Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 84-86)

Tafsir: Baḥr al-ʿulūm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ثم قال عز وجل { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَـٰقَكُمْ } أي إقراركم { لاَ تَسْفِكُونَ دِمَآءكُمْ } أي بأن لا تسفكوا دماءكم يعني لا يهرق بعضكم دماء بعض . { وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُم } أي لا يخرج بعضكم بعضاً { مِّن دِيَـٰرِكُمْ } فجملة ما أخذ عليهم من الميثاق أَلا يعبدوا إلا الله وبالوالدين إحساناً وذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ويقولوا للناس حسناً ، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة [ ولا يسفكوا دماءهم ] ولا [ يخرج بعضهم بعضاً ] من ديارهم وأن يفادوا أسراهم . فذكر المفاداة بعد هذا حيث قال تعالى : { وَإِن يَأْتُوكُمْ أُسَـٰرَىٰ تُفَـٰدُوهُمْ } على وجه التقديم والتأخير { ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ } يعني بني قريظة والنضير يعني أقررتم بهذا كله ، وأنتم تشهدون : أن هذا في التوارة فنقضوا العهد فعيرهم الله تعالى بذلك حيث قال تعالى : { ثُمَّ أَنتُمْ هَـٰؤُلاَءِ تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ } يعني يا هؤلاء ويقال معناه ثم أنتم هؤلاء يا معشر اليهود تقتلون أنفسكم أي يقتل بعضكم بعضاً { وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مّنكُم مّن دِيَـٰرِهِمْ } أي بعضكم بعضاً ، لأنه كان بين الأوس والخزرج عداوة وكان بنو النضير وقريظة : إحدى القبيلتين كانت معينة للأوس ، والأخرى كانت معينة للخزرج ، فإذا غلبت إحداهما على الأخرى كانت تقتلهم وتخرجهم من ديارهم . وفي الآية دليل أن الإخراج من الدار ينزل منزلة القتل لأن الله تعالى قرن الإخراج من الديار بالقتل حيث قال تعالى { تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مّنكُم مّن دِيَـٰرِهِمْ } { تَظَـٰهَرُونَ علَيْهِم } قرأ أهل الكوفة وحمزة والكسائي بالتخفيف ، وقرأ الباقون : بالتشديد لأن أصله تتظاهرون ، فأدغم إحدى التاءين في الظاء وأقيم التشديد مقامه معناه : تتعاونون عليهم { بِٱلإِثْمِ وَالْعُدْوٰنِ } يعني بالمعصية والظلم . قال الزجاج : العدوان هو الإفراط في الظلم . { وَإِن يَأْتُوكُمْ أُسَـٰرَىٰ تُفَـٰدُوهُمْ } قرأ عاصم والكسائي ونافع ( أسارى تفادوهم ) كلاهما بالألف ، [ وقرأ حمزة ( أسرى تفدوهم ) بغير ألف فيهما وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر ( أسارى تفادوهم ) الأول بالألف ] والثاني بغير ألف . وهذا من الميثاق الذي أخذ عليهم بأن يفادوا الأسارى { وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ } هذا انصرف إلى ما سبق ذكره من الإخراج ، فكأنه يقول : وتخرجون فريقاً منكم من ديارهم وهو محرم عليكم إخراجهم . [ يعني ذلك الإخراج كان محرماً ، ثم بين الإخراج مرة أخرى لتراخي الكلام فقال وهو محرم عليكم إخراجهم . ثم قال ] { أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ ٱلْكِتَـٰبِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ } لأنهم كانوا إذا أسروا من غيرهم قتلوا الأسرى ولا يفادوهم ، وإن أسر منهم أحد يأخذوهم بالفداء فهذا معنى قوله - تعالى - { أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ ٱلْكِتَـٰبِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ } { فَمَا جَزَاءُ مَن يَفْعَلُ ذٰلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْىٌ فِي ٱلْحَيَـٰوةِ ٱلدُّنْيَا } أي عقوبة من يفعل ذلك منكم خزي في الحياة الدنيا وهو إخراج بني النضير إلى الشام وقتل بني قريظة ، وقتل مقاتليهم وسبي ذراريهم . ثم أخبر بأن الذي أصابهم في الدنيا من الخزي والعقوبة لم يكن كفارة لذنوبهم ( و ) لكنهم { وَيَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ يُرَدُّونَ } أي في الآخرة { إِلَىٰ أَشَدِّ ٱلْعَذَابِ } ويقال : الخزي في الدنيا الجزية . { وَمَا ٱللَّهُ بِغَـٰفِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } أي لا يخفى على الله تعالى من أعمالهم شيء فيجازون بأعمالهم { أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ ٱشْتَرَوُاْ ٱلْحَيَـٰوةَ ٱلدُّنْيَا بِٱلآخِرَةِ } [ يعني اختاروا الدنيا على الآخرة ] { فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ ٱلْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ } أي ليس لهم مانع يمنعهم من [ عذاب الله تعالى في الآخرة ] .