Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 10, Ayat: 20-24)
Tafsir: Baḥr al-ʿulūm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وَيَقُولُونَ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ ءايَةٌ مّن رَّبّهِ } وذلك حين قال عبد الله بن أمية : { لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ ٱلأَرْضِ يَنْبُوعًا } [ الإسراء : 90 ] وسألته قريش أن يأتيهم بآية فقال الله تعالى لمحمد - صلى الله عليه وسلم - { فَقُلْ إِنَّمَا ٱلْغَيْبُ للَّهِ } نزول الآية من عند الله تعالى { فَٱنتَظِرُواْ } نزولها { إِنّى مَعَكُم مّنَ ٱلْمُنتَظِرِينَ } لنزولها . ويقال فانتظروا بي الموت إني معكم من المنتظرين لهلاككم . قوله تعالى : { وَإِذَا أَذَقْنَا ٱلنَّاسَ } يعني : أصبنا الناس { رَحْمَةً } يعني المطر . ويقال العافية { مّن بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ } من بعد القحط ومن بعد الشدة والبلاء { إِذَا لَهُمْ مَّكْرٌ فِيۤ آيَاتِنَا } يعني تكذيباً بالقرآن . ويقال تكذيباً بنعمة الله تعالى ويقولون سقينا بنوء كذا ولا يقولون هذا من رزق الله تعالى . وقال القتبي إذا لهم مكر في آياتنا يعني قولهم بالطعن والحيلة ليجعلوا لتلك الرحمة سبباً آخر { قُلِ ٱللَّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا } يعني : أشد عذاباً وأشد أخذاً { إِنَّ رُسُلَنَا } الحفظة { يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ } يعني [ الحفظة يكتبون ] ما تقولون من التكذيب قوله تعالى : { هُوَ ٱلَّذِى يُسَيّرُكُمْ فِى ٱلْبَرّ وَٱلْبَحْرِ } يعني يحملكم في البر على الدواب وفي البحر في السفن . ويقال هو الذي يحفظكم إذا سافرتم في برٍ أو بحر . قرأ ابن عامر يَنْشُرُكُمْ بالنون والشين من النشر يعني يبثكم . والقراءة المعروفة يُسَيِّرُكُمْ من التسيير . يعني يسهل لكم السير { حَتَّىٰ إِذَا كُنتُمْ فِى ٱلْفُلْكِ } يعني : في السفن { وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ } يقال للسفينة الواحدة جَرَتْ وللجماعة جَرَيْنَ . واسم الفلك يقع على الواحد وعلى الجماعة ، ويكون مذكراً إذا أريد به الواحد ومؤنثاً إذا أريد به الجماعة كقوله { فِى ٱلْفُلْكِ ٱلْمَشْحُونِ } [ يس : 41 ] وقال { وَٱلْفُلْكِ ٱلَّتِى تَجْرِى فِى ٱلْبَحْرِ } [ البقرة : 164 ] ذكرا بلفظ التأنيث مرة ، وبلفظ التذكير مرة ، وفيه الدليل أن الكلام يكون بعضه على وجه المخاطبة وبعضه على وجه المغايبة ، كما قال ها هنا { حَتَّىٰ إِذَا كُنتُمْ فِى ٱلْفُلْكِ } بلفظ المخاطبة ثم قال { وَجَرَيْنَ بِهِم } بلفظ المغايبة " بِرِيحٍ " { طَيّبَةٍ } يعني لينة ( ساكنة [ وَفَرِحُواْ بِهَا ] ) بالريح الطيبة { جَاءتْهَا } يعني : السفينة { رِيحٌ عَاصِفٌ } يعني : شديدة { وَجَاءهُمُ ٱلْمَوْجُ مِن كُلّ مَكَانٍ } يعني : من كل النواحي { وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ } يعني : علموا وأيقنوا أنه قد دنا هلاكهم ، وقال القتبي وأصل هذا أن العدو إذا أحاط بالقرية يقال دنا القوم من الهلكة قال الله تعالى { وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ } وأُحِيطَ بثمره ، فصار ذلك كناية عن الهلاك { دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدّينَ } يعني أخلصوا لله تعالى يعني : الدعاء وقالوا { لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَـٰذِهِ } يعني من هذه الريح العاصف ، ويقال من هذه الأهوال { لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّـٰكِرِينَ } يعني : الموحدين المطيعين { فَلَمَّا أَنجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ } يعني : يعصون { فِى ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ } يعني الدعاء إلى غير عبادة الله تعالى والعمل بالمعاصي والفساد قوله تعالى : { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ } يعني إثم معصيتكم عليكم وهذا كقوله { مَّنْ عَمِلَ صَـٰلِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَآءَ فَعَلَيْهَا } [ فصلت : 46 ] ويقال مظالمكم فيما بينكم يعني : على أنفسكم أي جنايتكم عليكم . وهذا كما يقال في المثل ( لمحسن سيجزى بإحسانه والمسيء يكفيه مساويه ) يعني وباله يرجع إليه ثم قال { مَّتَاعَ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا } يعني : تمتعون فيها أيام حياتكم { ثُمَّ إِلَينَا مَرْجِعُكُمْ } ويقال عبثكم في الدنيا قليل ، ويقال عمر الدنيا في حياة الآخرة قليل ثم إلينا مرجعكم أي بعد الموت في الآخرة { فَنُنَبّئُكُمْ } يعني : نخبركم { بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } قرأ عاصم في رواية حفص " مَتَاعَ " بالنصب ويكون نصباً على المصدر . ومعناه تمتعون متاع الحياة الدنيا . وقرأ الباقون " مَتَاعُ بالضم ومعناه هو متاع الحياة ، ثم ضرب للحياة الدنيا مثلاً فقال { إِنَّمَا مَثَلُ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا } يعني : في فنائها وبقائها { كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ ٱلسَّمَاء } يعني المطر { فَٱخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ ٱلأَرْضِ } يعني يدخل الماء في الأرض فينبت به النبات فاتصل كل واحد بالآخر فاختلط { مِمَّا يَأْكُلُ ٱلنَّاسُ وَٱلأنْعَـٰمُ } يعني مما يأكل الناس من الحبوب والثمار ومما تأكل الأنعام والدواب من العشب والكلأ { حَتَّىٰ إِذَا أَخَذَتِ ٱلأرْضُ زُخْرُفَهَا } يعني زينتها { وَٱزَّيَّنَتْ } يعني حسنت بألوان النبات . وأصله تزينت فحذفت التاء وأقيم التشديد مقامها . وهذا كقوله { أَدَّارَكَ } [ النمل : 66 ] وأصله تدارك { وَظَنَّ أَهْلُهَا } يعني : وحسب أهل الزرع { أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا } يعني على غلاتها وأنها ستتم لهم الآن { أَتَاهَا أَمْرُنَا } يعني : عذابنا { لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً } قال أبو عبيدة . الحصيد المستأصل . ويقال الحصيد كحصيد السيف { كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِٱلأمْسِ } يعني صار كأن لم يكن بالأمس فكذلك الدنيا والإنسان يجمع المال ويشتري الضياع ويبني البنيان فيظن أنه قد نال مقصده فيأتيه الموت فيصير كأنه لم يكن ، أو رجل ولد له مولود فإذا بلغ فظن أنه قد نال مقصوده فيموت ويصير كأنه لم يكن { كَذٰلِكَ نُفَصّلُ ٱلآيَـٰتِ } يعني نبين [ علامات ] غرور الدنيا وزوالها لكيلا يغتروا ، ونبين بقاء الآخرة ليطلبوها { لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } بأمثال القرآن ويعتبرون بها