Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 127-129)

Tafsir: Baḥr al-ʿulūm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرٰهِيمُ ٱلْقَوَاعِدَ مِنَ ٱلْبَيْتِ } يعني يبني إبراهيم القواعد ، يعني أساس البيت ، أي الكعبة . والقواعد جماعة واحدها قاعدة { وَإِسْمَـٰعِيلُ } يعني إِسماعيل يعينه . قال مقاتل : وفي الآية تقديم وتأخير ، معناه وإذ يرفع إبراهيم وإسماعيل القواعد من البيت . ويقال : إن إبراهيم كان يبني البيت وإسماعيل يعينه ، والملائكة يناولون الحجر من إسماعيل ، وكانوا ينقلون الحجر من خمسة أجبل : طور سيناء وطور زيتاء ، والجودي ، ولبنان ، وحراء . فلما فرغا من البناء ، قالا { رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا } يعني أعمالنا { إِنَّكَ أَنتَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } أي السميع لدعائنا بنياتنا . وفي الآية دليل : أن الإنسان إذا عمل خيراً ينبغي أن يدعو الله بالقبول ويقال : ينبغي أن يكون خوف الإنسان على قبول العمل بعد الفراغ أشد من شغله بالعمل لأن الله تعالى قال { إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلْمُتَّقِينَ } [ المائدة : 27 ] . وروي في الخبر أن إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام لما فرغا من البناء جثيا على الركب وتضرعا وسألا القبول فقال جبريل لإبراهيم : قد أجيب لك ، فاسأل شيئاً آخر فقالا { رَبَّنَا وَٱجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ } أي مخلصين لك . ويقال : واجعلنا مثبتين على الإسلام ويقال مطيعين لك ويقال أمتنا على الإسلام { وَمِن ذُرّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ } أي اجعل بعض ذريتنا من يخلص لك ، ويثبت على الإسلام ثم قال { وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا } أي علمنا أمور مناسكنا . وقال القتبي : الرؤية المعاينة كقوله عز وجل : { وَيَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ تَرَى ٱلَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى ٱللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ } [ الزمر : 60 ] ، وقوله : { وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ } [ الإنسان : 20 ] . ويقال تذكر الرؤية ويراد بها العلم . كقوله تعالى : { أَوَلَمْ يَرَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ } [ الأنبياء : 30 ] وكقوله { أَرِنَا مَنَاسِكَنَا } : أي [ عملنا ] . وكقوله { لِتَحْكُمَ بَيْنَ ٱلنَّاسِ بِمَا أَرَاكَ ٱللَّهُ } . قرأ ابن كثير ومن تابعه من أهل مكة ( وأرنا ) بجزم الراء في جميع القرآن ، والباقون بكسر الراء ، وهما لغتان والكسر أظهر وأفصح . وقال ابن عباس في رواية أبي صالح { رَبَّنَا وَٱجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ } أي مطيعين وموحدين { وَمِن ذُرّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ } أي جماعة موحدة مطيعة لك . ويقال : أشكل عليهما موضع البيت ، فبعث الله تعالى سحابة فقالت له : ابن بخيالي ، فبنى إبراهيم وإسماعيل البيت بحيال السحابة . ثم قال تعالى { وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا } { وَتُبْ عَلَيْنَا } أي تجاوز عنا الزلة { إِنَّكَ أَنتَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ } بعبادك . { رَبَّنَا وَٱبْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مّنْهُمْ } { يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَـٰتِكَ } قال مقاتل : لأن إبراهيم علم أن في ذريته من يكون كفاراً ، فسأل الله تعالى أن يبعث فيهم رسولاً فقال { رَبَّنَا وَٱبْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مّنْهُمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَـٰتِكَ } [ يعني القرآن ] { وَيُعَلّمُهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ } أي القرآن { وَٱلْحِكْــمَةَ } أي مواعظ القرآن من الحلال والحرام . ويقال : علم التفسير . { وَيُزَكّيهِمْ } أي يطهرهم من الكفر والشرك . ويقال : يأمرهم بالزكاة ليطهر أموالهم . قال مقاتل : استجاب الله دعاءه في سورة الجمعة . وهو قوله تعالى : { هُوَ ٱلَّذِي بَعَثَ فِي ٱلأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ ءَايَـٰتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ } [ الجمعة : 2 ] وروي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " أنا دعوة أبي إبراهيم وبشرى عيسى - عليهما السلام - " وهي قوله : { وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي ٱسْمُهُ أَحْمَدُ } [ الصف : 6 ] ثم قال تعالى : { إِنَّكَ أَنتَ ٱلعَزِيزُ ٱلحَكِيمُ } أي المنيع الذي لا يغلبه شيء ويقال : العزيز الذي لا يعجزه شيء عما أراد . ويقال : العزيز بالنقمة ، ينتقم ممن عصاه متى شاء ، الحكيم في أمره الذي يكون عمله موافقاً للعلم .