Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 37, Ayat: 99-113)

Tafsir: Baḥr al-ʿulūm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَقَالَ إنِّي ذَاهِبٌ إلَى رَبِّي } يعني : إني مهاجر إلى طاعة ربي ، ويقال من أرض ربي إلى أرض ربي ، وقال مقاتل : يعني من بابل إلى بيت المقدس ، ويقال : من أرض حران إلى بيت المقدس { سَيَهْدِينِ } يعني : يحفظني ، ويقال إني مهاجر إلى ربي ، يعني مقبل إلى طاعة ربي ، " سيهديني " أي سيرشدني ربي ويقال سيعينني قوله عز وجل : { رَبّ هَبْ لِى مِنَ ٱلصَّـٰلِحِينِ } يعني : يا رب أعطني ولداً صالحاً من المسلمين { فَبَشَّرْنَـٰهُ بِغُلَـٰمٍ حَلِيمٍ } يعني : حليم في صغره ، عليم في كبره قوله عز وجل : { فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ ٱلسَّعْىَ } إلى الحج ، ويقال : إلى الجبل { قَالَ } إبراهيم عليه السلام لابنه { يَٰبُنَىَّ إِنّى أَرَىٰ فِى ٱلْمَنَامِ } قال مقاتل : هو إسحاق ، وقال الكلبي : هو إسماعيل ، وروى معمر عن الزهري ، قال في قوله { فَبَشَّرْنَـٰهُ بِغُلَـٰمٍ حَلِيمٍ ، فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ ٱلسَّعْىَ } قال ابن عباس : هو إسماعيل ، وكان ذلك بمنى ، وقال كعب : هو إسحاق ، وكان ذلك ببيت المقدس ، وقال مجاهد وابن عمر ومحمد بن كعب القرظي هو إسماعيل وروي عن علي بن أبي طالب أنه قال هو إسحاق ، وهكذا روي عن ابن عباس [ وهكذا قال ] وعكرمة وقتادة : وأبو هريرة وعبد الله بن سلام رضي الله عنهم ، وهكذا قال أهل الكتابين كلهم ، والذي قال هو إسماعيل : احتج بالكتاب ، والخبر ، أما الكتاب : فهو أنه لما ذكر قصة الذبح قال على أثر ذلك { وَبَشَّرْنَـٰهُ بِإِسْحَـٰقَ نَبِيّاً } ، وأما الخبر : فما روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال " أنَا ابْنُ الذَّبِيحَيْن " يعني : أباه عبد الله بن عبد المطلب ، وإسماعيل بن إبراهيم ، وأما الذي يقول هو إسحاق يحتج بما روي في الخبر ، أنه ذكر نسبة يوسف ، فقال : كان يوسف أشرف نسباً ، يوسف صديق الله بن يعقوب إسرائيل الله بن إسحاق ذبيح الله بن إبراهيم خليل الله ، قد اختلفوا فيه هذا الاختلاف ، والله أعلم بالصواب ، والظاهر عند العامة هو إسحاق ، فذلك قوله : { يٰبُنَىَّ إِنّى أَرَىٰ فِى ٱلْمَنَامِ أَنّى أَذْبَحُكَ } فظاهر اللفظ أنه رأى في المنام أنه يذبحه ولكن معناه إني أرى في المنام أني قد أمرت بذبحك بدليل ما قال في سياق الآية : { قَالَ يٰأَبَتِ ٱفْعَلْ مَا تُؤمَرُ } وروي في الخبر ، " أنه رأى في المنام ، أنه قيل له ، إن الله يأمرك أن تذبح ولدك ، فاستيقظ خائفاً وقال أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، ثم رأى في المنام في الليلة الثانية والثالثة مثل ذلك ، فاستيقظ وضم ابنه إلى نفسه ، وجعل يبكي حتى أصبح فانقاد لأمرِ الله تعالى ، وقال لامرأته سارة إني أرِيد أن أخرج إلى طاعة ربي ، فابعثي ابني معي فجهزته وبعثته معه " ، قال كعب الأحبار : قال الشيطان إن لم أفتن هؤلاء عند هذه لم أفتنهم أبداً ، فلما خرج إبراهيم بابنه ليذبحه ، فذهب الشيطان ودخل على سارة فقال : أين ذهب إبراهيم بابنك ؟ فقالت غدا به لبعض حاجته ، قال : إنه لم يغد به لحاجته ، ولكنه إنما ذهب به ليذبحه ، فقالت : ولم يذبحه ؟ قال : يزعم أن ربه أمره بذلك فقالت : قد أحسن أن يطيع ربه ، فخرج في أثرهما فقال للغلام أين يذهب بك أبوك ؟ قال : لبعض حاجته ، قال : فإنه لا يذهب بك لحاجته ، ولكنه إنما يذهب بك ليذبحك ، فقال : ولم يذبحني ؟ قال يزعم أن ربه أمره بذلك ، قال : فوالله لئن كان الله أمره بذلك ليفعلن ، فتركه ( ولحق بإبراهيم ) ، فقال : أين غدوت بابنك ؟ قال لحاجة ، قال : فإنك لم تغد به لحاجة ، وإنما غدوت به لتذبحه ، قال ولم أذبحه ؟ قال : تزعم أن الله تعالى أمرك بذلك ، قال فوالله لئن كان الله أمرني بذلك لأفعلن ، فتركه وأيس من أن يطاع قوله عز وجل : { فَٱنظُرْ مَاذَا تَرَىٰ قَالَ يٰأَبَتِ ٱفْعَلْ مَا تُؤمَرُ سَتَجِدُنِى إِن شَاء ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّـٰبِرِينَ } ، { فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وَنَـٰدَيْنَـٰهُ أَن يٰإِبْرٰهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ ٱلرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِى ٱلْمُحْسِنِينَ ، إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ ٱلْبَلاَء ٱلْمُبِينُ } ، { وَفَدَيْنَـٰهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ } فأوحى الله تعالى إلى إسحاق ، أن ادعو فإن لك دعوة مستجابة فقال إسحاق : اللَّهم إني أدعوك أن تستجيب لي في أيما عبد من الأولين ، والآخرين ، لقيك لا يشرك بك شيئاً أن تدخله الجنة ، وقال مجاهد إن إبراهيم عليه السلام لما أراد أن يذبح ابنه بالسكين ، قال ابنه . يا أبت خذ بناصيتي ، واجلس بين كتفي حتى لا أوذيك إذا أصابني حد السكين ، ولا تذبحني وأنت تنظر في وجهي عسى أن ترحمني واجعل وجهي إلى الأرض ففعل إبراهيم ، فلما أمر السكينة على حلقه انقلبت فقال يا أبت ما لك ؟ قال : قد انقلبت السكين ، قال فاطعن بها طعناً قال : فطعن فانتنت ، قال فعرف الله عز وجل الصدق منه ففداه بذبح عظيم وقال هو إسحاق ، وروى أسباط عن السدي قال كان من شأن إسحاق حين أراد أبوه أن يذبحه ، أنه ركب مع أبيه في حاجة فأعجبه شبابه وحسن هيئته وكان إبراهيم حين بشر بإسحاق ، قبل أن يولد له ، قال هو إذاً لله ذبيح ، فقيل لإبراهيم في منامه قد نذرت لله نذراً فاوفيه ، فلما أصبح قال { يٰبُنَىَّ إِنّى أَرَىٰ فِى ٱلْمَنَامِ أَنّى أَذْبَحُكَ } يقول قد أمرت بذبحك { قَالَ يٰأَبَتِ ٱفْعَلْ مَا تُؤمَرُ } قال : فانطلق معي ، وأخبر أمك أنك تنطلق إلى أخوالك ، وأخذ إبراهيم معه حبلاً ومدية يعني : السكين ، فقال له : يا أبتاه حدها فإنه أهون للموت ، فانطلق به ، حتى أتى به جبلاً من جبال الشام ، فأضجعه في أصرة وربط يديه ورجليه فقال له إسحاق : يا أبتاه شد رباطي لكي لا أضطرب فيصيب الدم ثيابك فتراه سارة فتحزن فبكى إبراهيم بكاء شديداً ، وأخذ الشفرة ، فوضعها على حلقه وضرب الله تعالى على حلقه صفيحة نحاس ، فجعل يحز فلا تصنع شيئاً ، فلما رأى إبراهيم ذلك قلبه على وجهه فضرب الله تعالى على قفاه صفيحة نحاس ، وبكيا حتى ابتلت الأرض من دموعهما ، فجعل يحز فلا تقطع شيئاً ، فنودي { أَن يٰإِبْرٰهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ ٱلرُّؤْيَا } ودونك هذا الكبش فهو فداه فالتفت فإذا هو بكبش أبيض أملح ينحط من الجبل ، وقد كان رعى في الجنة أربعين خريفاً ، فخلا عن ابنه وأخذ الكبش فذبحه ، وقال وهب بن منبه : لما قال لإسحاق { يٰبُنَىَّ إِنّى أَرَىٰ فِى ٱلْمَنَامِ أَنّى أَذْبَحُكَ فَٱنظُرْ مَاذَا تَرَىٰ قَالَ يٰأَبَتِ ٱفْعَلْ مَا تُؤمَرُ } ثم قال يا أبت إني أوصيك بثلاثة أشياء ، قال وكان إسحاق في ذلك اليوم ابن سبع سنين ، أحدها : أن تربط يدي لكيلا اضطرب فأوذيك والثاني : أن تجعل وجهي إلى الأرض لكيلا تنظر إلى وجهي فترحمني والثالث : أن تذهب بقميصي إلى أمي ، ليكون القميص عندها تذكرة مني ، فذلك قوله { فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ ٱلسَّعْىَ قَالَ يٰبُنَىَّ إِنّى أَرَىٰ فِى ٱلْمَنَامِ أَنّى أَذْبَحُكَ فَٱنظُرْ مَاذَا تَرَىٰ } قرأ حمزة والكسائي ( ماذا تُرَى ) بضم التاء ، يعني : ماذا ترى من صبرك ، ويقال معناه ماذا تشير ، وقرأ الباقون بالنصب ، وهو من الرأي يعني ماذا ترى [ من صبرك ، ويقال : معناه ماذا تشير ] فيما أمر الله به ، ويقال هو من المشورة والرأي ( قال أبو عبيد بالنصب تقرأ ، لأن هذا في موضع المشورة والرأي والآخر يستعمل في رؤية ) العين { قَالَ يٰأَبَتِ ٱفْعَلْ مَا تُؤمَرُ سَتَجِدُنِى إِن شَاء ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّـٰبِرِينَ } على الذبح قوله عز وجل { فَلَمَّا أَسْلَمَا } يعني : اتفقا على أمر الله تعالى ، قال قتادة : أسلم هذا نفسه لله تعالى ، وأسلم هذا ابنه لله تعالى ، وروي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قرأ ( فلما سلما ) يعني : رضيا وتله للجبين يعني : صرعه على جبينه أي : على وجهه وقال القتبي وتله للجبين يعني : جعل إحدى جبينيه على الأرض ، وهما جبينان والجبهة بينهما { وَنَـٰدَيْنَـٰهُ أَن يٰإِبْرٰهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ ٱلرُّؤْيَا } وقال القتبي الواو زيادة ، ومعناه : فلما أسلما وتله للجبين ناديناه ، وهذا كما قال امرىء القيس : @ فَلَمَّا أجَزْنَا سَاحَة الحَي وانْتَحَى بِنَا بَطْن خِبْت ذي حِقاف عَقَنْقَل @@ يعني انتحى ، والواو زيادة ، وقال بعضهم في الآية مضمر ومعناه فلما أسلما : سلما وتله للجبين ، وذكر عن الخليل بن أحمد ، أنه سئل عن هذه الآية فقال : ليس لنا في كتاب الله عز وجل متكلم ، فقيل له فما مثله في العربية ، فقال : قول امرىء القيس فلما أجزنا ساحة الحي أجزنا وانتحى بنا ، كذلك قوله { أَسْلَمَا } سلما ، وتله للجبين وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا ، يعني : أوفيت الوعد ، وائتمرت ما أمرت لقول الله تعالى : { إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِى ٱلْمُحْسِنِينَ } كما فعلت يا إبراهيم قوله إن هذا لهو البلاء المبين يعني : الاختبار البين ، ثم قال : { وَفَدَيْنَـٰهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ } يعني : بكبش عظيم ، والذبح بكسر الذال : اسم لما يذبح ، وبالنصب مصدر ، وروي عن ابن عباس أنه قال : حدثني من رأى قرني الكبش معلقين في الكعبة ، وهو الكبش الذي ذبحه إبراهيم عن إسماعيل عليهما السلام ، ثم قال : { وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِى ٱلآخِرِينَ } قال الثناء الحسن { سَلَـٰمٌ عَلَىٰ إِبْرٰهِيمَ } يعني : سلام الله على إبراهيم ، ويقال هذا موصول بالأول يعني : { وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِى ٱلآخِرِينَ سَلَـٰمٌ عَلَىٰ إِبْرٰهِيمَ } يعني : أثنينا عليه السلام في الآخرين قوله : { كَذَلِكَ نَجْزِى ٱلْمُحْسِنِينَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا ٱلْمُؤْمِنِينَ } يعني : المصدقين المخلصين ثم قال عز وجل : { وَبَشَّرْنَـٰهُ بِإِسْحَـٰقَ نَبِيّاً مّنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ } يعني : بشرناه بنبوة إسحاق بعدما أمر بذبح إسحاق ، وقال ابن عباس بشر بإسحاق بعدما أمر بذبح إسماعيل ، وكان إسماعيل أكبر من إسحاق بثلاث عشرة سنة ثم قال عز وجل : { وَبَـٰرَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَىٰ إِسْحَـٰقَ } أي : على إبراهيم وعلى إسحاق ، وبركته النماء والزيادة في الأموال والأولاد فكان من صلبه ذرية لا تحصى { وَمِن ذُرّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ } مثل موسى وهارون وداود وسليمان وعيسى عليهم السلام ومؤمنو أهل الكتاب { وَظَـٰلِمٌ لّنَفْسِهِ مُبِينٌ } يعني : الذين كفروا بآيات الله عز وجل وروي عن ابن عباس أنه قال : قد رعي الكبش في الجنة أربعين خريفاً ، وقال بعضهم هي الشاة التي تقرب بها هابيل بن آدم عليهما السلام فتقبل منه قربانه ورفع إلى السماء حياً ، ثم جعل بدلاً عن ذبح إسماعيل أو إسحاق ويقال هي الشاة التي خلقها الله تعالى لأجله ، وقال بعضهم إنها وعلة من البر يعني بقرة وحش من البر جبلية .