Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 97-100)
Tafsir: Tafsīr al-Manār
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
هذه الآيات الأربع إنذار لأمّة الدعوة المحمديّة عربها وعجمها من عصر النور الأعظم إلى يوم القيامة لتعتبر بما نزل بغيرها . كما ترشد إليه الرابعة منها . وأهل القرى فيها يراد به الجنس أي الأمم ، ويحتمل أن يكون المراد به من ذكر حالهم فيما تقدّم وضع المظهر فيه موضع المضمر ليدل على أن مضمونها ليس خاصاً بأقوام بأعيانهم فيذكر ضميرهم بل هو قواعد عامة في أحوال الأمم ، فيراد بالإسم المظهر العنوان العام لها ، لا آحاد ما ذكر منها ، ولو ذكرها بضميرها أو اسم الإشارة الذي يعينها ، لدل على أن العقاب كان خاصاً بها لا داخلاً في أفراد سنّة عامّة ، وهذا عين ما كان يصرف الأقوام الجاهلة الكافرة عن الإعتبار بعقاب من كان قبلها ، ويحتمل أن يكون المراد به أهل أم القرى عاصمة قوم الرسول الخاتم وعشيرته الأقربين وسائر قرى الأُمم التي بُعث صلى الله عليه وسلم إلى أهلها من حيث إن بعثته عامّة . { أَفَأَمِنَ أَهْلُ ٱلْقُرَىٰ أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَٰتاً وَهُمْ نَآئِمُونَ } الإستفهام للتذكير والتعجيب من أمر ليس من شأنه أن يقع من العاقل والفاء عطف على محذوف تقديره على الوجه الأوّل . أغر أهل تلك القرى ما كانوا فيه من نعمة حين كذبوا الرسل فأمنوا أن يأتيهم بأسنا ؟ إلخ وعلى الثاني أجهل أهل مكّة وغيرها من القرى التي بلغتها الدعوة - ومثلها من ستبلغها - ما نزل بمن قبلهم وغرهم ما هم فيه من نعمة فأمنوا أن يأتيهم عذابنا وقت بياتهم - أو إتيان بيات - وهو الهجوم على العدو ليلا وهو بائت فقوله : " وهم نائمون " حال مبينة لغاية الغفلة وكون الأخذ على غرة كما قال فيمن عذبوا " فأخذتهم بغتة " وليراجع تفسير الآية 3 من هذه السورة { وَكَم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَآءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتاً أَوْ هُمْ قَآئِلُونَ } [ الأعراف : 4 ] . { أَوَ أَمِنَ أَهْلُ ٱلْقُرَىٰ أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ } قرأ نافع وابن كثير وابن عامر ، " أو " بسكون الواو ، والمعنى بحسب أصل اللغة أأمنوا ذلك الأتيان أو هذا ؟ وهو لا يمنع الجمع بين الأمنين - وقرأ الباقون بفتح الواو على أن الهمزة للإنكار والواو للعطف على محذوف كالذي قبله ، وقد أعيد الإستفهام وما يتعلّق به لنكتة وضع المظهر موضع المضمر التي بينّاها آنفاً . والضحى إنبساط الشمس وامتداد النهار " يسمى به الوقت ، أو ضوء الشمس في شاب النهار ، واختاره الأستاذ الإمام . واللعب بفتح اللام وكسر العين ما لا يقصد فاعله بسبب منفعة ولا دفع مضرة بل يفعله لإنس له به أو لذة له فيه كلعب الأطفال ، وما يقصد به العقلاء رياضة الجسم قد يخرج عن حقيقة اللعب ويكون إطلاقه عليه مجارياً بحسب صورته ، وكم من عمل صورته لعب أو هزل ، وحقيقته حكمة وجد ، وكم من عمل هو عكس ذلك كالعمل الفاسد الذي يقصد به ما يظن أنّه نافع وهو ضار ، وما يتوهم أنّه حكمة وهو عبث وخرق ، وقد يكون إطلاق اللعب على أعمال هؤلاء الجاهلين الغافلين من هذا الباب : أي أو أمن أهل القرى أن يأتيهم عذابنا في وقت الضحى وهم منهمكون في أعمالهم التي تعد من قبيل لعب الأطفال لعدم فائدة تترتب عليها مطلقاً أو بالنسبة إلى ما كان يجب تقديمه عليها من سلوك سبيل السلامة من العذاب ؟ فأمّا أهل القرى من الغابرين فالظاهر ما حكاه الله تعالى عنهم أنهم كانوا آمنين إتيان هذا العذاب ليلا ونهاراً فكان إتيانه إياهم فجأة في وقت لا يتسع لتلافيه وتداركه فالإستفهام لا يظهر في شأنهم إلاّ بتأول لا يحتاج إلى مثله في أهل القرى الحاضرين ، ومن سيكون في حكمهم من الآتين ، والمراد أنّه لم يكن لهم أن يأمنوا لو كانوا يعلمون ، فإن وجود النعم ليس دليلاً على دوامها ، فكم من نعمة زالت بكفر أهلها ، وهذا ما كان يجهله الذين قالوا قد مسّ آباءنا الضراء والسراء ، فرأوا صورة الواقع وجهلوا أسبابه . وأما الحاضرون فلا يعذرون بالجهل ، بعد أن بين لهم القرآن كنه الأمر ، وسنن الله في الخلق ، ولكن أدعياء القرآن ، قد صاروا أجهل البشر بما جاء به القرآن ، ويدعي بعضهم أن سبب جهلهم الإنتماء إلى دين القرآن ؟ ! ! ! { أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ ٱللَّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلْخَاسِرُونَ } قال الراغب المكر صرف الغير عما تقصده بحيلة . وقسمه إلى محمود ومذموم . وأصحّ منه وأدقّ قولنا في تفسير : { وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ ٱللَّهُ وَٱللَّهُ خَيْرُ ٱلْمَاكِرِينَ } [ آل عمران : 54 ] : المكر في الأصل التدبير الخفي المفضي بالممكور به إلى ما لا يحتسب . وقفّينا على هذا التعريف ببيان السيء والحسن من المكر ولون الأكثر فيه أن يكون سيئاً كالشأن في غيره من الأمور التي يتحرى إخفاؤها ، وفيه أن مكر الله تعالى وهو تدبيره الذي يخفى على الناس إنّما يكون بإقامة سننه وإتمام حكمه ، وكلّها خير في أنفسها وإن قصر كثير من الناس في الإستفادة منها بجهلهم وسوء إختيارهم ، اهـ والمراد بالجهل ما يتعلّق بصفات الله تعالى وسننه اغتراراً بالظواهر ، كأن يغتر القوي بقوته ، والغني بثروته ، والعالم بعلمه والعابد بعبادته ، فيخطيء تقديره ما قدره الله تعالى فيظن أن ما عنده يبقى ، وما يترتب عليه من الآثار في ظنه لا يتخلّف ، كما أخطأ الألمان في تقدير قوتهم وقوّة من يقاتلهم من الدول فلم يحسبوا أن تكون دولة الولايات المتحدة منهم . والمعنى أكان سبب أمنهم إتيان بأسنا بياتاً أو ضحى وهم غافلون أنهم أمنوا مكر الله بهم بإتيانهم من حيث لم يحتسبوا ولم يقدروا ؟ ؟ إن كان الأمر كذلك فقد خسروا أنفسهم فإنه لا يأمن مكر الله إلاّ القوم الخاسرون . وقد سبق الكلام في خسران النفس في غير هذا الموضع . وإذا كان أمن العالم المدبر والصالح المتعبد من مكر الله تعالى جهلاً يورث الخسر ، فكيف حال من يأمن مكر الله وهو مسترسل في معاصيه إتكالاً على عفوه ومغفرته ورحمته ؟ قال تعالى : { وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ ٱلَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِّنَ ٱلُخَاسِرِينَ } [ فصلت : 23 ] فأعلم الناس بالله وأعبدهم له وأقربهم إليه هم أبعد خلقه عن الأمن من مكره ، إذ لا يصحّ أن يأمن منه إلاّ من أحاط بعلمه ومشيئته ، وليس هذا الملك مقرب ولا لنبي مرسل ، { يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً } [ طه : 110 ] ألم ترى إلى الرسل الكرام كيف كانوا يستثنون مشيئته حتى فما عصمهم منه ؟ كقول شعيب الذي حكاه الله عنه قبيل هذه الآيات : { قَدِ ٱفْتَرَيْنَا عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا ٱللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَآ أَن نَّعُودَ فِيهَآ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً عَلَى ٱللَّهِ تَوَكَّلْنَا } [ الأعراف : 89 ] وقد كان أصلح البشر وخاتم الرسل صلى الله عليه وسلم يكثر من الدعاء بقوله " يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلبي على دينك " كما ثبت في الصحاح وقد ذكر تعالى أن الراسخين في العلم يدعونه بقوله : { رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ ٱلْوَهَّابُ } [ آل عمران : 8 ] وقال { إِنَّمَا يَخْشَى ٱللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ ٱلْعُلَمَاءُ } [ فاطر : 28 ] ويقابل الأمن من مكر الله ضدّه وهو اليأس من رحمة الله . فكل منهما مفسدة تتبعها مفاسد كثيرة . { أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ ٱلأَرْضَ مِن بَعْدِ أَهْلِهَآ أَن لَّوْ نَشَآءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ } يقال هداه السبيل أو الشيء وهداه له وهداه إليه - إذا دله عليه وبينه له ، وأهل الغور من العرب كانوا يقولون هدى له الشيء بمعنى بينه له نقله في ( لسان العرب ) وذكر أنّه قد فسّر به ما في الآية وأمثالها . وهذا التعبير ورد في سياق النفي والإستفهام . ومثله في سورة طه { أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّنَ ٱلْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لأُوْلِي ٱلنُّهَىٰ } [ طه : 128 ] وفي سورة ( ألم السجدة ) { أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِمْ مِّنَ ٱلْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ أَفَلاَ يَسْمَعُونَ } [ السجدة : 26 ] والسياق الذي وردت فيه آية الأعراف التي نفسرها مثل السياق الذي وردت فيه آيتا طه والسجدة والإستفهام هنا داخل على فعل محذوف عطف عليه ما بعده كما سبق في نظائره وللتقدير وجوه : كلّها تفيد العبرة فهو ممّا تذهب النفس فيه مذاهب من أقربها أن يقال : أكان مجهولاً ما ذكر آنفاً عن أهل القرى . وسنة الله تعالى فيهم ولم يبين للذين يرثون الأرض من بعد أهلها قرناً بعد قرن وجيلاً في أثر جيل - أو لم يتبيّن لهم به - إن شأننا فيهم كشأننا فيمن سبقهم وهو أنهم خاضعون لمشيئتنا فلو نشاء أن نصيبهم ونعذبهم بسبب ذنوبهم أصبناهم كما أصبنا أمثالهم من قبلهم بمثلها . وقوله تعالى : { وَنَطْبَعُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ } معطوف على " أصبناهم " لأنّه بمعنى نصيبهم إذ الكلام في الذين يرثون الأرض في العصر الحالي أو المستقبل على الإطلاق وليس في قوم معينين طبع الله على قلوبهم بالفعل كما ظن الزمخشري وغيره فمنعوا هذا العطف وقالوا المعنى : ونحن نطبع على قلوبهم . والمراد أنّه ينبغي لمن يستخلفهم الله في الأرض ، ويرثون ما كان لمن قبلهم من الملك والملك ، أن يتقوا الله ولا يكونوا من المفسدين الظالمين ، ولا من المترفين الفاسقين ، وأن يعلموا أن من المحتم عقاب الأمم على السيئات ، وقد خلت من قبلهم المثلات ، فلم يكن ما حل بمن قبلهم من المصادفات ، بل هو من السنن المطردة بالمشيئة والإختيار ، فلا هوادة فيه ولا ظلم ولا محاباة . والناس في ذلك فريقان : فريق يُصاب بذنبه ، فيتّعظ ويتوب إلى ربّه ، وفريق يصبر عليه حتى يطبع على قلبه ، وهو مستعار من طبع السكة ونقشها بصورة أو كتابة لا تقبل غيرها أو من الطبع الذي بمعنى الختم كقوله تعالى : { خَتَمَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهمْ } [ البقرة : 7 ] والطابع والخاتم ( بفتح الباء والتاء ) واحد . وقيل إنّه مأخوذ من الطبع ( بالتحريك ) وهو الصدأ الشديد يعرض للسيف ونحوه فيفسده . يُقال طبع الطبّاع السيف والدرهم - أي ضربه ، وطبع الكتاب وعلى الكتاب وختمه إذا ضرب عليه الطابع والخاتم بعد إتمامه ووضعه في ظرفه حتى لا يدخل فيه شيء آخر . ومنه الطبع والطبيعة وهي الصفة الثابتة للشيء أو الشخص ، فالسجية نقش النفس بصورة ثابتة لا تتغير لأن ما يتغير لا يسمى طبيعة . ومنه طبع الكتب في الآلة المعروفة بالمطبعة سمي بذلك لأنّه لا يقبل المحو والتغيير كالخط ، على أن الناس قد صنعوا أحباراً لا تُمحى أيضاً . ولا يستعمل الطبع على القلوب إلاّ في الشر والمراد به أنها وصلت من الفساد إلى حالة لا تقبل معها خيراً كالهدى والإيمان والعلم النافع الذي هو فقه الأمور ولبابها ، وإنّما يحصل بالإصرار على الشرور والمعاصي استحلالاً واستحساناً لها ، حتى لا يعود في النفس موضع لغيرها ، قال تعالى في اليهود : { فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بَآيَاتِ ٱللَّهِ وَقَتْلِهِمُ ٱلأَنْبِيَآءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً } [ النساء : 155 ] أي إلاّ قليلاً منهم وهم الذين لم يطبع على قلوبهم . وقال تعالى في المنافقين : { وَطُبِعَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ } [ التوبة : 87 ] ومثله في سورتهم . وقال هنا : { فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ } أي فهم بهذا الطبع لا يسمعون الحكم والنصائح سماع تفقه وتدبر واتعاظ ، { وَمَا تُغْنِي ٱلآيَاتُ وَٱلنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ } [ يونس : 101 ] ما يراد منها ، لأن قلوبهم قد ملئت بما يشغلهم عنها ، من آراء وأفكار وشهوات ملكت عليها أمرها ، حتى صرفتهم عن غيرها ، فجعلتهم من { بِٱلأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * ٱلَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً } [ الكهف : 103 - 104 ] . قد كان ينبغي للمسلمين وهذا كتابهم من عند الله عزَّ وجلّ أن يتقوه تعالى بإتقاء كلّ ما قصّه عليهم من ذنوب الأمم التي هلك بها من قبلهم وزال ملكهم ، ودالت بسببها الدولة لأعدائهم ، إذ بيّن لهم أن ذنوب الأمم لا تغفر كذنوب بعض الأفراد وسنته فيها لا تتبدل ولا تتحول ، ولكنّهم قصروا أوّلاً في تفسير أمثال هذه الآيات المبينة لهذه الحقائق ، ثمّ في وعظ الأُمّة بها . وإنذارهم عاقبة الإعراض عنها ، وترك الاتعاظ بتدبرها ، ومن يقرأ شيئاً من تفسيرها فإنما يعنى بإعرابها ، والبحث في ألفاظها ، أو جدل المذاهب فيها ، ثمّ أنهم يجعلون معانيها خاصة بالكافرين ، ويفسّرون الكافرين بمن لا يسمّون أنفسهم مسلمين ، وطالما أنكر علينا بعض أدعياء العلم والدين ، أننا جعلنا الآيات التي نزلت في الكفار ، شاملّة لأهل الإسلام والإيمان مأفوكين عن تدبرها المراد منها جاهلين للسنن العامة فيها . وكذلك كان يقول أهل الكتاب من قبلهم ، فظنوا كما ظنوا إن الله تعالى يحابي الأقوام لأجل رسلهم ، وأنّه يعطيهم سعادة الدنيا والآخرة بجاههم لا بأتباعهم ، وقد راجت هذه العقائد الفاسدة في المسلمين ، وكانت تجارة للشيوخ المقلّدين الجامدين ، والدجالين الضالين المضلين ( فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين بل كانوا فتنة للكافرين وحجّة على الدين ، كما بيّناه من قبل وفي هذا السياق آنفاً { أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ ٱلْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَآ } [ محمد : 24 ] . أفلا يعتبرون بقول رسولهم صلى الله عليه وسلم : " شيبتني هود وأخواتها " { أَفَلَمْ يَدَّبَّرُواْ ٱلْقَوْلَ أَمْ جَآءَهُمْ مَّا لَمْ يَأْتِ آبَآءَهُمُ ٱلأَوَّلِينَ * أَمْ لَمْ يَعْرِفُواْ رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ } [ المؤمنون : 68 - 69 ] .