Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 36, Ayat: 36-40)
Tafsir: Baḥr al-ʿulūm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قال عز وجل : { سُبْحَـٰنَ ٱلَّذِى خَلَق ٱلأَزْوٰجَ كُلَّهَا } يعني تنزيهاً لله عز وجل الذي خلق الأصناف كلها { مِمَّا تُنبِتُ ٱلأَرْضُ } يعني ألواناً من النبات ، والثمار ، ففي كل شيء خلق الله تعالى دليلاً على وحدانيته تعالى وربوبيته { وَمِنْ أَنفُسِهِمْ } يعني خلق من جنسهم أصناف الذكر والأنثى ، وألواناً مختلفة { وَمِمَّا لاَ يَعْلَمُونَ } يعني وخلق من الخلق ما لا يعلمون ، وهذا كقوله { وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } [ النحل : 8 ] ثم ذكر لهم دلالة أخرى ليعتبروا بها ، فقال عز وجل : { وَءايَةٌ لَّهُمُ ٱلَّيْلُ } يعني علامة وحدانيته الليل { نَسْلَخُ مِنْهُ ٱلنَّهَارَ } يعني نخرج ونميز منه النهار { فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ } يعني داخلون في الظلمة ، ويقال : يبقون في الظلمة ، ويقال : إن الله خلق الدنيا مظلمة ، ثم قال { وَٱلشَّمْسُ } سراجاً ، فإذا طلعت الشمس ، صارت الدنيا مضيئة ، وإذا غربت الشمس بقيت الظلمة كما كانت ، وهو قوله تعالى { نَسْلَخُ مِنْهُ ٱلنَّهَارَ } يعني ننزع الضوء منه { فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ } يعني يبقون في الظلمة ، ويقال : نسلخ الليل يعني نخرج منه النهار إخراجاً لا يبقى منه شيء من ضوء النهار ، كما نسلخ الليل من النَّهَار ، فكذلك نسلخ النهار من الليل ، فكأنه يقول : الليل نسلخ منه النهار ، والنهار نسلخ منه الليل ، فاكتفى بذكر أحدهما لأن في الكلام دليلاً ، وقد ذكر في آية أخرى قال : { يُكَوِّرُ ٱللَّيْـلَ عَلَى ٱلنَّهَـارِ وَيُكَوِّرُ ٱلنَّـهَارَ عَلَى ٱللَّيْلِ } [ الزمر : 5 ] ثم قال عز وجل والشمس { تَجْرِى لِمُسْتَقَرّ لَّهَـا } قال مقاتل : يعني لوقت لها ، وقال الكلبي : تسير في منازلها حتى تنتهي إلى مستقرها ولا تتجاوزها ، ثم ترجع إلى أول منازلها ، وقال القتبي : { وَٱلشَّمْسُ تَجْرِى لِمُسْتَقَرّ لَّهَـا } يعني إلى مستقر لها ، ومستقرها أقصى منازلها في الغروب ، وذلك لأنها لا تزال تتقدم في كل ليلة حتى تنتهي إلى أبعد مغاربها ، ثم ترجع ، فذلك مستقرها لأنها لا تجاوزها ، وطريق آخر ما روي عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه " قال كنت جالساً مع النبي - صلى الله عليه وسلم - عند غروب الشمس ، فقال : يا أبا ذر أتدري أين تغرب الشمس ؟ قلت الله ورسوله أعلم ، قال : فإنها تغرب ، وتذهب حتى تسجد تحت العرش وتستأذن فيؤذن لها ، ويوشك أن تستأذن فلا يؤذن لها حتى تستشفع وتطلب ، فإذا طال عليها قيل لها اطلعي مكانك " فذلك قوله { وَٱلشَّمْسُ تَجْرِى لِمُسْتَقَرّ لَّهَـا } قال مستقرها تحت العرش ثم قال { ذٰلِكَ تَقْدِيرُ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ } العزيز بالنقمة ، العليم بما قدره من أمرها وخلقها ، وروى عمرو بن دينار ، عن ابن عباس أنه كان يقرأ : { وَٱلشَّمْسُ تَجْرِى لمُّسْتَقِرٌّ لَهَا } يعني لا تقف ولا تستقر ، ولكنها جارية أبداً ثم قال عز وجل : { وَٱلْقَمَرَ قَدَّرْنَـٰهُ مَنَازِلَ } قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو ( وَٱلْقَمَرُ ) بالضم ، وقرأ الباقون بالنصب ، فمن قرأ بالضم فله وجهان أحدهما أن يكون على الابتداء ، والآخر معناه وآية لهم القمر ، عطف على قوله : { وَءايَةٌ لَّهُمُ ٱللَّيْلُ } ومن قرأ بالنصب ، فمعناه : وقدرنا القمر ، وقال مقاتل في قوله { وَٱلْقَمَرَ قَدَّرْنَـٰهُ مَنَازِلَ } يعني قدرناه منازل في السماء يبدو رقيقاً ، ثم يستوي ، ثم ينقص في آخر الشهر ، وقال الكلبي { قَدَّرْنَـٰهُ مَنَازِلَ } أي قدرناه منازل بالليل ، ينزل كل ليلة في منزل ، ويصعد في منزل حتى ينتهي إلى مستقره الذي لا يجاوزه ، ثم يعود إلى أدنى منازله ، ويقال : إن القمر يدور في منازله في شهر واحد ، مثل ما تدور الشمس في منازلها في سنة واحدة ، قال مقاتل وذلك أن القمر عرضه ثمانون فرسخاً مستديرة ، والشمس هكذا ، وكان ضوؤهما واحداً ، فأخذ تسعة وتسعون جزءاً من القمر فألحقت بالشمس ، وروي عن ابن عباس أنه قال : القمر أربعون فرسخاً في أربعين فرسخاً ، والشمس ستون فرسخاً في ستين فرسخاً ، وقال بعضهم : القمر والشمس عرض كل واحد منهما مثل الدنيا كلها ، ثم قال تعالى { حَتَّىٰ عَادَ كَٱلعُرجُونِ ٱلْقَدِيمِ } يعني صار كالعذق اليابس المنقرس ، الذي حال عليه الحول ويقال : للقمر ثمانية وعشرون منزلاً ، فإذا صار في آخر منازله دق حتى يعود كالعذق اليابس ، والعرجون إذا يبس : دق واستقوس فشبه القمر به ، يعني صار في عين الناظر كالعرجون ، وإن كان هو في الحقيقة عظيم بنفسه ، إلا أنه في عين الناظر يراه دقيقاً ثم قال عز وجل { لاَ ٱلشَّمْسُ يَنبَغِى لَهَا أَن تدْرِكَ ٱلقَمَرَ } يعني أن تطلع في سلطان القمر ، وقال عكرمة : لكل واحد منهما سلطان ، للشمس سلطان بالنهار ، وللقمر سلطان بالليل ، فلا ينبغي للشمس أن تطلع بالليل { وَلاَ ٱللَّيْلُ سَابِقُ ٱلنَّهَارِ } يعني لا يدرك سواد الليل ضوء النهار فيغلبه على ضوئه { وَكُلٌّ فِى فَلَكٍ يَسْبَحُونَ } يعني في دوران يجرون ويدورون ، ويقال " يسبحون " يعني يسيرون فيه بالانبساط ، وكل من انبسط في شيء فقد سبح فيه ، وقال بعضهم : السماء كالموج المكفوف والشمس والقمر والكواكب الدوارة يسبحون فيها ، وقال بعضهم الأفلاك كثيرة ، مختلفة في السير ، تقطع القمر في ثمانية وعشرين يوماً ، والشمس تقطع في سنة ، وقال بعضهم : الفلك واحد ، وجريهن مختلف ، والفلك في اللغة : كل ما يدور .