Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 86-91)
Tafsir: Baḥr al-ʿulūm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ كَيْفَ يَهْدِي ٱللَّهُ قَوْمًا كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَـٰنِهِمْ وَشَهِدُواْ أَنَّ ٱلرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءهُمُ ٱلْبَيِّنَـٰتُ } أي بعدما ظهر لهم العلامات { وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ } فإن قيل : في ظاهر الآية : أن من كفر بعد إسلامه لا يهديه الله ومن كان ظالماً لا يهديه الله ، وقد رأينا كثيراً من المرتدين ، أسلموا وهداهم الله وكثيراً من الظالمين تابوا عن الظلم . قيل له : لا يهديهم الله ما داموا مقيمين على كفرهم وظلمهم ولا يُقْبِلُون إلى الإسلام ، فأما إذا جاهدوا وقصدوا الرجوع وفقهم الله لذلك لقوله : { وَٱلَّذِينَ جَـٰهَدُواْ فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا } [ سورة العنكبوت : 69 ] وتأويل آخر : { كَيْفَ يَهْدِي ٱللَّهُ } ، يقول كيف يرشدهم إلى الجنة كما قال في آية : { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَظَلَمُواْ لَمْ يَكُنِ ٱللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً . إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ } [ النساء : 168 ] ويقال : كيف يرحمهم الله وينجيهم من العقوبة . ويقال : كيف يغفر الله لهم . وقالت المعتزلة : " كَيْفَ يَهْدِي الله " معناه ، كيف يكونون مهتدين لأنهم لا يرون الهداية والإهتداء في الإبتداء ، إلا على سبيل الجزاء ويرون ذلك من كسب العبد . ثم قال : { أُوْلَـئِكَ جَزَآؤُهُمْ } يعني أهل هذه الصفة التي ذكر { أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ ٱللَّهِ } أي سخط الله ، ويقال : الطرد والتبعيد من رحمة الله والخذلان ، ويقال : يلعنهم بالقول { وَٱلْمَلاَئِكَةُ } يعني عليهم لعنة الله والملائكة { وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ } إذا لعن رجل رجلاً ، فإن لم يكن أَهْلاً لذلك رجعت اللعنة إلى الكفار . ويقال : من لم يكن على دينهم ، يلعنهم في الدنيا ، ومن كان على دينهم يلعنهم في الآخرة لقوله تعالى : { يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ ، وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً } [ سورة العنكبوت : 25 ] فذلك قوله تعالى : { وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ } . ثم قال تعالى : { خَـٰلِدِينَ فِيهَا } يعني في اللعنة . فيما توجبه اللعنة ، وهو عذاب النار خالدين فيها { لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ ٱلْعَذَابُ } أي لا يهون عليهم العذاب { وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ } أي لا يؤجلون ، ثم استثنى التوبة فقال تعالى : { إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذٰلِكَ وَأَصْلَحُواْ } يقول : من بعد الكفر ، وأصلحوا أعمالهم بالتوبة . ويقال : أصلحوا لمن أفسدوا من الناس { فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } لما كان منهم في الكفر رحيم بهم بعد التوبة . قال الكلبي ومقاتل : لما نزلت هذه الآية أي الرخصة بالتوبة ، كتب أخو الحارث بن سُوَيْد إلى الحارث : إن الله قد عرض عليكم التوبة ، فرجع وتاب ، وبلغ ذلك إلى أصحابه الذين بمكة ، فقالوا : إن محمداً تتربص به ريب المنون ، فقالوا : نقيم بمكة على الكفر متى بدا لنا الرجعة رجعنا فينزل فينا ما نزل في " الحارث " فتقبل توبتنا فأنزل الله تعالى : { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَـٰنِهِمْ ثُمَّ ٱزْدَادُواْ كُفْرًا } أي ثبتوا على كفرهم بقولهم : نقيم بمكة ما بدا لنا { لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ } ما أقاموا على الكفر . قال الزجاج : كانوا كلما نزلت آية كفروا بها ، فكان ذلك زيادة كفرهم ، وقوله : { [ لَّن ] تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ } [ أي توبتهم ] الأولى ، وحبط أجر عملهم . ويقال : { لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ } معناه : إنهم [ لن ] يتوبوا كما [ قال الساعة ] { وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَـٰعَةٌ } [ سورة البقرة : 48 ] ، أي لا يشفع ( لها ) أحد ، ثم قال تعالى : { وَأُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلضَّالُّونَ } عن الإسلام ، وهم الذين لم يتوبوا . { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْء ٱلأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ ٱفْتَدَىٰ بِهِ } قال الكلبي : يعني وزن الأرض ذهباً . وقال مقاتل : إن الكافر إذا عاين النار [ في الآخرة ] يتمنى أن يكون له الأرض ذهباً فيقدر على أن ( يفتدي ) به نفسه من العذاب [ لافتدى به ، ولو افتدى به ] " ما تقبل منه " { أُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } ونظيرها في سورة المائدة { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَّا فِي ٱلأَرْضِ } [ المائدة : 36 ] . قوله تعالى : { أُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مّن نَّـٰصِرِينَ } الآية .