Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 30, Ayat: 52-60)
Tafsir: Baḥr al-ʿulūm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ فَإِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ ٱلْمَوْتَىٰ } فشبه الكفار بالموتى فكما لا يسمع الموتى النداء فكذلك لا يجيب ولا يسمع الكفار الدعاء إذا دعوا إلى الإيمان { وَلاَ تُسْمِعُ ٱلصُّمَّ ٱلدُّعَاء إِذَا وَلَّوْاْ مُدْبِرِينَ } يعني : أن الأصم إذا كان مقبلاً لا يسمع فكيف إذا ولى مدبراً فكذلك الكافر لا يسمع إذا كان يتصامم عند القراءة والقراءة ذكرناها في سورة النمل ثم قال عز وجل : { وَمَا أَنتَ بِهَادِى ٱلْعُمْىِ } إلى الإيمان { عَن ضَلَـٰلَتِهِمْ } يعني : لا تقدر أن توفقه وهو لا يرغب عن طاعتي في طلب الحق { إِن تُسْمِعُ } يعني : ما تسمع { إِلاَّ مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا } يعني : بالقرآن { فَهُم مُّسْلِمُونَ } يعني : مخلصون ثم أخبرهم عن خلق أنفسهم ليعتبروا ويتفكروا فيه فقال عز وجل : { ٱللَّهُ ٱلَّذِى خَلَقَكُمْ مّن ضَعْفٍ } يعني : من نطفة ويقال صغيراً لا يعقل { ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً } يعني : شدة بتمام خلقه { ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً } يعني : بعد الشباب الهرم { وَشَيْبَةً } أي شمطاً قرأ عاصم في رواية حفص وحمزة من ضعف بنصب الضاد وقرأ الباقون من ضعف بالضم وهما لغتان ومعناهما واحد { يَخْلُقُ مَا يَشَاء } أي يحول الخلق كما يشاء من الصورة { وَهُوَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْقَدِيرُ } العليم بتحويل الخلق القدير يعني : القادر على ذلك قوله عز وجل : { وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ يُقْسِمُ ٱلْمُجْرِمُونَ } يعني : يحلف المشركون { مَا لَبِثُواْ غَيْرَ سَاعَةٍ } في الدنيا يقول الله عز وجل كذلك كانوا يكذبون بالبعث كما أنهم كذبوا حيث قالوا ما لبثوا يعني في القبور غير ساعة ويقال : { كَذَلِكَ كَانُواْ يُؤْفَكُونَ } لأنهم يقولون مرة { إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ عَشْراً } [ طه : 103 ] ومرة يقولون { لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ } [ الكهف : 119 ] ومرة يقولون { مَا لَبِثْنَا غَيْرَ سَاعَةٍ } فيقول الله تعالى هكذا كانوا في الدنيا ثم قال عز وجل : { وَقَالَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ وَٱلإِيمَـٰنَ } يعني : أكرموا بالعلم والإيمان { لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِى كِتَـٰبِ ٱللَّهِ } أي في علم الله ، ويقال : فيما كتب الله عز وجل وقال مقاتل : في الآية تقديم يعني : وقال الذين أوتوا العلم في كتاب الله والإيمان وهو ملك الموت لقد لبثتم في كتاب الله { إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْبَعْثِ } ويقال الذين أوتوا العلم بالكتاب وأوتوا الإيمان وهم العلماء ثم قال : { فَهَـٰذَا يَوْمُ ٱلْبَعْثِ وَلَـٰكِنَّكُمْ كُنتمْ لاَ تَعْلَمُونَ } يعني : لا تصدقون بهذا اليوم في الدنيا ثم قال عز وجل : { فَيَوْمَئِذٍ لاَّ ينفَعُ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ } يعني : أشركوا { مَعْذِرَتُهُمْ } قرأ ابن كثير وأبو عمر ولا تنفع بالتاء بلفظ التأنيث لأن لفظ المعذرة مؤنثة وقرأ الباقون بالياء فينصرف إلى المعنى يعني عذرهم { وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ } يقال عتب يعتب إذا غضب عليه وأعتب يعتب إذا رجع عن ذنبه واستعتب إذا طلب منه الرجوع يعني : أنه لا يطلب منهم الرجوع في ذلك اليوم ليرجعوا ثم قال عز وجل : { وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ } يعني : وصفنا وبينا { فِي هَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ } أي : شبه { وَلَئِن جِئْتَهُمْ بِـئَايَةٍ } كما سألوا { لَّيَقُولَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } يعني : المشركون من أهل مكة { إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ مُبْطِلُونَ } يعني : يقولون ما أنت إلا كاذب وليس هذا من الله عز وجل كما كذبوا بانشقاق القمر يقال أبطل الرجل إذا جاء بالباطل وأكذب إذا جاء بالكذب ، فقال : إن أنتم إلا مبطلون يعني : كاذبون ثم قال : { كَذَلِكَ يَطْبَعُ ٱللَّهُ } يعني يختم الله عز وجل { عَلَىٰ قُلُوبِ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ } يعني : لا يصدقون بالقرآن وبمحمد - صلى الله عليه وسلم - { فَٱصْبِرْ } يا محمد { إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ } فيما وعد لكم من النصر على عدوكم وإظهار دين الإسلام حق ، ويقال : فاصبر إن وعد الله حق يعني : صدق في العذاب { وَلاَ يَسْتَخِفَّنَّكَ } يعني : يستنزلنك عن البعث { ٱلَّذِينَ لاَ يُوقِنُونَ } أي لا يصدقون ويقال لا يستخفنك يعني : لا يحملنك تكذيبهم على الخفة يعني : كن حليماً صبوراً وقوراً ، ويقال : لا يستخفنك فتدعو عليهم بتعجيل العذاب فيهلك الذين لا يوقنون بالعذاب والله أعلم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم .