Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 189-193)

Tafsir: Tafsīr al-Manār

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

افتتحت هذه السورة بدعوة القرآن إلى دين التوحيد والأمر باتباع ما أنزل الله ، والنهي عن اتباع أولياء من دونه ، وتلاه التذكير بنشأة الإنسان الأولى في الخلق والتكوين ، والعداوة بينه وبين الشيطان ، ثمّ اختتمت بهذه المعاني ، وهو التذكير بالنشأة الأولى والنهي عن الشرك واتباع وسوسة الشيطان ، والأمر بالتوحيد واتباع القرآن ، قال تعالى : { هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ } أي خلقكم من جنس واحد أو حقيقة واحدة صورها بشراً سويا ، { وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا } سكوناً زوجياً ، أي جعل لها زوجاً من جنسها فكانا زوجين ذكراً وأنثى كما قال تعالى : { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ } [ الحجرات : 13 ] كما أنّه خلق من كلّ جنس وكلّ نوع من الأحياء زوجين اثنين قال عزَّ وجلّ : { وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } [ الذاريات : 49 ] وإننا نشاهد أن كلّ خلية من الخلايا التي ينمى بها الجسم الحي تنطوي على نويّتين ذكر وأنثى يقترنان فيولد بينهما خلية أخرى ، وهلم جراً ، ونعلم أيضاً ، كيف يتكوّن في الأرحام كلّ من الزوجين كما قال تعالى : { وَأَنَّهُ خَلَقَ ٱلزَّوْجَيْنِ ٱلذَّكَرَ وَٱلأُنثَىٰ * مِن نُّطْفَةٍ إِذَا تُمْنَىٰ } [ النجم : 45 - 46 ] ولكننا لا ندري كيف ازدوجت النفس الأولى بعد وحدتها فكانت ذكراً وأنثى ، قال تعالى : { مَّآ أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَلاَ خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ } [ الكهف : 51 ] . وفي التوراة التي عند أهل الكتاب أن حواء خلقت من ضلع من أضلاع آدم وقد أمرنا نبينا صلى الله عليه وسلم أن لا نصدّق أهل الكتاب ولا نكذبهم أي فيما لا نص فيه عندنا لإحتماله ، فنحن نعمل بأمره صلى الله عليه وسلم في هذا الخبر وأن حمل عليه بعض المفسرين وغيرهم حديث : " استوصوا بالنساء فإن المرأة خلقت من ضلع وأن أعوج شيء في الضلع أعلاه فإن ذهبت تقيمه كسرته ، وإن تركته لم يزل أعوج ، فاستوصوا بالنساء " رواه الشيخان من حديث أبي هريرة مرفوعاً ، فإن المتبادر منه الذي اعتمده الشراح في تفسيره أن المراد بخلقها منه أنّها ذات إعوجاج وشذوذ تخالف به الرجل كما يشير إليه ما رواه ابن حبان عن أبي هريرة " أن المرأة خلقت من ضلع أعوج " فهو على حد قوله تعالى : { خُلِقَ ٱلإنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ } [ الأنبياء : 37 ] . وقال الحافظ في شرحه من الفتح : قيل فيه إشارة إلى أن حواء خلقت من ضلع آدم الأيسر وقيل من ضلعه القصير أخرجه ابن إسحاق وزاد : اليسرى من قبل أن يدخل الجنّة وجعل مكانه لحم ، ومعنى خلقت أي أخرجت كما تخرج النخلة من النواة اهـ . فتأمل لجعل الحافظ المسألة من باب الإشارة وحكايته لها بصيغة التضعيف ، وما ذكره من تفسيرها الغريب بتشبيه خلق الإنسان بخلق النبات ، وظاهره أنه لم يطلع على سعة حفظه على قول لمن يعتد بأقوالهم من علماء السلف ومحققي الخلف في المسألة ، ونذكر أن الله تعالى خاطب الناس في عصر التنزيل بمثل ما حكاه لهم في هذه الآية عن نشأة جنسهم في كونه تعالى خلق لهم أزواجاً من أنفسهم فقال في بيان آياته من سورة الروم : { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوۤاْ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً } [ الروم : 21 ] فهذا المعنى عام لا خاص بالإنسان الأوّل . عبر التنزيل عن ميل الزوج الجنسي إلى زوجه هنا وفي سورة الروم بالسكون وذلك أن المرء إذا بلغ سن الحياة الزوجية يجد في نفسه إضطراباً خاصّاً لا يسكن إلاّ إذا اقترن بزوج من جنسه واتحدا ذلك الإقتران والإتحاد الذي لا تكمل حياتهما الجنسية المنتجة إلاّ به ، ولذلك قال بعده { فَلَماَّ تَغَشَّاهَا } إلخ الغشاء غطاء الشيء الذي يستره من فوقه ، والغاشية الظلة تظله من سحابة وغيرها { وَٱلْلَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ } [ الليل : 1 ] أي يحجب الأشياء ويسترها بظلامه ، وتغشاها أتاها كغشيها ويزيد ما تعطيه صيغة التفعل من جهد ، وهو كناية نزيهة عن أداء وظيفة الزوجية تشير إلى أن مقتضى الفطرة وأدب الشريعة فيها الستر ، ولفظ النفس مؤنث فأنث في أوّل الآية ، ولفظ الزوج يطلق على الذكر والأنثى ولهذا ذكّر هنا فاعل التغشي وأنث مفعوله . أي فلما تغشى الزوج الذي هو الذكر الزوج التي هي الأنثى { حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً } أي علقت منه وهو الحبل ، والحمل بالفتح يطلق على المصدر وعلى المحمول والمشهور أنه خاص بما كان في بطن أو على شجرة وأن ما حمل على ظهر ونحوه يسمّى حملاً بكسر الحاء . والحمل هاهنا يحتمل المعنيين وهو يكون في أوّل العهد خفيفاً لا تكاد المرأة تشعر به ، وقد تستدلّ عليه بارتفاع حيضتها { فَمَرَّتْ بِهِ } أي فمضت به إلى وقت ميلاده من غير إخداج ولا إزلاق كما قاله الزمخشري أو استمرت في أعمالها وقضاء حاجتها من غير مشقّة ولا استثقال { فَلَمَّآ أَثْقَلَتْ } أي حان وقت ثقل حملها وقرب وضعها : { دَّعَوَا ٱللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً لَّنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّاكِرِينَ } أي توجها إلى الله تعالى ربّهما يدعوانّه فيما انحصر همهما فيه بعد تمام الحمل على سلامة بأن يعطيهما ولداً صالحاً أي سوياً تام الخلق يصلح للقيام بالأعمال البشرية النافعة - ولا ينبغي أن يدعو العبد غير ربّه ، فيما لا يملك هو ولا غيره من العبيد أسبابه ، دعواه مخلصين مقسمين له على ما وطنا عليه أنفسهما من الشكر له على هذه النعمة قائلين لئن أعطيتنا ولداً صالحاً لنكونن من القائمين لك بحق الشكر قولاً وعملاً واعتقاداً وإخلاصاً ، كما يدل عليه الوصف المعرّف . { فَلَمَّآ آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلاَ لَهُ شُرَكَآءَ فِيمَآ آتَاهُمَا } أي فلما أعطاهما ولداً صالحاً لا نقص في خلقه ، ولا فساد في تركيبه ، جعلا له شركاء في إعطائه أو فيما أعطاه بأن كان سبباً لوقوع الشرك منهما أو ظهور ما هو راسخ في أنفسهما منه ، وسنبين معناه وقرأ نافع وأبو بكر ( جعلا له شركاً ) أي شركة أو ذوي شرك ، فالمعنى واحد . { فَتَعَالَى ٱللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ } أي تعالى شأنه عن شركهم ، فإنّه هو معطي النسل بما خلقه لكل من الزوجين من أعضاء ، وقدر لهما في العلوق والوضع من أسباب ، لا فعل لغيره في ذلك البتة . وجمع الضمير هنا بعد تثنيته الأفعال قبله لأن المراد فيه بالزوجين الجنس لا فردين معينين : وقال الزمخشري : إن الضمير في ( آتيتنا ) و ( لنكونن ) لهما ولكل من يتناسل من ذريتهما . والآية على كلّ من القولين بيان لحال البشر فيما طرأ عليهم من نزغات الشرك الخفي والجلي في هذا الشأن وأمثاله ، والجنس يصدّق ببعض أنواعه وببعض أفراده . فمثال الشرك الخفي في أنعام الله عليهم بالنسل ما يسندونه إلى الأسباب في سلامة الحامل من الأمراض في أثناء الحمل أو في حالة الوضع ، وفي سلامة الطفل عند الوضع وعقبه وفيما بعد ذلك من الموت أو التشويه أو الأمراض ، كقولهم : لولا أن فعلنا كذا لكان كذا ، ولولا فلان أو فلانة من طبيب أو مرشد أو قابلة لهلك الولد أو لأجهضت أمّه إجهاضاً ، أو جاءت بسقط لم يستهل ، أو لمات عقب إسقاطه لعدم إستعداده للحياة . وينسون في هذه الأحوال فضل الله تعالى عليهم بما منّ به من العافية والتوفيق وتسخير الأسباب من البشر وغيرهم ، وإن كانوا ممن يذكرونها ولا ينكرونها إذا ذكروا بها - ذلك شأن كثير من الناس في كلّ نعمة تمسّهم ، أو نقمة يدفعها الله تعالى عنهم ، وهذا الشرك ليس خروجاً من الملّة ، ولكنّه نقص في شكر المنعم ، ويحتمل أن يكون المراد بالشرك هنا ترجيح حبّ الأولاد على حبّ الله تعالى وشغلهم للوالدين عن ذكره وشكره ، وإيثارهم لهم على طاعته والتزام ما شرعه من أحكام الحلال والحرام ، وهو كسابقه نقص في التوحيد لا نقض له ، وغفلة عنه لا جحد به . ومثال الشرك الجلي إسناد هذه النعم إلى غيره تعالى ممن يدعونهم من دونه أو معه من الأولياء والقديسين ، أو الأنبياء والمرسلين ، أو ما يذكر بهم أو يمثلهم من القبور أو الأصنام والتماثيل ، يقولون : لولا سيّدي فلان ولولا مولانا علان لما كان كذا مما نحب ، أو لكان كذا وكذا مما نكره ، يعتقدون أن لهم فيما كان من نفع ومنع ضرر تأثيراً غيبياً يستقلون به هو فوق تأثير الأسباب المذكورة عن القسم الأوّل كما تقدم شرحه مراراً أقربها ما في تفسير الآية السابقة . { فَتَعَالَى ٱللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ } أي وارتفع مجده ، وتعالى جده ، تنزها عن شرك هؤلاء الأغبياء أو عن شركائهم أن يكون لهم تصرف في خلقه ، أو تأثير في صفاته وأفعاله . كنت قرأت منذ سنين جل ما قال المفسرون في تفسير هذه الآيات من كتبهم التي بين أيدينا من مأثور وغيره ، وما أوردوه فيها من الأشكال ، وما لهم في الجواب عنه والتفصي منه من أقوال ، ولما أردت كتابة تفسيرها الآن لم أجد مما في ذهني منه شيئاً مرضياً يطمئن به قلبي ، فتوجهت إلى الله تعالى وفكّرت في معناها الذي يعطيه الأسلوب العربي وينطبق على سنة الله في البشر ، وفي بيان كتابه لحقائق أحوالهم ، فكرت في ذلك قبل النوم وأنا في فراشي ، ثمّ كتبت ما تقدم في آخر النهار ، ثمّ بحثت فيما عندي من كتب التفسير لأكتب خلاصة ما قيل فيها ، وأنظر فيما عساه يؤيده ، وأجيب عمّا ربما يفنده ، فإذا أنا بصاحب الإنتصاف يقول بعد ذكر ما نقلناه آنفاً من كلمة الزمخشري في ضميري الجمع ما نصّه : وأسلم من هذين التفسيرين أن يكون المراد جنسي الذكر والأنثى لا يقصد فيه إلى معين ، وكان المعنى والله أعلم : خلقكم جنساً واحداً وجعل أزواجكم منكم أيضاً لتسكنوا إليهن ، فلما تغشى الجنس الذي هو الذكر الجنس الآخر الذي هو الأنثى جرى من هذين الجنسين كيت وكيت . وإنّما نسب هذه المقالة إلى الجنس وإن كان فيهم الموحدون لأن المشركين منهم كقوله تعالى : { وَيَقُولُ ٱلإِنسَانُ أَءِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيّاً } [ مريم : 66 ] { قُتِلَ ٱلإِنسَانُ مَآ أَكْفَرَهُ } [ عبس : 17 ] { إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَفِى خُسْرٍ } [ العصر : 2 ] اهـ . وأمّا الإشكال الذي أشرنا إليه فهو ما روي عن بعض الصحابة والتابعين وفي حديث مرفوع أيضاً من أن الآية في آدم وحواء فقد أخرج أحمد والترمذي وأبو يعلى وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وغيرهم من حديث سمرة بن جندب مرفوعاً قال : " لما ولدت حواء طاف بها إبليس وكان لا يعيش لها ولد فقال سميه عبد الحارث فإنّه يعيش ، فسمته عبد الحارث فعاش فكان ذلك من وحي الشيطان " وهو على كثرة مخرجيه غريب وضعيف كما سيأتي ، وقد جاءت الآثار في هذا المعنى مفصّلة ومطوّلة وفيها زيادات خرافية ، تشهد عليها بأنّها من الدسائس الإسرائيلية ، وهذه الآثار يعدها بعض العلماء من قبيل الأحاديث المرفوعة لأنّها لا تقال بالرأي ، والذي نعتقده وجرينا عليه في التفسير أن كلّ ما هو منها مظنة للإسرائيليات المتلقاة عن مثل كعب الأحبار ووهب بن منبه فهي لا يوثق بها ، فإن كانت مع ذلك مشتملة على ما ينكره الدين أو العلم الصحيح قطعنا ببطلانها وكونها دسيسة إسرائيلية ، ومنها ما نحن فيه لأن فيه طعناً صريحاً في آدم وحواء عليهما السلام ورمياً لهما بالشرك ، ولذلك رفضها بعض المفسرين وتكلّف آخرون في تأويلها بما تنكره اللّغة . وقد اعتمد بعض المتأخرين كصاحب فتح البيان وصاحب روح المعاني الأخذ بحديث سمرة دون آثار الصحابة والتابعين التي فيها ما ليس فيه من رمي آدم بالشرك الصريح ، وظناً أنّه حجّة ووصفاه تبعاً للترمذي والحاكم بالحسن والصحيح ، وما هو بحسن ولا صحيح ، على أنّه لم يرد تفسيراً للآية كتلك الآثار . وذهب بعض المفسرين إلى أن الخطاب في الآية لقريش وأن المراد فيها بالنفس الواحدة قصي جدهم ، وأن المراد بجعل زوجها منها أنّها قرشية أو عربية لما روي أنّها من خزاعة لا من قريش ، وأن المراد بشركهما تسمية أبناءهما الأربعة عبد مناف وعبد شمس وعبد العزى وعبد الدار - يعني دار الندوة - وفيه نظر من وجوه : ذكرها بعض المفسرين لا نضيع الوقت بذكرها . وإنّما الذي يصح أن يذكر ويبين بطلانه فهو الروايات التي انخدع بها ولا يزال ينخدع بها الكثيرون ، وعمدتنا في تمحيصها وبيان عللها الحافظ ابن كثير فقد قال في تفسيره ما نصّه : " ذكر المفسّرون هاهنا آثاراً وأحاديث سأوردها وأبين ما فيها ثمّ نتّبع ذلك ببيان الصحيح في ذلك إن شاء الله وبه الثقة . قال الإمام أحمد في مسنده : حدّثنا عبد الصمد حدّثنا عمر بن إبراهيم حدّثنا قتادة عن الحسن عن سمرة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : " لمّا ولدت حواء طاف بها إبليس وكان لا يعيش لها ولد فقال سميه عبد الحارث فعاش وكان ذلك من وحي الشيطان وأمره " وهكذا رواه ابن جرير عن محمد بن بشار عن بندار عن عبد الصمد بن عبد الوارث به ، ورواه الترمذي في تفسير هذه الآية عن محمد بن المثنى عن عبد الصمد به وقال هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلاّ من حديث عمر بن إبراهيم ، ورواه بعضهم عن عبد الصمد ولم يرفعه ورواه الحاكم في مستدركه من حديث عبد الصمد مرفوعاً ثمّ قال هذا حديث صحيح إسناد ولم يخرجاه ورواه الإمام أبو محمد بن أبي حاتم في تفسيره عن أبي زرعة الرازي عن هلال بن فياض عن عمر بن إبراهيم به مرفوعاً ، وكذا رواه الحافظ أبو بكر بن مردويه في تفسيره من حديث شاذ بن فياض عن عمر بن إبراهيم به مرفوعاً ، وكذا رواه الحافظ أبو بكر بن مردويه في تفسيره من حديث شاذ بن فياض عن عمر بن إبراهيم به مرفوعاً ( قلت ) وشاذ هو هلال وشاذ لقبه ، والغرض أن هذا الحديث معلول من ثلاثة أوجه : أحدها : أن عمر بن إبراهيم هذا هو المصري وقد وثقه ابن معين ، ولكن قال أبو حاتم الرازي لا يحتج به ولكن رواه ابن مردويه من حديث المعتمر عن أبيه عن الحسن عن سمرة مرفوعاً فالله أعلم . الثاني : أنّه قد روي من قول سمرة نفسه ليس مرفوعاً كما قال ابن جرير : حدّثنا ابن عبد الأعلى حدّثنا المعتمر عن أبيه حدّثنا بكر بن عبد الله عن سليمان التيمي عن عبد الأعلى بن الشخير عن سمرة بن جندب قال : سمّى آدم ابنه عبد الحارث . الثالث : أن الحسن نفسه فسّر الآية بغير هذا فلو كان هذا عنده عن سمرة مرفوعاً لما عدل عنه . قال ابن جرير : حدّثنا ابن وكيع حدّثنا سهل بن يوسف عن عمرو بن الحسن ( جعلا له شركاء فيما آتاهما ) قال كان هذا في بعض أهل الملل ولم يكن بآدم ، وحدّثنا محمد بن عبد الأعلى حدّثنا محمد بن نور عن معمر قال : قال الحسن عني بها ذرية آدم ومن أشرك منهم بعده ، يعني جعلا له شركاء فيما آتاهما ، وحدّثنا بشر حدّثنا يزيد حدّثنا سعيد عن قتادة قال كان الحسن يقول : هم اليهود والنصارى رزقهم الله أولاداً فهودوا ونصروا . وهذه أسانيد صحيحة عن الحسن ( رضي الله عنه ) عنه أنّه فسّر الآية بذلك وهو من أحسن التفاسير وأولى ما حملت عليه الآية ، ولو كان هذا الحديث عنده محفوظاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما عدل عنه هو ولا غيره لا سيّما مع تقواه لله وورعه فهذا يدلك على أنّه موقوف على الصحابي ، ويحتمل أنّه تلقاه من بعض أهل الكتاب من آمن منهم مثل كعب أو وهب بن منبه وغيرهما كما سيأتي بيانه إن شاء الله ألاّ إنّما برئنا من عهدة المرفوع والله أعلم . " فأمّا الآثار فقال محمد بن إسحاق بن يسار عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس قال : كانت حواء تلد لآدم عليه السلام أولاداً فيعبّدهم لله ويسميهم عبد الله وعبيد الله ونحو ذلك فيصيبهم الموت ، فأتاهما إبليس فقال : إنكما لو سميتماه بغير الذي تسميانه به لعاش ، قال فولدت له رجلاً فسماه عبد الحارث ففيه أنزل الله يقول : { هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ } إلى قوله { جَعَلاَ لَهُ شُرَكَآءَ فِيمَآ آتَاهُمَا } إلى آخر الآية : وقال العوفي عن ابن عباس قوله في آدم : { هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ } إلى قوله { فمرت به } شكت أحملت أم لا ؟ { فَلَمَّآ أَثْقَلَتْ دَّعَوَا ٱللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً لَّنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّاكِرِينَ } فأتاهما الشيطان فقال هل تدريان ما يولد لكما أم هل تدريان ما يكون أبهيمة أم لا وزين لهما الباطل إنه غوي مبين ، وقد كانت قبل ذلك ولدت ولدين فماتا فقال لهما الشيطان إنّكما إن لم تسمياه بي لم يخرج سوياً ومات كما مات الأوّل فسميا ولدهما عبد الحارث فذلك قول الله : { فَلَمَّآ آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلاَ لَهُ شُرَكَآءَ فِيمَآ آتَاهُمَا } الآية . وقال عبد الله ابن المبارك عن شريك عن خصيف عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله : { فَلَمَّآ آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلاَ لَهُ شُرَكَآءَ فِيمَآ آتَاهُمَا } قال : قال الله تعالى : { هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَماَّ تَغَشَّاهَا } آدم حملت فأتاهما إبليس لعنه الله فقال إني صاحبكما الذي أخرجتكما من الجنّة لتطيعاني أو لأجعلن له قرني أيّل فيخرج من بطنك فيشقّه ولأفعلن ولأفعلن - يخوفهما - فسمياه عبد الحارث ، فأبيا أن يطيعاه فخرج ميتاً ، ثمّ حملت الثانية فأتاهما أيضاً فقال : أنا صاحبكما الذي فعلت ما فعلت لتفعلن أو لأفعلن - يخوفهما - فأبيا أن يطيعا فخرج ميتاً ثمّ حملت الثالثة فأتاهما أيضاً فذكر لهما فأدركهما حب الولد فسمياه عبد الحارث فذلك قوله تعالى : { جَعَلاَ لَهُ شُرَكَآءَ فِيمَآ آتَاهُمَا } رواه ابن أبي حاتم . " وقد تلقى هذا الأثر عن ابن عباس جماعة من أصحابه كمجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة ، ومن الطبقة الثانية قتادة والسدي وغير واحد من السلف وجماعة من الخلف ، ومن المفسرين المتأخرين جماعات لا يحصون كثرة ، وكأنّه والله أعلم أصله مأخوذ من أهل الكتاب فإنّ ابن عباس رواه عن أبي بن كعب كما رواه ابن أبي حاتم حدّثنا أبي حدّثنا أبو الجماهير حدّثنا سعيد يعني ابن بشير عن عقبة عن قتادة عن مجاهد عن ابن عباس عن أبيّ بن كعب قال : لما حملت حواء أتاها الشيطان فقال لها أتطيعيني ويسلم لك ولدك سميه عبد الحارث فلم تفعل فولدت فمات ، ثمّ حملت فقال لها مثل ذلك فلم تفعل ، ثمّ حملت الثالثة فجاءها فقال : إن تطيعيني يسلم وإلاّ فإنّه يكون بهيمة . فهيبهما فأطاعا . " وهذه الآثار يظهر عليها والله أعلم أنها من آثار أهل الكتاب وقد صحّ الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّه قال : " إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم " ثمّ أخبارهم على ثلاثة فمنها ما علمنا صحته بما دل عليه الدليل من كتاب الله أو سنة رسوله ومنها ما علمنا كذبه بما دلّ على خلافه من الكتاب والسنّة أيضاً ، ومنها ما هو مسكوت عنه فهو المأذون في روايته بقوله عليه السلام : " حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج " وهو الذي لا يصدّق ولا يكذب لقوله : " فلا تصدّقوهم ولا تكذّبوهم " وهذا الأثر هو من القسم الثاني أو الثالث ؟ فيه نظر ، فأما من حدث به من صحابي أو تابعي فإنّه يراه من القسم الثالث ، وأمّا نحن فعلى مذهب الحسن البصري رحمه الله في هذا وأنّه ليس المراد من هذا السياق آدم وحواء ، وإنّما المراد من ذلك المشركون من ذريته ، ولهذا قال الله : { فَتَعَالَى ٱللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ } ثمّ قال فذكره آدم وحواء أولاً كالتوطئة لما بعدهما من الوالدين وهو كالإستطراد من ذكر الشخص إلى الجنس كقوله : { وَلَقَدْ زَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنْيَا بِمَصَٰبِيحَ } [ الملك : 5 ] الآية ومعلوم أن المصابيح وهي النجوم التي زينت بها السماء ليست هي التي يرمى بها ، وإنّما هذا إستطراد من شخص المصابيح إلى جنسه ولهذا نظائر في القرآن والله أعلم . اهـ سياق ابن كثير وقد أصاب كنه الحقيقة في قوله إن هذه الآثار مأخوذة من الإسرائيليات ، ولما كانت طعنا في عقيدة أبوينا آدم وحواء عليهما السلام بما تبطله عقائد الإسلام ، وجب الجزم ببطلانها وتكذيبهم فيها . ثمّ بيّن تعالى سخافة عقولهم وأفن آرائهم بهذا الشرك فقال : { أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ } الإستفهام للإنكار والتجهيل ، أي يشركون به سبحانه وتعالى وهو الخالق لهم ولأولادهم ولكل شيء ما لا يخلق شيئاً من الأشياء مهما يكن حقيراً كقوله تعالى : { إِنَّ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ لَن يَخْلُقُواْ ذُبَاباً وَلَوِ ٱجْتَمَعُواْ لَهُ } [ الحج : 73 ] وليس قصارى أمرهم أن الخلق لا يقع منهم ، بل هو يقع عليهم ، فهم يخلقون آنا بعد آن ، ولا يليق بسليم العقل أن يجعل المخلوق العاجز ، شريكاً للخالق القادر ؟ والآية وما بعدها حكاية لشرك عباد الأصنام والتماثيل كافة ، ومنهم مشركوا مكّة وأمثالهم ممن نزل القرآن في عهدهم ومن يجيء بعدهم ، فقوله : { مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً } يراد به أصنامهم لأن " ما " لما لا يعقل ولفظها مفرد وهو من صيغ العموم فأفرد الضمير في " يخلق " مراعاة للفظ ثمّ جمع في " يخلقون " مراعاة للمعنى ، وجعله ضمير العقلاء من قبيل الحكاية لإعتقادهم ، والتعبير بفعل المضارع " يخلقون " لتصوير حدوث خلقهم ، وكون مثله مما يتجدد فيهم وفي أمثالهم من المشركين ، وهذا أسوأ فضائحهم في الشرك . { وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً وَلآ أَنْفُسَهُمْ يَنصُرُونَ } أي وهم على كونهم مخلوقين غير خالقين لشيء لا يستطيعون لعابديهم نصراً على أعدائهم ، ولا يستطيعون لأنفسهم نصراً على من يعتدي عليها بإهانة لها ، أو أخذ شيء من طيبها أو حليها ، كما قال : { وَإِن يَسْلُبْهُمُ ٱلذُّبَابُ شَيْئاً لاَّ يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ ٱلطَّالِبُ وَٱلْمَطْلُوبُ } [ الحج : 73 ] أي فهم يحتاجون إليكم في تكريمهم وأنتم لا تحتاجون إليهم ، بل أنتم الذين تدفعون عنهم وتنصرونهم بالنضال دونهم . { وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى ٱلْهُدَىٰ لاَ يَتَّبِعُوكُمْ } قرأ نافع " لا يتبعوكم " بالتخفيف والباقون بالتشديد أي وإن تدعوهم إلى ما هو الهدى والرشاد في نفسه لا يتبعوكم فلا هم ينفعونكم ولا هم ينتفعون منكم أو المعنى وإن تدعوهم إلى إفادتكم لا يستجيبون لكم { سَوَآءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَٰمِتُونَ } أي مستوٍ عندكم دعاؤكم إياهم وبقاؤكم على صمتكم ، ولعله لم يقل : صمتم ، أو تصمتون ، لأن إشراكهم بهم كان قد وهن بحيث لم يكونوا يدعونهم عند الإضطرار وكوارث الخطوب بل يدعون الله وحده ، وإنّما كانوا يتحدثون بتقاليدهم الوثنية فيهم والرجاء بشفاعتهم في أوقات الرخاء ، التي لا يشعر فيها الإنسان بالحاجة إلى الدعاء : { فَإِذَا رَكِبُواْ فِي ٱلْفُلْكِ دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى ٱلْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ } [ العنكبوت : 65 ] ومنه الدعاء بالولد الصالح عند قرب وضع الحامل ، والشرك بعد وجود الولد الصالح ، فالتعبير بالوصف " صامتون " لإفادة كون إحداث الدعاء واستصحاب الحال الثابتة قبله واستمرارها سواء ، وهي تصدق بنفي شعورهم بالحاجة إلى دعائهم وعدم خطورهم بالبال عند الشدائد ، والشعور بحاجة المخلوق إلى الرّب الخالق ، ولو قال : " أم صمتم " أو " أم أنتم تصمتون " لما كانت المقابلة بين وجود وعدم ، وإيجاب وسلب ، لأنّه يصدّق بتكلّف الصمت وكف النفس عن دعائهم ولو للتجربة مع الشعور بالحاجة إلى الدعاء . والأوّل أبلغ في المراد من كون وجود هذه الأصنام وعدمها سواء ، ومن كون دعائها مساوياً لترك الدعاء ، ولو مع إنصراف القلب عنها ، ولو كانت وسائل تشفع عند الله وتقرب إليه زلفى كما كان يقول أولو الوثنية الكاسية الحالية ، أو تنفع وتضر بنفسها أو بما أعطاها الله تعالى من التصرف في الكون باستقلالها كما يعتقد أصحاب الوثنية العارية العاطلة - لكان الإعراض عن دعائها ضاراً بهم ، أو مضيعاً بعض المنافع عليهم . وقد يظن من أشرك بعض الأولياء مع الله تعالى هذا النوع من الإشراك أن هذا التوبيخ لا يوجه إليهم ، وأن هذه الحجّة لا تقوم عليهم ، لأن أولئك كانوا يدعون جماداً أو شجراً لا يعقل ، وهم يدعون أولياء وصلحاء ، لأمواتهم حكم الشهداء في الحياة ، وهم يقصدون قبورهم ويعظمونها ، لأن لأرواحهم إتصالاً بها ، وإنّما جاءت هذه التفرقة من جهلهم بأن أكثر هذه الأصنام لم تنصب إلاّ للتذكير بأناس من الأولياء الصالحين كما رواه البخاري عن ابن عباس في أصنام قوم نوح التي انتقلت إلى العرب ، وقد كانت اللات صخرة لرجل يلت عليها السويق ويطعمه الناس . فالأصنام والتماثيل والقبور التي تعظّم تعظيماً دينياً لم يأذن به الله كلّها سواء في كونها وضعت للتذكير بأناس عرفوا بالصلاح ، وكانوا هم المقصودين بالدعاء لما تخيلوا فيه من التأثير في إرادة الله ، أو التصرّف الغيبي في ملك الله ، وهو أفحش الشرك بالله ، على أنّه لا فرق في المسألة بين إشراك الصنم والوثن ، وإشراك الولي أو النبيّ أو الملك فأقرأ الآيات في إتّخاذ الولد لله من الملائكة والمسيح في سورة الأنبياء : [ 21 : 26 - 29 ] .