Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 65-72)
Tafsir: Tafsīr al-Manār
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قصة هود عليه السلام أخرج إسحاق بن بشر وابن عساكر من طريق عطاء عن ابن عباس إنه قال كان هود أول من تكلم بالعربية ، وولد لهود أربعة قحطان ومقحط وقاحط وفالغ فهو أبو مضر ، وقحطان أبو اليمن ، والباقون ليس لهم نسل . وأخرجا من طريق مقاتل عن الضحاك عنه ومن طريق ابن إسحاق عن رجال سماهم ومن طريق الكلبي قالوا جميعاً : إن عاداً كانوا أصحاب أوثان يعبدونها - اتخذوا أصناماً على مثال ود وسواع ويغوث ونسر ، فاتخذوا صنماً يقال له صمود وصنماً يقال له الهتار فبعث الله إليهم هوداً ، وكان هود من قبيلة يقال لها الخلود وكان من أوسطهم نسباً وأصبحهم وجهاً ، وكان في مثل أجسادهم أبيض بادي العنفقة طويل اللحية ، فدعاهم إلى عبادة الله وأمرهم أن يوحدوه وأن يكفوا عن ظلم الناس فأبوا ذلك وكذبوه { وَقَالُواْ مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً } [ فصلت : 15 ] … وكانت منازلهم بالأحقاف ، والأحقاف الرمل فيما بين عمان إلى حضرموت باليمن . وكانوا مع ذلك قد أفسدوا في الأرض كلها وقهروا أهلها بفضل قوتهم التي آتاهم الله اهـ . ملخصاً . وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع بن خثيم قال : كانت عاد ما بين اليمن إلى الشام مثل الذر . وأخرج البخاري في تاريخه ، وابن جرير وابن عساكر عن علي بن أبي طالب قال : قبر هود بحضرموت في كثيب أحمر عند رأسه سمرة اهـ . وسيأتي في السورة المسماة باسمه مزيد بيان لحاله وحال قومه . قوله تعالى : { وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً } معطوف على قوله : { لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَىٰ قَوْمِهِ } [ الأعراف : 59 ] أي وأرسلنا إلى عاد أخاهم في النسب هوداً ، كما يقال في أخوة الجنس كله يا أخا العرب ، وللدين أخوة روحية كأخوة الجنس القومية والوطنية ، والآية دليل على جواز تسمية القريب أو الوطني الكافر أخاً . وحكمة كون رسول القوم منهم أن يفهمهم ويفهم منهم ، حتى إذا ما استعد البشر للجامعة العامة ، أرسل الله خاتم رسله إليهم كافة ، وفرض عليهم توحيد اللغة لتوحيد الدين ، المراد به توحيد البشر وإدخالهم في السلم كافة . { قَالَ يَاقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ } تقدم معناه في قصة نوح آنفاً ولكن الجملة هناك عطفت بالفاء وفصلت هنا وفيما يأتي من سائر القصص . والفرق المقتضي لذلك أن العطف هنالك جاء على أصله وهو كون التبليغ جاء عقب الإرسال لأن التأخير غير جائز . ولما صار هذا معلوماً كان من المناسب فيما بعده من القصص أن يجيء بأسلوب الاستئناف البياني الذي هو الأصل في المراجعات القولية وإن تكررت كما تراه في السور الكثيرة ، فكأن المستمع لهذه القصة مثلاً يسأل وقد علم من أمر قصة نوح ما علم : فماذا كان من أمر هود مع قومه وماذا قال لهم في دعوته ؟ أكان أمره معهم كأمر نوح مع قومه أم اختلف الحال ؟ { أَفَلاَ تَتَّقُونَ } أي أفلا تتقون ما يسخطه من الشرك والمعاصي لتنجوا من عقابه ؟ الاستفهام للإنكار . واستبعاد عدم الإيمان والإذعان ، بعد أن كان من عقابه تعالى لقوم نوح ما كان وفي سورة هود : { أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } [ هود : 51 ] وهو دليل على أنه قال هذا وذاك في وقت واحد أو في وقت بعد وقت ، ومن سنة القرآن في القصص المكررة أن يذكر في كل منها ما لم يذكر في الأخرى لتنويع الفوائد ودفع الملل عن القارئ ، وقد اقتبس ذلك البخاري في أحاديث جامعه الصحيح المكررة فتحرى في كل باب أن ينفرد بفائدة . { قَالَ ٱلْمَلأُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ } وصف الملأ من هؤلاء بالكفر دون ملأ قوم نوح قيل لأنه كان فيهم من آمن ( كمرثد بن سعد ) وكان يكتم إيمانه ، والسفاهة خفة الحلم وسخافة العقل ، وتنكيرها لبيان نوعها أو المبالغة بعظمها ، أي قالوا إنا لنراك في سفاهة غريبة أو تامة راسخة تحيط بك من كل جانب بأنك لم تثبت على دين آبائك وأجدادك بل قمت تدعو إلى دين جديد تحتقر فيه الأولياء الصالحين من قومك الذين اتخذت الأمة لهم الصور والتماثيل لتخليد ذكرهم والتقرب إلى الله تعالى بشفاعتهم ، روي عن ابن عباس وغيره أن عاداً كانوا أصحاب أوثان يعبدونها ، اتخذوا أصناماً على مثال أصنام قوم نوح وسيأتي نص الرواية في ذلك ، فبعث الله إليهم هوداً وكان من قبيلة يقال لها الخلود إلخ ومثل قولهم هذا قال ويقول المنافقون والمشركون لدعاة الإصلاح من أتباع الأنبياء : إنكم سفهاء لا ثبات لكم ، وإنكم حقرتم أولياءكم وآباءكم . { وِإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ ٱلْكَاذِبِينَ } أي في دعوى الرسالة عن الله تعالى أكدوا ظنهم الآثم ، كما أكدوا ما قبله من تسفيههم الباطل ، وهو يتضمن تكذيب كل رسول إذ عبروا عن أصحاب هذه الدعوى بالكاذبين وجعلوه واحداً منهم والظن هنا على معناه فلو قالوا أنهم يعلمون ذلك لكانوا كاذبين على أنفسهم فيما يحكمون من اعتقادهم . وأما حكمهم عليه بالسفاهة فكان على اعتقاد باطل منهم ، ولذلك عبروا عنه بالرؤية التي بمعنى الاعتقاد . { قَالَ يَٰقَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَٰكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ ٱلْعَٰلَمِينَ } أي ليس بي أدنى شيء من ضروب السفاهة وشوائبها ولكني رسول من رب العالمين ، والله أعلم حيث يجعل رسالته وهي أمانة عنه ، فلا يختار لها إلا أهل الحصافة برجحان العقل وسعة الحلم وكمال الصدق ، وإلا لفات ما يقصد بها من الحكمة ولم تقم بها لله الحجة . { أُبَلِّغُكُمْ رِسَٰلٰتِ رَبِّي وَأَنَاْ لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ } بيان لوظيفة الرسول وحاله عليه السلام فيها ، أي أبلغكم التكاليف التي أرسلت بها والحال إنني أنا لكم ناصح فيما أبلغكم إياه وأدعوكم إليه لأن فيه سعادتكم ، أمين على ما أقول فيه : عن الله تعالى فإنني لا أكذب عليكم فكيف أكذب على ربي عز وجل ؟ وهذا أقوى من قول نوح : وأنصح لكم ؛ فإنه يحتج عليهم بأن النصح وصف قائم به ثابت له عندهم ، لما يعهدون من سيرته معهم ، وكذلك الصدق والأمانة ؛ لأنهم رموهم بالكذب والسفاهة ، وقوم نوح إنما رموه بالضلالة . { أَوَ عَجِبْتُمْ أَن جَآءَكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنكُمْ لِيُنذِرَكُمْ } تقدم مثله من قول نوح { وَٱذكُرُوۤاْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَآءَ مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي ٱلْخَلْقِ بَصْطَةً } أي واذكروا فضل الله عليكم ونعمه إذ جعلكم خلفاء الأرض من بعد قوم نوح وزادكم في المخلوقات بسطة وسعة في الملك والحضارة . أو زادكم بسطة في خلق أبدانكم ، إذ كانوا طوال الأجسام أقوياء الأبدان . وفي التفسير المأثور روايات إسرائيلية الأصل في المبالغة في طولهم وقوتهم لا يعتمد عليها ولا يحتج بشيء منها . ولكن نص على قوتهم وجبروتهم في سورة هود والشعراء وفصلت { فَٱذْكُرُوۤاْ ءَالآءَ ٱللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } أي فاذكروا نعم الله واشكروها له لعلكم تفوزون بما أعده للشاكرين من إدامتها عليهم وزيادتها لهم ، ولن تكونوا كذلك إلا إذا عبدتموه وحده ولم تشركوا بعبادته أحداً ، لا على سبيل الاستقلال ولا على سبيل جعله واسطة بينكم وبينه ، فإن هذا حجاب دونه ومن حجب نفسه عما كرمه ربه به من التوجه إليه وحده في الدنيا حجب عن لقائه في الآخرة ، وإنما يحجب عن ربهم الكافرون ، لا المؤمنون الشاكرون . { قَالُوۤاْ أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ ٱللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا } المراد من المجيء الإتيان بالرسالة حسب دعواه الصادقة في نفسها الكاذبة في ظنهم الآثم . على أن العرب تستعمل المجيء والذهاب والقعود والقيام في التعبير عن الشروع في الشيء وبيان حاله - يقال جاء يعلم الناس كيف يحاربون وذهب يقيم قواعد العمران ( ونذر ) بمعنى نترك لم يستعمل من مادته إلا الفعل المضارع . والمعنى : أجئتنا لأجل أن نعبد الله وحده على ما نحن عليه من الآثام ونترك ما كان يعبد آباؤنا معه من الأولياء والشفعاء فنحقرهم ونمتهنهم برميهم بالكفر ونحقر أولياءنا وشفعاءنا عند الله بترك التوجه إليهم عند التوجه إليه وهم الوسيلة وهو المقصود بالدعاء والاستغاثة بهم والتعظيم لصورهم وتماثيلهم وقبورهم والنذر لهم وذبح القرابين عندهم ؟ وهل يقبل الله عبادتنا مع ذنوبنا إلا بهم ولأجلهم ؟ استنكروا التوحيد ، واحتجوا عليه بما أبطله الشرع والعقل من التقليد واستعجلوا الوعيد قالوا : { فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ } أي فجئنا بما تعدنا به من العذاب على ترك الإيمان بك والعمل بمقتضى توحيدك إن كنت من الصادقين في إنذارك أو في أنك رسول من رب العالمين وقد استعمل الوعد بمعنى الوعيد لأنه أعم والمراد به هو ما أشير إليه بقوله هنا : { أَفَلاَ تَتَّقُونَ } وصرح به في سورة الشعراء بقوله { إِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } [ الشعراء : 135 ] . { قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِّن رَّبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ } يطلق الرجس على القبيح المستقذر حساً أو معنى وبمعنى الرجز وهو العذاب أو سيئه ، وقد ذكر الآية الزمخشري في مجاز الأساس وفسر الرجس بالعذاب قال لأنه جزاء ما استعير له اسم الرجس وذكر قبل ذلك في قسم الحقيقة من المادة أن الرجس بالفتح صوت الرعد وأنه يقال : رجست السماء وارتجست : قصفت بالرعد ( قال ) والناس في مرجوسة ، أي في اختلاط قد ارتجس عليهم أمرهم اهـ . ومثلها في هذا مادة الرجز ومنه في { لَهُمْ عَذَابٌ مِّن رِّجْزٍ أَلِيمٌ } [ سبأ : 5 ] وقد كان العذاب الذي نزل بهم ووقع عليهم ريح صرصر أي ذات صوت شديد عاتية كانت { تَنزِعُ ٱلنَّاسَ } [ القمر : 20 ] من الأرض ثم ترميهم بها صرعى { كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ } [ القمر : 20 ] قد قلع من منابته وزال عن أماكنه ، وذلك من معنى الرجس والارتجاس والرجز والارتجاز وقوله : " وقع " مجاز عبر به عن المتوقع لتحققه وقربه ، وعطف الغضب على الرجس لبيان أن الرجس قد أريد به الانتقام الحتم فلا يمكن رفعه ، والعياذ بالله من غضبه ، ما كان منه حتماً عقابه كهذا ، وما كان ممكناً دفعه بالتوبة كعقاب هذه الأمة . اللهم تب على أمتنا وارفع عنها رجس الأجانب الطامعين ، وأعوانهم المنافقين . { أَتُجَٰدِلُونَنِي فِيۤ أَسْمَآءٍ سَمَّيْتُمُوهَآ أَنْتُمْ وَآبَآؤكُمُ مَّا نَزَّلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ } أي أتخاصمونني وتمارونني في أسماء وضعتموها أنتم وآباؤكم الذين قلدتموهم على غير علم ولا هدى منكم ولا منهم ، لمسميات اتخذوها فاتخذتموها آلهة زاعمين أنها تقربكم إلى الله زلفى وتشفع عنده لكم ما أنزل الله من حجة ولا برهان يصدق زعمكم ، بأنه رضي أن تكون واسطة بينه تعالى وبينكم ، وكيف وهو الأحد الصمد الذي يصمد إليه عباده في العبادة وطلب ما لم يمكنهم منه بالأسباب ، أي يتوجهون إليه وحده ، لا يشركون في توجيه قلوبهم إليه أحداً من خلقه { إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ حَنِيفاً وَمَآ أَنَاْ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } [ الأنعام : 79 ] وكل ما يتعلق بعبادته ، لا يجوز أن يؤخذ إلا مما أنزله على رسله ، إذ لا يعلم ما يرضيه ويصح عنده من عبادته غيره إلا المبلغين عنه . والآية دليل على بطلان التقليد { فَٱنْتَظِرُوۤاْ إِنِّي مَعَكُمْ مِّنَ ٱلْمُنْتَظِرِينَ } أي فانتظروا نزول العذاب الذي طلبتموه بقولكم { فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ } إني معكم من المنتظرين ولكنني موقن وأنتم مرتابون ، وجاد وأنتم هازلون . { فَأَنجَيْنَاهُ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا } أي فلما جاء أمرنا أنجينا هوداً والذين معه من المؤمنين برحمة عظيمة من لدنا لا يقدر عليها غيرنا { وَقَطَعْنَا دَابِرَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَمَا كَانُواْ مُؤْمِنِينَ } أي استأصلناهم بريح عاتية { تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأْصْبَحُواْ لاَ يُرَىٰ إِلاَّ مَسَاكِنُهُمْ } [ الأحقاف : 25 ] .