Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 29, Ayat: 9-15)
Tafsir: Baḥr al-ʿulūm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثم قال عز وجل : { وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ } يعني : أقروا وصدقوا بوحدانية الله تعالى وبنبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - { وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَاتِ } يعني : الطاعات فيما بينهم وبين ربهم { لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِى ٱلصَّـٰلِحِينَ } أي : مع الأنبياء والرسل عليهم السلام في الجنة ويقال لندخلنهم في جملة الصالحين ونحشرهم مع الصالحين قوله عز وجل : { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ ءامَنَّا بِٱللَّهِ } نزلت في عياش بن أبي ربيعة هاجر إلى المدينة قبل قدوم النبي - صلى الله عليه وسلم - إليها فجزعت أمه من ذلك جزعاً شديداً فقالت لأخويه أبي جهل بن هشام والحارث بن هشام وهما أخواه لأمه وأبناء عمه فخرجوا في طلبه فظفروا به ، وقالوا له إن بر الوالدة واجب فعليك أن ترجع فتبرها فإنها حلفت أن لا تأكل ولا تشرب ، وأنت أحب الأولاد إليها فلم يزالوا به حتى تتابعهم فجاءوا به إلى أمه فعمدت أمه فقيدته ، وقالت : والله لا أحلك من وثاقك حتى تكفر بمحمد وضربوه حتى رجع إلى دينهم فنزل " ومن الناس من يقول آمنا بالله " { فَإِذَا أُوذِىَ فِى ٱللَّهِ } يعني : عذب في دين الله عز وجل : { جَعَلَ فِتْنَةَ ٱلنَّاسِ } يعني : عذاب أخوته في الدنيا { كَعَذَابِ ٱللَّهِ } في الآخرة ويقال نزلت في قوم من المسلمين أخذوهم إلى مكة وعذبوهم حتى ارتدوا فنزل " من الناس من يِقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله " يعني : جزع من ذلك كما يجزع من عذاب الله فينبغي للمسلم أن يصبر على إيذائه في الله ( وصارت الآية لجميع المسلمين ليصبروا على ما أصابهم في الله عز وجل ثم قال ) { وَلَئِنْ جَاء نَصْرٌ مّن رَّبّكَ } يعني : لو يجيء نصر من الله عز وجل بظهور الإسلام والغلبة على العدو بمكة وغيرها { لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ } أي : على دينكم { أَوَلَـيْسَ ٱللَّهُ بِأَعْلَمَ } يعني : أوليس الله عليم { بِمَا فِى صُدُورِ ٱلْعَـٰلَمِينَ } من التصديق والتكذيب أعلم بمعنى عليم يعني : هو عليم بما في قلوب الخلق ، ويقال معناه هو أعلم بما في صدورهم فهم أي بما في صدور أنفسهم { وَلَيَعْلَمَنَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ } يعني : ليميزن الله الذين ثبتوا على دين الإسلام { وَلَيَعْلَمَنَّ ٱلْمُنَـٰفِقِينَ } يعني : ليميزن المنافقين الذين لم يكن إيمانهم حقيقة قوله عز وجل : { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } أي : جحدوا وأنكروا { لِلَّذِينَ ءامَنُواْ } وذلك أن أبا سفيان بن حرب وأمية بن خلف وعتبة ابن شيبة قالوا لعمر بن الخطاب رضي الله عنه أو خباب بن الأرت وأناس آخرين من المسلمين { ٱتَّبِعُواْ سَبِيلَنَا } يعني : ديننا الذي نحن عليه واكفروا بمحمد ودينه { وَلْنَحْمِلْ خَطَـٰيَـٰكُمْ } يعني : نحن الكفلاء لكم بكل تبعة من الله عز وجل تصيبكم وأهل مكة شهداء علينا يقول الله عز وجل { وَمَا هُمْ بِحَـٰمِلِينَ مِنْ خَطَـٰيَـٰهُمْ مّن شَىْءٍ } يعني لا يقدرون أن يحملوا خطاياهم يعني وبال خطاياهم عنهم ولا يرفعون عنهم لأنهم لو استطاعوا أن يدفعوا لدفعوا عن أنفسهم { وَإِنَّهُمْ لَكَـٰذِبُونَ } في مقالتهم ثم قال عز وجل { وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ } يعني يحملون من أوزار الذين يضلونهم من غير أن ينقص من أوزار العاملين شيء وهذا كقوله عز وجل { لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ ٱلَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ } [ النحل : 25 ] وهذا كما روي في الخبر " من سن سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة { وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } يعني عما يقولون من الكذب قوله { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَىٰ قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عَاماً } يدعوهم إلى الإسلام ويحذرهم وينذرهم فأبوا أن يجيبوه فكذبوه { فَأَخَذَهُمُ ٱلطُّوفَانُ } يعني الغرق { وَهُمْ ظَـٰلِمُونَ } وقال القتبي : الطوفان المطر الشديد ، وكذلك الموت إذا كثر ، وقال مقاتل : الطوفان ما طغى فوق كل شيء ، وقال بعض أهل اللغة : هذا الاشتقاق غير صحيح لأنه لو كان هذا لقال طغوان لأنه يقال طغى يطغوا ، وقال بعضهم : هذا على وجه القلب كما يقال جذب وجبذ ، ويقال أصله من الطوف أي سار وطاف في الأرض وقال الزجاج الطوفان من كل شيء ما كان كثيراً كالقتل الذريع الكثير يسمى طوفان ثم قال عز وجل { فأَنْجَيْنـٰهُ } يعني نوحاً عليه السلام { وأَصْحَـٰبَ ٱلسَّفِينَةِ } من الغرق { وَجَعَلْنَـٰهَا ءايَةً لّلْعَـٰلَمِينَ } يعني جعلنا السفينة عبرة لمن بعدهم ، وقد بقيت السفينة على الجودي إلى وقت قريب من وقت خروج النبي - صلى الله عليه وسلم - فكان ذلك علامة وعبرة لمن رأها ومن لم يرها لأن الخبر قد بلغه ، ويقال : رسم السفينة التي بقيت بين الخلق وقت نوح وتجري في البحر علامة للعالمين .