجاهلين ، كذّبوا لظنّهم أن الإيمان بها يسلبهم ما يفخرون به من العزّة والعظمة باتباعهم لغيرهم ، ويحط من قدر آبائهم وأجدادهم الذين قلّدوهم في ضلالهم ، ويحول دون تمتّعهم بما يشتهون من لذاتهم ، فلهذا الظن الباطل لم ينظروا في الآيات نظر تفكر واستقلال ، وتبصّر واستدلال ، بل نظروا إليها - لا فيها - من جهة واحدة وهي أن اتباعها يحط من أقدارهم ، ويعدّ إعترافاً بضلال سلفهم الذين يفخرون بهم ، ويحرمهم التمتع بحظوظهم وأهوائهم . فكان مثلهم مثل الذي أوتي الآيات فانسلخ منها ، وذلك لا يعيب الآيات وإنّما يعيب أهل الأهواء الذين حرمهم سوء إختيارهم الإنتفاع بها ، وكأين من إنسان حرم الإنتفاع بمواهبه الفطريّة بعدم إستعماله إيّاها فيما يرفعه درجاتٍ في العلم والعمل ، وكأي من إنسان استعمل حواسه في الضر ، وعقله وذكاءه في الشر ، وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون . { فَٱقْصُصِ ٱلْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } أي فاقصص أيّها الرسول قصص ذلك الرجل المشابهة حاله لحال هؤلاء المكذّبين بما جئت به من الآيات البيّنات في مبدأ أمره وغايته ، ومعناه وصورته ، رجاء أن يتفكروا فيه فيحملهم سوء حالهم وقبح مثلهم ، على التفكر والتأمّل ، فإذا هم تفكروا في ذلك تفكروا في المخرج منه ، ونظروا في الآيات ، وما فيها من البيّنات ، بعين العقل والبصيرة ، لا بعين الهوى والعداوة ، ولا طريق لهدايتهم غير هذه . والآية تدلّ على تعظيم شأن ضرب الأمثال في تأثير الكلام وكونه أقوى من سوق الدلائل والحجج المجرّدة ، ويدلّ على تعظيم شأن التفكر ، وكونه مبدأ العلم وطريق الحق ، ولذلك حثّ الله عليه في مواضع من كتابه وبيّن أن الآيات والدلائل إنّما تساق إلى المتفكرين لأنهم هم الذين يعقلونها وينتفعون بها . وقد تكرر قوله تعالى : { إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } [ الرعد : 3 ] في عدّة سور من القرآن . وقد قال تعالى ضارباً مثلاً للحياة الدنيا والغرور بها يناسب سياقنا هذا { إِنَّمَا مَثَلُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا كَمَآءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ فَٱخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ ٱلأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ ٱلنَّاسُ وَٱلأَنْعَامُ حَتَّىٰ إِذَآ أَخَذَتِ ٱلأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَٱزَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَآ أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ أَتَاهَآ أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِٱلأَمْسِ كَذٰلِكَ نُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } [ يونس : 24 ] وقد قال بعض علماء الغرب : إن الفارق الحقيقي بين الإنسان المدني ، والإنسان الوحشي هو التفكر اهـ . فبقدر التفكر في آيات الله تعالى المنزلة على رسوله وآياته في الأنفس والآفاق ، وسننه وحكمه في البشر وسائر المخلوقات ، يكون ارتقاء الناس في العلوم والأعمال ، من دينيّة ودنيويّة . { سَآءَ مَثَلاً ٱلْقَوْمُ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَأَنفُسَهُمْ كَانُواْ يَظْلِمُونَ } أي ساء مثل أولئك القوم الذين كذّبوا بآياتنا في الأمثال ، وقبّحت صفتهم في الصفات ، وما كانوا بما اختاروه لأنفسهم من الإعراض عن التفكر في الآيات ، ومن النظر إليها نظر العدو الشانيء يظلمون أحداً وإنّما يظلمون أنفسهم وحدها بحرمانها من الإهتداء بها ، وبما يعقب ذلك من حرمان سعادة الدنيا والآخرة . هذا ما فهمته من معنى الآيات كتبته ( بمكّة المكرمة ) وليس عندي شيء من كتب التفسير أستعين به على الفهم ، وكنت قرأت تفسيرها في بعض الكتب ولكن لم يبق منه في ذهني إلاّ تنازع الأشعرية والمعتزلة في تفسير { وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا } هل يدلّ على مشيئة الله تعالى لضلال الرجل أم لا ، ولا شك في أن الله يفعل ما يشاء ، وأن كلّ شيء يقع بمشيئته ، ولكن مشيئته تجري في العالم بمقتضى سننه وتقديره - وإلاّ ما ورد في الروايات المأثورة من قصّة الرجل الذي آتاه الله آياته فانسلخ منها ، وأن أكثرها على أنّه من بني إسرائيل وأن اسمه ( بلعام ) واسم أبيه ( باعورا ) وهذا ممّا تلقاه أولئك المفسّرون من الإسرائيليات وصار ينقله بعضهم عن بعض لثقتهم بالراوي لكونه ممّن اغتروا بصلاحهم ككعب الأحبار ووهب بن منبّه . وهاك خلاصة تلك الروايات : منقولة عن الدر المنثور للحافظ السيوطي . قال رحمه الله تعالى . قوله تعالى : { وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ٱلَّذِي ۤ ءَاتَيْنَاهُ ءَايَاتِنَا فَٱنْسَلَخَ مِنْهَا } الآية أخرج الفريابي وعبد الرزاق وعبد بن حميد والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والطبراني وابن مردويه عن عبد الله بن مسعود { وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ٱلَّذِي ۤ ءَاتَيْنَاهُ ءَايَاتِنَا فَٱنْسَلَخَ مِنْهَا } قال هو رجل من بني إسرائيل يقال له بلعم بن أبر ، وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ وابن مردويه من طرق عن ابن عباس قال : هو بلعم بن باعوراء وفي لفظ بلعام بن عامر الذي أوتي الاسم كان في بني إسرائيل . وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : { وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ٱلَّذِي ۤ ءَاتَيْنَاهُ ءَايَاتِنَا } الآية ، قال : رجل من مدينة الجبارين يقال له بلعم تعلّم اسم الله الأكبر ، فلمّا نزل بهم موسى أتاه بنو عمّه وقومه فقالوا : إن موسى رجل حديد ومعه جنود كثيرة وإنّه إن يظهر علينا يهلكنا فأدع الله أن يردّ عنّا موسى ومَنْ معه ، قال إنّي إن دعوت الله أن يردّ موسى ومَنْ معه مضت دنياي وآخرتي فلم يزالوا به حتى دعا عليهم فُسلخ ممّا كان فيه وفي قوله : { إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث } قال : إن حمل الحكمة لم يحملها ، وإن ترك لم يهتد لخير ، كالكلب إن كان رابضاً لهث وإن طُرد لهث . وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله : { وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ٱلَّذِي ۤ ءَاتَيْنَاهُ } الآية ، قال هو رجل أُعطي ثلاث دعوات يُستجاب له فيهن ، وكانت له إمرأة له منها ولد ، فقالت إجعل لي منها واحدة ، قال فلك واحدة فما الذي تريدين ؟ قالت إدع الله أن يجعلني أجمل إمرأة في بني إسرائيل ، فدعا الله فجعلها أجمل إمرأة في بني إسرائيل ، فلما علمت أن ليس فيهم مثلها رغبت عنه وأرادت شيئاً آخر فدعا الله أن يجعلها كلبة فصارت كلبة ، فذهبت دعوتان فجاء بنوها فقالوا : ليس بنا على هذا قرار قد صارت أمّنا كلبة يعيّرنا الناس بها فأدع الله أن يردها إلى الحال التي كانت عليه ، فدعا الله فعادت كما كانت ، فذهبت الدعوات الثلاث وسُمّيت البسوس . وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : هو رجل يدّعى بلعم من أهل اليمن آتاه الله آياته فتركها ، وأخرج عبد بن حميد والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والطبراني وابن مردويه عن عبد الله بن عمرو { وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ٱلَّذِي ۤ ءَاتَيْنَاهُ ءَايَاتِنَا فَٱنْسَلَخَ مِنْهَا } قال هو أميّة بن أبي الصلت الثقفي ، وفي لفظ نزلت في صاحبكم أميّة بن أبي الصلت ، وأخرج ابن عساكر عن سعيد بن المسيّب قال : " قدمت الفارعة أخت أميّة بن أبي الصلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد فتح مكّة فقال لها " هل تحفظين من شعر أخيك شيئاً " ؟ قالت : نعم . فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم : " يا فارعة إن مثل أخيك كمثل الذي آتاه الله آياته فانسلخ منها " " . وأخرج ابن عساكر عن ابن شهاب قال : قال أميّة بن أبي الصلت : @ ألا رسول لنا منّا يخبرنا ما بعد غايتنا من رأس نجرانّا @@ قال : ثمّ خرج أميّة إلى البحرين وتنبأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقام أميّة بالبحرين ثماني سنين ، ثمّ قدم فلقي رسول الله صلى الله عليه وسلم في جماعة من أصحابه فدعاه النبيّ صلى الله عليه وسلم وقرأ عليه بسم الله الرحمن الرحيم { يسۤ * وَٱلْقُرْآنِ ٱلْحَكِيمِ } [ يس : 1 - 2 ] حتى فرغ منها ، وثب أمية يجر رجليه فتبعته قريش تقول : ما تقول يا أمية ؟ قال : أشهد إنّه على الحق ، قالوا فهل تتبعه ؟ قال : حتى أنظر في أمره . ثمّ خرج أميّة إلى الشام وقدم بعد وقعة بدر يريد أن يسلم ، فلمّا أُخبر بقتلى بدر ترك الإسلام ورجع إلى الطائف فمات بها ، قال ففيه أنزل الله { وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ٱلَّذِي ۤ ءَاتَيْنَاهُ ءَايَاتِنَا فَٱنْسَلَخَ مِنْهَا } . وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر عن نافع بن عاصم بن عروة بن مسعود قال : إنّي لفي حلقة فيها عبد الله بن عمرو فقرأ رجل من القوم الآية التي في الأعراف { وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ٱلَّذِي ۤ ءَاتَيْنَاهُ ءَايَاتِنَا فَٱنْسَلَخَ مِنْهَا } . فقال : أتدرون مَنْ هو ؟ فقال : بعضهم هو صيفي بن الراهب ، وقال بعضهم هو بلعلم رجل من بني إسرائيل . فقال : لا . فقالوا : مَنْ هو ؟ قال : أميّة بن أبي الصلت . وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن الشعبي في هذه الآية { وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ٱلَّذِي ۤ ءَاتَيْنَاهُ ءَايَاتِنَا فَٱنْسَلَخَ مِنْهَا } قال : قال ابن عباس هو رجل من بني إسرائيل يقال له بلعم بن باعورا ، وكانت الأنصار تقول هو ابن الراهب الذي بني له مسجد الشقاق ، وكانت ثقيف تقول هو أميّة بن أبي الصلت . وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : هو صيفي بن الراهب . وأخرج ابن جرير عن مجاهد في الآية قال : هو نبي في بني إسرائيل يعني بلعم أوتي النبوّة فرشاه قومه على أن يسكت ففعل وتركهم على ما هم عليه . وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله ( فانسلخ منها ) قال : نُزع منه العلم وفي قوله ( ولو شئنا لرفعناه بها ) قال : لرفعه الله بعلمه . وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن مالك بن دينار قال : بعث نبي الله موسى بلعام بن باعورا إلى ملك مدين يدعوهم إلى الله وكان مجاب الدعوة وكان من علماء بني إسرائيل فكان موسى يقدّمه في الشدائد فأقطعه وأرضاه فترك دين موسى وتبع دينه فأنزل الله { وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ٱلَّذِي ۤ ءَاتَيْنَاهُ ءَايَاتِنَا فَٱنْسَلَخَ مِنْهَا } . وأخرج ابن أبي حاتم عن كعب في قوله : { وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ٱلَّذِي ۤ ءَاتَيْنَاهُ ءَايَاتِنَا } قال : كان يعلم اسم الله الأعظم الذي إذا دُعي به أجاب . وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله : { وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ٱلَّذِي ۤ ءَاتَيْنَاهُ ءَايَاتِنَا فَٱنْسَلَخَ مِنْهَا } قال : هذا مثل ضربه الله لمن عرض عليه الهدى فأبى أن يقبله وتركه ( ولو شئنا لرفعناه بها ) قال : لو شئنا لرفعناه بإيتائه الهدى فلم يكن للشيطان عليه سبيل ، ولكن الله يبتلي مَنْ يشاء من عباده ، { وَلَـٰكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى ٱلأَرْضِ وَٱتَّبَعَ هَوَاهُ } قال : أبى أن يصحب الهدى فمثله { كَمَثَلِ ٱلْكَلْبِ } الآية ، قال : هذا مثل الكافر ميّت الفؤاد كما أميّت فؤاد الكلب . وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم في قوله : { وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ٱلَّذِي ۤ ءَاتَيْنَاهُ ءَايَاتِنَا فَٱنْسَلَخَ مِنْهَا } قال : أُناس من اليهود والنصارى والحنفاء ممّن أعطاهم الله من آياته وكتابه فانسلخ منها فجعله مثل الكلب . وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله : { وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا } قال : لدفعنا عنه بها ، ولكنّه أخلد إلى الأرض ، قال : سكن { إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث } إن تطرده بدابتك ورجليك وهو مثل الذي يقرأ الكتاب ولا يعمل به . وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله : { وَلَـٰكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى ٱلأَرْضِ } قال : ركن ، نزع . وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن الحسن في قوله : { إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ } قال : إن تسع عليه . وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن جريج في قوله إن تحمل عليه يلهث قال الكلب منقطع الفؤاد لا فؤاد له مثل الذي يترك الهدى ، لا فؤاد له إنّما فؤاده منقطع كان ضالاً قبل أو بعد . وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن المعتمر قال : سُئل أبو المعتمر عن هذه الآية { وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ٱلَّذِي ۤ ءَاتَيْنَاهُ ءَايَاتِنَا فَٱنْسَلَخَ مِنْهَا } فحدّث عن سيّار أنّه كان رجلاً يقال له بلعام وكان قد أوتي النبوّة وكان مجاب الدعوة ، ثمّ إن موسى أقبل في بني إسرائيل يريد الأرض التي فيها بلعام فرعب الناس منه رعباً شديداً فأتوا بلعام فقالوا : إدع الله على هذا الرجل ، قال حتى أؤامر ربي فآمر في الدعاء عليهم فقيل له لا تدع عليهم ، فإن فيهم عبادي ، وفيهم نبيّهم . فقال لقومه : قد آمرت في الدعاء عليهم وإنّي قد نُهيت ، قال فأهدوا إليه هديّة فقبلها ، ثمّ راجعوه فقالوا : إدع الله عليهم ، فقال حتى أؤامر فآمر فلم يحار إليه شيء فقال قد آمرت فلم يحار إليَّ شيء ، فقالوا : لو كره ربّك أن تدعو عليهم لنهاك كما نهاك المرّة الأولى فأخذ يدعو عليهم فإذا دعا جرى على لسانه الدعاء على قومه ، فإذا أرسل أن يفتح على قومه جرى على لسانه أن يفتح على موسى وجيشه فقالوا ما نراك إلاَّ تدعو علينا قال : ما يجري على لساني إلاَّ هكذا ، ولو دعوت عليهم ما أستجيب لي ، ولكن سأدلكم على أمر عسى أن يكون فيه هلاكهم أن الله يبغض الزنا ، وإن هم وقعوا بالزنا هلكوا فأخرجوا النساء فإنهم قوم مسافرون فعسى أن يزنوا فيهلكوا فأخرجوا النساء تستقبلهم فوقعوا بالزنا فسلّط الله عليهم الطاعون فمات منهم سبعون ألفاً . وأخرج أبو الشيخ عن معبد بن جبير في قوله : { وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ٱلَّذِي ۤ ءَاتَيْنَاهُ ءَايَاتِنَا فَٱنْسَلَخَ مِنْهَا } قال : كان اسمه بلعام وكان يحسن اسماً من أسماء الله فغزاهم موسى في سبعين ألفاً فجاءه قومه ، فقالوا : إدع الله عليهم ، وكانوا إذا غزاهم أحد أتوه فدعا عليهم فهلكوا ، وكان لا يدعو حتى ينام فينظر ما يُؤمر به في منامه فنام ، فقيل له إدع الله لهم ولا تدع عليهم ، فاستيقظ فأبى أن يدعو عليهم ، فقال لهم زيّنوا لهم النساء فإنّهم إذا رأوهن لم يصبروا حتى يصيبوا من الذنوب فتدالو عليهم اهـ . ذلك ما لخّصه السيوطي عن رواة التفسير المأثور ، وكلّه ممّا انخدع به بعض الصحابة والتابعين من الإسرائيليات إن صحت الروايات عنهم ، وبعضها قويّ السند . وقد أورد الحافظ ابن عساكر في تاريخه جلّ هذه الروايات وزاد عليها وانتقد بعضها وذكر أن من رواتها كعب الأحبار ووهب بن منبّه وممّا عزّاه إلى رواية وهب وفيه مخالفة لغيره أنّ قصّة بلعام كانت في قتال فرعون من الفراعنة لأمّة موسى بعد وفاته وأن بلعام من أنبياء بني إسرائيل ، وذكر عنه رواية أخرى وقال : بعد سياق طويل للقصّة لا حاجة إلى نقله ما نصّه : " وحكيت هذه القصّة عن كعب وفيها أن معسكر موسى عليه السلام كان بأرض كنعان من الشام بين أريحا وبين الأردن وجبل البلقاء ، والتيه فيما بين هذه المواضع ، ثمّ ساق القصّة على نمط ما تقدّم إلاَّ أن فيها بدل " اندلع لسانه " وجاءته لمعة فأخذت بصره فعمي . " وحكي عن وهب أنّه قال إن بلعام أُخذ أسيراً فأتي به إلى موسى فقتله قال : وهكذا كانت سنّتهم أنهم يقتلون الأسرى قال : فقوله تعالى : { فَٱنْسَلَخَ مِنْهَا } يقول : الاسم الأعظم الذي أعطاه الله عزّ وجلّ إياه . وروى محمّد بن إسحاق عن الزهري عن سعيد بن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " كان مثل بلعم بن باعورا في بني إسرائيل كمثل أميّة بن أبي الصلت في هذه الأمّة " قال ابن عساكر : قلت والحديث موقوف على ابن المسيّب ، فتأمّل ؟ قال : " وأقول : في الإصحاح الثاني والعشرين من سفر العدد من التوراة ذكر بلعام وقصّته مطوّلة وهي أشبه برواية وهب غير أن الذين دوَّنوا التوراة الموجودة اليوم برّؤا بلعام فقالوا إنّه ذهب إلى منزله ولم يدع على بني إسرائيل ولم يصبه شيء ، فإن كانت الآيات نزلت في حكاية بلعام فيكون القرآن قد أظهر ما كتمه التوراتيون وأظهر ما خبّأوه ويكون هذا من جملة المعجزات الدالة على أن القرآن من عند الله تعالى وإن كانت في غيره فالله أعلم بمن نزلت . على أن الصحيح أن الآيات شاملة لكلّ مَنْ كانت هذه صفته من كلّ مَنْ آتاه الله الآيات التي هي الحجج التي جاء بها الأنبياء ثمّ أنّه انسلخ منها - إلى أن قال - والصواب في تفسير هذه الآية أنّه لا يخص منه شيء إذا كان لا دلالة على خصوصه من خبر ولا عقل " اهـ المراد من كلام ابن عساكر . أقول : إن هذا الحافظ كان مطّلعاً على التوراة التي في أيدي أهل الكتاب وهي عين التي بين أيدينا منها إلاَّ ما في إختلاف الترجمات القديمة والحديثة من الفروق وهي وإن كان فيها إختلاف في المعاني فلن يصل إلى الحد الذي في روايات وهب وكعب وغيرهما من رواة الإسرائيليات الكاذبة . وابن عساكر يرجّح قول وهب على ما في التوراة لأنّه ثقة عنده في الرواية ويعدّ روايته دليلاً على معجزة للقرآن ، ولو ذكر القرآن أن الرجل الذي آتاه الله آياته هو بلعام هذا أو لو صحّ هذا في خبر مسند متّصل عن النبيّ صلى الله عليه وسلم لكان صحيحاً ، ولكن يجب أن نعلم من أين جاء وهب بهذه القصّة وهو لم يكن إلاَّ روّاياً لمّا عند أهل الكتاب وما قاله مخالف لما عندهم ؟ وقصّة بلعام مفصّلة في الفصول 22 - 24 من سفر العدد وفيها أنّها وقعت في " عربات موآب من عبر أردن أريحا " من أرض مدين كما تقول ( أو مديان كما يقولون ) وأن بالاق بن صفور ( بكسر الصاد المهملة وتشديد الفاء ) ملك الموآبيين طلب من بلعام بن بعور أن يلعن بني إسرائيل لينصره الله عليهم ووعده بمال كثير فأوحى الله إلى بلعام أن لا يفعل فلم يفعل . وفي قاموس الكتاب المقدّس للدكتور بوست أن بلعام هذا من قرية فثور من بين النهرين قال : ( وكان نبيّاً مشهوراً في جيله والظاهر أنّه كان موحّداً يعبد الله ( ! ! ) وليس ذلك بعجيب لأنّه من وطن إبراهيم الخليل حيث يظن أن جرثومة تلك العبادة كانت لم تزل معروفة عند أهل تلك البلاد ما بين النهرين في أيام ذلك الرجل ، وقد ذاع صيت هذا النبيّ بين أهل ذلك الزمان فعلى شأنه وصارت الناس تقصده من جميع أنحاء البلاد ليتنبّأ لهم عن أمور مختصّة بهم أو ليباركهم ويبارك مقتنياتهم وما أشبه " ثمّ ذكر حكاية ملك موآب معه ، فعلى ذلك يكون بلعام عراقياً لا إسرائيلياً ولا موآبياً . وذكر البستاني في دائرة المعارف العربيّة ملخّص قصّة بلعام ثمّ قال : وبعض مفسّري الكتاب المقدّس المدققين ذهب إلى أن قصّة بلعام المدرجة في سفر العدد من الإصحاح 22 - 24 دخيلة إلخ فتأمّل . وجملة القول أن هذه الروايات الإسرائيلية لا يعتدّ بشيء منها ، ولا قيمة لأسانيدها لأنّ مَنْ ينتهي إليه السند قد اغتر ببعض ملفقي الإسرائيليات حتماً ، وقد رأينا شيخ المفسّرين ابن جرير لم يعتدّ بها . ونرجوا - وقد راجعنا أشهر ما لدينا من كتب التفسير - أن يكون ما بيّنا به معنى الآيات أصحّها وأكبرها فائدة . وأكبر وجوه : العبرة فيها ما نراه من حال علماء الدنيا اللابسين لباس علماء الدين الذين هم أظهر مظاهر المثل في الإنسلاخ من آيات الله والإخلاد إلى الأرض واتباع أهوائهم وتفانيهم في إرضاء الحكام وإن كانوا مرتدّين ، والعوام وإن كانوا مبتدعة خرافيين ، وهم فتنة للنابتة العصرية تصدهم عن الإسلام ، وللعوام في الثبات على الخرافات والأوهام ، ومنها عبادة القبور بدعاء موتاها فيما لا يطلب إلاّ من الله تعالى والطواف بها والنذر لها وغير ذلك . ولا حول ولا قوّة إلاَّ بالله العليّ العظيم .