Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 180-181)
Tafsir: Baḥr al-ʿulūm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثم قال تعالى : { وَلاَ يَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا ءاتَـٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ } أي بما أعطاهم الله من المال ، يبخلون ويمنعون الزكاة والصدقة وصلة الأرحام ، فلا يظنوا أن ذلك { هُوَ خَيْرٌ لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ } يعني أن البخل ، شر لهم . ويقال : الفضل شر لهم . { سَيُطَوَّقُونَ } يقول : سيوثقون { مَا بَخِلُواْ بِهِ } من الزكاة كهيئة الطوق . وروي عن ابن عباس أنه قال : " يأتي كنز أحدهم شجاع أقرع له زبيبتان ، طوقاً في عنقه يلدغ خديه ويقول أنا الزكاة التي بخلت بي في الدنيا " . وروي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نحو هذا ، فذلك قوله تعالى { سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ } { يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ } ويقال هو طوق من نار في عنقه ، ويقال : هو على وجه المثل ، يعني وبال ذلك في عنقهم ، كما قال في آية أخرى : { وَكُلَّ إِنْسَـٰنٍ أَلْزَمْنَـٰهُ طَـٰئِرَهُ فِي عُنُقِهِ } [ الإسراء : 13 ] . قوله تعالى : { وَلِلَّهِ مِيرَاثُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ } يعني : إذا هلك الخلق كلهم أهل السموات من الملائكة ، وأهل الأرض من الإنس والجن وسائر الخلق ، ويبقى رب العالمين ثم يقول : { لِّمَنِ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ } [ غافر : 16 ] . فلا يجيب أحد ، فيرد على نفسه فيقول : لله الواحد القهار . فذلك قوله تعالى { وَلِلَّهِ مِيرَاثُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ } يعني يهلك أهل السماوات والأرض ولم يبق لأحد ملك وإنما سمي ميراثاً على وجه المجاز ، لأن القرآن بلغة العرب وكانوا يعرفون أن من رجع الملك إليه يكون ميراثاً على وجه المجاز ، وأما في الحقيقة فليس بميراث ، لأن الوارث في الحقيقة هو الذي يرث شيئاً لم يكن يملكه من قبل ، والله - عز وجل - مالكهما وكانت السماوات وما فيها والأرض وما فيها له ، وإنما كانت الأموال عارية عند أربابها ، فإذا ماتوا رجعت العارية إلى صاحبها الذي كانت له في الأصل . ومعنى الآية : إن الله تعالى أمر عباده أن ينفقوا ولا يبخلوا قبل أن يموتوا ويتركوا المال [ ميراث الله ] لله تعالى ، ولا ينفعهم إلا ما أنفقوا ، ثم قال تعالى : { وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } أي عالم بمن يؤدي الزكاة ، وبمن يمنعها فيجازي كل نفس بما عملت . قرأ ابن كثير وأبو عمرو : بما " يعملون " بالياء ، والباقون بالتاء على وجه المخاطبة : { لَّقَدْ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوْلَ ٱلَّذِينَ قَالُواْ : إِنَّ ٱللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء } ، وقال في رواية الضحاك : لما نزل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : { مَّن ذَا ٱلَّذِي يُقْرِضُ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً } [ البقرة : 245 وغيرها ] قالت الفجرة من كفرة اليهود : أفقير ربنا فيستقرضنا ، قالوا ذلك على وجه الاستهزاء ، فنزلت هذه الآية ، ويقال إن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث أبا بكر إلى اليهود ليأمرهم بالإسلام ، وأن يعطوا الصدقة ويؤمنوا ، فلما انتهى إليهم أبو بكر ، قال " فنحاص بن عازورا " ( أيسأل ) الله منا الصدقة ؟ فهو فقير ونحن أغنياء ، فنزلت هذه الآية : { لَّقَدْ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوْلَ ٱلَّذِينَ قَالُواْ : إِنَّ ٱللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ } أي حفظ قولهم ونجازيهم . ويقال : سنكتب ما قالوا ، يعني يكتب عليهم الكرام الكاتبون ويؤاخذون به في الآخرة . { وَقَتْلِهِمُ } أي ونكتب قتلهم { ٱلأَنْبِيَاء بِغَيْرِ حَقّ } يعني بلا جرم { وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ } أي تقول لهم خزنة جهنم في الآخرة ذلك . قرأ حمزة : " سيُكتَب " بضم الياء ونصب التاء . " وقتلُهم الأنبياء " بضم اللام على معنى فعل ما لم يسم فاعله ، يعني يكتب قتلهم الأنبياء ويقول بالياء والباقون " سنكتب " بالنون " وقتلهم " بنصب اللام ونقول بالنون . وقوله : { ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ } روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " لو أن شرارة وقعت بالمشرق لغلت منها جماجم قوم بالمغرب ولو أن حلقة من سلاسل النار وضعت على رأس جبل لاحترق إلى سبع أرضين " ، فهذا معنى قوله : { عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ } .