Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 14-17)

Tafsir: Baḥr al-ʿulūm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ ٱلشَّهَوٰتِ } حُسِّن وحُبِّب إليهم ، وقد يكون التزيين من الله تعالى كما قال في آية أخرى { زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَـٰلَهُمْ } [ النمل : 4 ] وقد [ كان ] من الشيطان كما قال في آية أخرى { وَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَـٰنُ أَعْمَـٰلَهُمْ } [ النمل : 24 ] فأما التزيين من الله تعالى فهو على وجهين : يكون على [ جهة ] الامتحان للمؤمنين مع العصمة ، وقد يكون للكفار على [ جهة ] العقوبة مع الخذلان ، وأما التزيين من الشيطان [ فهو على جهة ] الوسوسة ، فقال : زين للناس حب الشهوات { مِنَ ٱلنِّسَاء وَٱلْبَنِينَ } بدأ بالنساء ، لأن فتنة النساء أشد من فتنة جميع الأشياء كما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " ما تركت لأمتي فتنة أشد من فتنة النساء " ولأن النساء فتنتهن ظاهرة من وقت آدم عليه السلام إلى يومنا هذا . ويقال : في النساء فتنتان وفي الأولاد فتنة واحدة إحداهما : أنها تؤدي إلى قطيعة الرحم ، لأن المرأة تأمر زوجها بقطيعة الرحم عن الأمهات والأخوات والثانية : يبتلي بجمع المال من الحلال والحرام . وأما البنون : فإن الفتنة فيهم واحدة وهي ما ابتلي به من جمع المال لأجلهم فذكر البنين ، وأراد به الذكور والإناث . وقال بعض الحكماء : أولادنا فتنة ، إن عاشوا فتنونا وإن ماتوا أحزنونا . ثم قال تعالى : { وَٱلْقَنَـٰطِيرِ ٱلْمُقَنطَرَةِ مِنَ ٱلذَّهَبِ وَٱلْفِضَّةِ } روي عن الفراء أنه قال : القناطير جمع قنطار ، والمقنطرة جمع الجمع ، فيكون تسع قناطير ، وروي عن [ أبي عبيدة ] أنه قال : المقنطرة [ مُفَعَّلة من الورق ] كما يقال : ألف مؤلفة ، وبذر مبذرة ، ويقال : المقنطرة : هي [ المكيلة ] ثم اختلفوا في مقدار القنطار : فروي عن مجاهد أنه قال : القنطار سبعون ألف دينا . ر وقال أبو هريرة : القنطار اثني عشر ألف أوقية . وقال معاذ بن جبل : ألف ومائتا أوقية . وقال بعضهم : مِلْءُ مَسْكِ ثَوْرٍ من ذهب ، حكاه الكلبي وقال هو لغة رومية . وروي عن الحسن البصري أنه سئل عن القنطار ما هو ؟ فقال : هو مثل دية أحدكم . ثم قال تعالى : { وَٱلْخَيْلِ ٱلْمُسَوَّمَةِ } يعني الراعية ، كما قال في آية أخرى : { فِيهِ تُسِيمُونَ } . أي ترعون وهو قول سعيد بن جبير ومقاتل . وقال يحيى بن كثير : هي السمينة المصورة . وقال أبو عبيدة : المُعْلَمة { وَٱلأَنْعَـٰمُ } يعني الإبل والبقر والغنم { وَٱلْحَرْثِ } يعني الزرع ، ذكر أربعة أصناف ، كل نوع من [ المال ] يتمول به صنف من الناس ، أما الذهب والفضة ، فيتمول به التجار ، وأما الخيل المُسَوَّمة فيتمول [ بها ] الملوك ، وأما الأنعام فيتمول بها أهل البوادي ، وأما الحرث فيتمول به أهل الرساتيق ، فيكون فتنة كل صنف في النوع الذي يتمول به ، وأما النساء والبنين فهي فتنة للجميع . ثم زهد في [ ذلك كله ] ورغب في الآخرة فقال تعالى : { ذٰلِكَ مَتَـٰعُ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا } أي منفعة الحياة الدنيا تذهب ولا تبقى { وَٱللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ ٱلْمَأَبِ } أي المرجع في الآخرة الجنة ، لا تزول ولا تفنى . ثم بَيّن أن الذي وعد المؤمنين في الآخرة خير مما زين للكفار فقال تعالى : { قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِّن ذٰلِكُمْ } أي من الذي زين للناس في الدنيا { لّلَّذِينَ ٱتَّقَواْ } الشرك والفواحش والكبائر . ويقال : للذين اتقوا الزينة فلا تشغلهم عن طاعة الله . { عِندَ رَبّهِمْ جَنَّـٰتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } يعني البساتين تجري من تحت شجرها ومساكنها الأنهار ، فهو خير من الزينة الدنيوية وما فيها وروى أبو سعيد الخدري عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " لَشِبْرٌ في الجنة خير من الدنيا وما فيها " قال : { خَـٰلِدِينَ فِيهَا } يعني مقيمين فيها أبداً . { وَأَزْوٰجٌ مُّطَهَّرَةٌ } معناه في الخَلْق والخُلُق ، فأما الخَلْقُ ، فإنهن لا يَحضِنَ ولا يتمخَّطْن ولا يأتين الخلاء ، وأما الخُلُق ، فإنهن لا يِغِرْن ولا يحسدن ولا ينظرن إلى غير أزواجهن ، { وَرِضْوٰنٌ مِّنَ ٱللَّهِ } أي مع هذه النعم لهم رضوان من الله وهو من أعظم النعم ، كما قال في آية أخرى { وَرِضْوَٰنٌ مِّنَ ٱللَّهِ أَكْبَرُ } [ التوبة : 72 ] قرأ عاصم في رواية أبي بكر " وَرُضْوَان " بضم الراء ، والباقون بالكسر وهما لغتان وتفسيرهما واحد : { وَٱللَّهُ بَصِيرٌ بِٱلْعِبَادِ } . أي عالم بأعمالهم وثوابهم . ثم وصفهم فقال تعالى : { ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا ءامَنَّا } أي صَدَّقْنَا { فَٱغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا } أي خطايانا التي كانت في الشرك وفي الإسلام { وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ } يعني ادفع عنا عذاب النار { ٱلصَّـٰبِرِينَ } يعني الجنة التي ذكر للذين اتقوا الشرك ، [ وللصابرين ] الذين يصبرون على طاعة الله ، ويصبرون [ على ] المعاصي ويصبرون على ما أصابهم من الشدة والمصيبة { وَٱلصَّـٰدِقِينَ } [ يعني الصادقين ] في إيمانهم وفي قلوبهم ، وفي وعدهم بينهم وبين الناس ، وبينهم وبين الله تعالى ثم قال : { وَٱلْقَـٰنِتِينَ } يعني المطيعين لله تعالى { وَٱلْمُنَـٰفِقِينَ } الذين يتصدقون من أموالهم في سبيل الله { وَٱلْمُسْتَغْفِرِينَ بِٱلأَسْحَارِ } يعني يصلون لله عند الأسحار . ويقال : يصلون لله بالليل ويستغفرون عند السَّحَر .