Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 123-123)
Tafsir: Tafsīr al-Manār
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اعلم أن هذه الآية قاعدة من قواعد القتال الذي نزلت أهم قواعده وأحكامه في هذه السورة والتي قبلها ، وإنما وضعت هاهنا على سنة القرآن في تفريق الموضوع الواحد الكثير الأحكام في مواضع متفرقة ، وبينا حكمته آنفاً عوداً على بدء . { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ قَاتِلُواْ ٱلَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِّنَ ٱلْكُفَّارِ } أي الذين يدنون منكم وتتصل بلادهم ببلادكم ، وذلك أن القتال شرع لتأمين الدعوة إلى الإسلام وحرية الدين والدفاع عن أهله ، وقد كانت الدعوة موجهة إلى الأقرب فالأقرب من الكفار كما قال تعالى لرسوله : { لِّتُنذِرَ أُمَّ ٱلْقُرَىٰ وَمَنْ حَوْلَهَا } [ الشورى : 7 ] وقال لأهل مكة { وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ لأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَن بَلَغَ } [ الأنعام : 19 ] أي وكل من بلغته دعوته . بل أمره أن يخص الأقرب إليه في النسب من أهل بلده أم القرى فقال : { وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ ٱلأَقْرَبِينَ } [ الشعراء : 214 ] . أخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد في الآية قال : كان الذين يلونه من الكفار العرب فقاتلهم حتى فرغ منهم - وعن قتادة قال : الأدنى فالأدنى - وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر أنه سئل عن غزو الديلم فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { قَاتِلُواْ ٱلَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِّنَ ٱلْكُفَّارِ } قال : " الروم " ا هـ . يعني أن الروم هم المراد بالكفار في الآية لأنهم كانوا عند نزولها في هذه السورة بعد الفراغ من أمر يهود المدينة وخيبر هم الذين يلونهم في تبوك وسائر بلاد الشام . وترجيح البدء بالأقرب فالأقرب معقول من وجوه كثيرة كالحاجة والإمكان والسهولة والنفقة ، ولذلك كانت القاعدة فيه عامة في الدعوة والقتال والنفقات والصدقات ، وكذا ما يدار في المجلس من شراب ونحوه فكان صلى الله عليه وسلم يعطي من على يمينه وإن لم يكن أفضل الجالسين ثم الذي يليه فالذي يليه . وأمر بأن يأكل الإنسان مما يليه . وإنما تطرد القاعدة في الحالة العادية . وأما ما يعرض من ضرورة في كل ذلك فله حكمه فأحكام الضرورات مستثناة في الواجبات والمحرمات والآداب . { وَلْيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً } أي وليجدوا فيكم شدة وخشونة في القتال ومتعلقاته كما تقدم في تفسير آية { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ جَاهِدِ ٱلْكُفَّارَ وَٱلْمُنَافِقِينَ وَٱغْلُظْ عَلَيْهِمْ } [ التوبة : 73 ] ( ج 10 ) والغلظة على المقاتلين في زمن الحرب من مقتضيات الطبيعة والمصلحة ، وتنكيرها في الآية يدل على أن لأولي الأمر أن يحددوها في كل زمن وكل حال بما يتفق مع المصلحة ، وإنما أمروا بها على كونها طبيعية لتقييد ما أمروا به في الأحوال العامة من الرفق والعدل والبر في معاملة الكفار حتى صار ذلك من أخلاق الإسلام ، وأمر القتال مبني على الشدة والغلظة في كل الأمم ، وقد حرم فظائعها الإسلام كما تقدم في تفسير سورة الأنفال ، وقد بلغت فظائعها عند الإفرنج في هذا العصر ما يخشى أن يفضي إلى تدمير العمران كله . { وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلْمُتَّقِينَ } له في مراعاة أحكامه وسننه بالمعونة والنصر ، وأهمها ما يجب اتقاؤه في الحرب ، من التقصير في أسباب النصر والغلب التي بينها في كتابه ، والتي تعرف بالعلم والتجارب ، كإعداد ما يستطاع من قوة ، والصبر والثبات ، والطاعة والنظام ، وترك التنازع والاختلاف ، وكثرة ذكر الله ، والتوكل عليه فيما وراء الأسباب ، وقد بينا حقيقة معنى التقوى وأنواعها واختلاف المراد منها باختلاف مواضعها في تفسير ( 8 : 29 ج 9 ) .