Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 118-119)

Tafsir: Baḥr al-ʿulūm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ } يعني خلّة وصداقة من غير أهل دينكم . وإنما سميت بطانةً لقربها من البدن " من دونكم " أي من دون المؤمنين . نزلت الآية في شأن جماعة من الأنصار كانت بينهم وبين اليهود مواصلة وخاصية وكانوا على ذلك بعد الإسلام ، فنهاهم الله عز وجلّ عن ذلك . ويقال : كل من كان على خلاف مذهبه ودينه لا ينبغي له أن يحادثه لأنه يقال في المثل : @ عن المَرْءِ لاَ تَسْأَلْ [ وَأَبْصِرْ ] قرينه [ فَإِنَّ القَرِينَ ] بالمقارن يَقْتَدِي @@ وروى أبو هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من [ يخالل ] " وروي عن [ ابن مسعود ] أنه قال : اعتبروا الناس بأخْدَانهم . ثم بين الله المعنى الذي لأجله نهى عن المواصلة فقال تعالى : { لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً } أي : فساداً ، يعني لا يتركون الجهد في فسادكم ، يعني أنهم لا يتركون وإن لم يقاتلوكم في الظاهر ، فإنهم لا يتركون جهدهم في المكر والخديعة { وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ } ما أَثِمْتُم بربكم . وقال الزّجاج : الخَبَالُ في اللغة ، ذِهَابُ الشيء ، والعَنَتُ في الأصل : المشقة . وقال القتبي : الخَبَال : الفساد ، وقال أيضاً : { وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ } ، أي ما ( أعنتكم ) ، وهو ما نزل بكم [ من مكروه ] . ثم قال : { قَدْ بَدَتِ ٱلْبَغْضَاءُ } أي ظهرت العداوة والتكذيب لكم { مِنْ أَفْوٰهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ } أي والذي في صدورهم من العداوة " أكثر " مما أظهروا بأفواههم . ويقال : { وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ } أي قصدهم قتل محمد - صلى الله عليه وسلم - لأنهم كانوا يضمرون ذلك { قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَـٰتِ } يعني : أخبرناكم بما أخفوا ، وبما أبدوا بالدلالات والعلامات { إِنْ كُنتُمْ تَعْقِلُونَ } وتصدقون . { هَا أَنتُمْ أُوْلآءِ } يعني ها أنتم يا هؤلاء { تُحِبُّونَهُمْ } لمظاهرتكم إياهم ، { وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ } لأنهم ليسوا على دينكم ، وقال الضحاك : معناه كيف تحبون الكفار ، وهم لا يحبونكم { وَتُؤْمِنُونَ بِٱلْكِتَـٰبِ كُلّهِ } يعني بالتوراة والإنجيل وسائر الكتب ، ولا يؤمنون بذلك كله وقد فضلكم الله عليهم بذلك ، لأنهم لا يؤمنون إلا بكتابهم ، { وَإِذَا لَقُوكُمْ } يعني المنافقين منهم { قَالُواْ ءَامَنَّا } بمحمد - صلى الله عليه وسلم - إنه رسول الله { وَإِذَا خَلَوْاْ } فيما بينهم { عَضُّواْ عَلَيْكُمُ ٱلأَنَامِلَ } يعني أطراف الأصابع { مِنَ ٱلْغَيْظِ } والحنق عليكم ، فيقول بعضهم لبعض : ألا ترون إلى هؤلاء قد ظهروا وكثروا . قال الله تعالى لمحمد - صلى الله عليه وسلم - : { قُلْ } لهم يا محمد { مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ } يقول : موتوا بحنقكم ، على وجه الدعاء والطرد واللعن ، لا على وجه الأمر والإيجاب ، لأنه لو كان على وجه الإيجاب لماتوا من ساعتهم . كما قال في موضع آخر : { فَقَالَ لَهُمُ ٱللَّهُ مُوتُواْ } [ البقرة : 243 ] ، فماتوا من ساعتهم [ فها هنا لم يرد به الإيجاب ] . وقال الضحاك : { قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ } يعني أنكم تخرجون من الدنيا بهذه الحسرة والغيظ ، يعني اللفظ لفظ الأمر ، والمراد به الخبر يعني أنكم تموتون بغيظكم ثم قال تعالى : { إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } يعني بما في قلوبكم من العداوة للمؤمنين ، إن الله يجازيكم بذلك .