Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 106-106)

Tafsir: Tafsīr al-Manār

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

هذه الآية عطف على قوله تعالى : { وَآخَرُونَ ٱعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً } [ التوبة : 102 ] وهؤلاء هم القسم الأخير من المتخلفين عن غزوة تبوك ، فقد علم مما تقدم أن المتخلفين منهم المنافقون وهم أكثرهم ، وقد تقدم بيان أقسامهم ومن اعتذر ومن لم يعتذر منهم ، ومنهم المؤمنون وهم قسمان : أحدهما : الذين اعترفوا بذنوبهم وتابوا وزكوا توبتهم بالصدقة ، وطلب دعاء الرسول واستغفاره فتاب الله عليهم . و ثانيهما : الذين حاروا في أمرهم ولم يعتذروا للرسول صلى الله عليه وسلم لأنهم لا عذر لهم ، وأرجأوا توبتهم فأرجأ الله الحكم القطعي في أمرهم للحكمة التي يأتي بيانها قريباً . قال ابن عباس ومجاهد وعكرمة والضحاك وغيرهم : وهم الثلاثة الذين خلفوا أي عن التوبة ، وهم مرارة بن الربيع ، وكعب بن مالك ، وهلال بن أمية ، قعدوا عن غزوة تبوك في جملة من قعد كسلاً وميلاً إلى الدعة والحظ وطيب الثمار والظلال لا شكاً ونفاقاً ، فكانت طائفة ربطوا أنفسهم بالسواري كما فعل أبو لبابة وأصحابه ، وطائفة لم يفعلوا ذلك وهم هؤلاء الثلاثة المذكورون ، فنزلت توبة أولئك قبل توبة هؤلاء ، وأرجيء هؤلاء عن التوبة حتى نزلت آيتا التوبة الآيتين ( 117و118 ) . { وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لأَمْرِ ٱللَّهِ } أي وثم أناس آخرون من المتخلفين مؤخرون لحكم الله في أمرهم ، أو لأمره لرسوله بما يعاملهم به . قرأ نافع وحمزة والكسائي وحفص عن عاصم ( مرجون ) بحذف الهمزة للتخفيف ، والآخرون ( مرجؤن ) بالهمزة على الأصل ، فهو اسم مفعول من أرجأه إذا أخره ، وقيل هما لغتان . رجاه يرجوه وأرجأه يرجئه . وروي أن هذا الإرجاء كان 50 يوماً . { إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ } أي أبهم الأمر عليهم وعلى الناس ، لا يدرون ما ينزل فيهم ، هل تنصح توبتهم فيتوب الله عليهم كما تاب على الذين اعترفوا بذنوبهم ، أم يحكم بعذابهم في الدنيا والآخرة كما حكم على الخالفين من المنافقين ؟ فالترديد بين الأمرين هو بالنسبة إلى الناس لا إلى الله عز وجل ، وحكمة إبهام أمر هؤلاء عليهم إثارة الهم والخوف في قلوبهم لتصح توبتهم ، وحكمة إبهامه على الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين تركهم مكالمتهم ومخالطتهم ، تربية للفريقين على ما يجب في أمثالهم من الذين يؤثرون الراحة ونعمة العيش ، على طاعة الله ورسوله والجهاد في سبيله لإعلاء كلمة الحق والعدل ، ودفع عدوان الكفار عن المؤمنين ، حتى كان من أمرهم ما بينه في الآية 118 . { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } عليم بحال عباده وما يربيهم ويزكيهم ويصلح حال أفرادهم ومجموعهم ، حكيم فيما يشرعه لهم من الأحكام المفيدة لهذا الصلاح ما عملوا بها . ومن آثار علمه وحكمته إرجاء النص على توبتهم في كتابه ، ومن هذه الحكمة تكرار تأثير تلاوة المؤمنين للآيات في ذلك في الأوقات المتفرقة ، فإنها من أعظم آيات القرآن ترهيباً وتخويفاً ، وعظة وتهذيباً .