Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 38, Ayat: 30-34)
Tafsir: Baḥr al-ʿulūm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَوَهَبْنَا لداود سُلَيْمَـٰنُ } يعني أعطينا لداود سليمان ، وروي عن ابن عباس أنه قال : أولادنا من مواهب الله عز وجل ثم قرأ و { يَهَبُ لِمَن يَشَآءُ إِنَـٰثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَآءُ ٱلذُّكُورَ } [ الشورى : 49 ] فوهب الله تعالى لداود سليمان { نِعْمَ ٱلْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ } يعني مقبلاً إلى طاعة الله تعالى قوله عز وجل { إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِٱلْعَشِىّ } يعني في آخر النهار { ٱلصَّـٰفِنَـٰتُ ٱلْجِيَادُ } يعني الخيل ، قال الكلبي ومقاتل : صفن الفرس ، إذا رفع إحدى رجليه ، فيقوم على طرف حافره ، وقال أهل اللغة : الصافن : الواقف من الخيل ، وفي الخبر " من أحب أن يقوم له الرجال صفوفاً فليتبؤ مقعده من النار " يعني يديمون له القيام ، والجياد : الحسان ، ويقال الإسراع في المشي ، وقال ابن عباس في رواية الكلبي إن أهل دمشق من العرب ، وأهل نصيبين جمعوا جموعاً وأقبلوا ليقاتلوا سليمان فقهرهم سليمان ، وأصاب منهم ألف فرس عراب فعرضت على سليمان الخيل ، فجعل ينظر إليها ويتعجب من حسنها ، حتى شغلته عن صلاة العصر ، وغربت الشمس ، ثم ذكرها بعد ذلك فغضب وقال : رُدُّوهَا عَلَىَّ فضرب بسوقها وأعناقها بالسيف حتى خر منها تسعمائة فرس ، وهي التي كانت عرضت عليه ، وبقيت مائة فرس لم تعرض عليه ، كما كان في أيدي الناس الآن من الجياد فهو من نسلها ، أي من نسل المائة الباقية ، قوله تعالى { فَقَالَ إِنّى أَحْبَبْتُ حُبَّ ٱلْخَيْرِ } يعني آثرت حب المال { عَن ذِكْرِ رَبِى } يعني عن الصلاة وهي صلاة العصر { حَتَّىٰ تَوَارَتْ بِٱلْحِجَابِ } يعني حتى غابت الشمس ، وهذا إضمار لما لم يسبق ذكره يعني ذكر الشمس لأن في الكلام دليلاً ، فاكتفى بالإشارة عن العبارة قوله عز وجل { رُدُّوهَا عَلَىَّ } يعني قال سليمان : ردوا الخيل عليّ فردت عليه { فَطَفِقَ مَسْحاً بِٱلسُّوقِ } يعني يضرب السوق وهو جماعة الساق { وَٱلأَعْنَاقِ } وهو جمع العنق ، وروي عن إبراهيم النخعي قال : كانت عشرين ألف فرس ، وقال السدي كانت خيل لها أجنحة ، وقال أبو الليث يجوز أن يكون مراده في سرعة السير كأن لها أجنحة ، وقال بعضهم كانت الجن والشياطين أخرجتها من البحر ، وقال عامة المفسرين في قوله { فَطَفِقَ مَسْحاً بِٱلسُّوقِ وَٱلأَعْنَاقِ } يعني فضرب سوقها وأعناقها ، وقال بعضهم : لم يعقر ولكن جعل على سوقهن وعلى أعناقهن سمة ، وجعلها في سبيل الله ، قال لأن التوبة لا تكون بأمر منكر ، ولكن الجواب عنه أن يقال له يجوز أن يكون ذلك مباحاً في ذلك الوقت ، وإنما أراد بذلك الاستهانة بمال الدنيا لمكان فريضة الله تعالى ، ثم قال عز وجل { وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَـٰنَ } ابتليناه { وَأَلْقَيْنَا عَلَىٰ كُرْسِيّهِ جَسَداً } يعني شيطاناً ، قال ابن عباس في رواية أبي صالح : إن سليمان أمر بأن لا يتزوج إلا من بني إسرائيل ، فتزوج امرأة من غير بني إسرائيل فعاقبه الله تعالى ، فأخذ شيطان يقال له صخر ، خاتمه وجلس على كرسيه أربعين يوماً ، وقد ذكرنا قصته في سورة البقرة { ثُمَّ أَنَابَ } يعني رجع إلى ملكه وأقبل على طاعة الله تعالى وقال الحسن في قوله تعالى { وَأَلْقَيْنَا عَلَىٰ كُرْسِيّهِ جَسَداً } قال شيطاناً ، وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال : سألت كعباً عن قوله : { وَأَلْقَيْنَا عَلَىٰ كُرْسِيّهِ جَسَداً } قال شيطاناً يعني أخذ خاتم سليمان الذي فيه ملكه فقذفه في البحر فوقع في بطن سمكة وانطلق سليمان يطوف فتصدق عليه بسمكة فشواها ليأكل فإذا فيها خاتمه ، وقال وهب بن منبه إن سليمان تزوج امرأة من أهل الكتاب ، وكان لها عبد فطلبت منه أن يجزرها لعبدها يعني ينحر الجزور ، فأجزرها ، فكره ذلك منه ، ثم ابتلي بالجسد الذي ألقي على كرسيه وروى معمر عن قتادة في قوله : { وَأَلْقَيْنَا عَلَىٰ كُرْسِيّهِ جَسَداً } قال كان الشيطان جلس على كرسيه أربعين ليلة ، حتى رد الله تعالى إليه ملكه ، وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله : { وَأَلْقَيْنَا عَلَىٰ كُرْسِيّهِ جَسَداً } قال شيطان يقال له صخر ، قال له سليمان يوماً : كيف تفتنون الناس ؟ فقال له : أرني خاتمك أخبرك ، فلما أعطاه إياه نبذه في البحر فذهب ملكه وقعد صخر على كرسيه ، ومنعه الله تعالى نساء سليمان فلم يقربهن ، فأنكرته أم سليمان ، أهو سليمان أم آصف فكان يقول : أنا سليمان ، فيكذبونه ، حتى أعطته امرأة يوماً حوتاً ، فوجد خاتمه في بطنه ، فرجع إليه ملكه ، ودخل صخر البحر فاراً ، وذكر شهر بن حوشب نحو هذا ، وقال لما جلس سليمان على سريره بعث في طلب صخر فأتي به ، فأمر به فقورت له صخرة وأدخله فيها ثم أطبق عليها وألقاه في البحر ، وقال هذا سجنك إلى يوم القيامة ، وقال بعضهم هذا التفسير الذي قاله هؤلاء الذين ذكروا أنه شيطان ، لا يصح ، لأنه لا يجوز من الحكيم أن يسلط شيطاناً من الشياطين على أحكام المسلمين ، ويجلسه على كرسي نبي من الأنبياء عليهم السلام ، ولكن تأويل الآية والله أعلم أن سليمان كان له ابن ، فجاء ملك الموت يوماً زائراً لسليمان فرآه ابنه ، فخافه وتغير لونه ، ومرض من هيبته ، فأمر سليمان عليه السلام الريح بأن تحمل ابنه فوق السحاب ليزول ذلك عنه ، فلما رفعته الريح فوق السحاب ودنا أجله ، فقبض ابنه وألقي على كرسيه فذلك قوله : { وَأَلْقَيْنَا عَلَىٰ كُرْسِيّهِ جَسَداً } يعني ابنه الميت قال والدليل على ذلك أن الجسد في اللغة هو الميت الذي لا يأكل الطعام والشراب ، كالميت ونحوه ، وذكر أن سليمان جزع على ابنه ، إذ لم يكن له إلا ابن واحد فدخل عليه ملكان ، فقال أحدهما : إن هذا مشى في زرعي فأفسده ، فقال له سليمان : لم مشيت في زرعه ؟ فقال : لأن هذا الرجل زرع في طريق الناس ، ولم أجد مسلكاً غير ذلك ، فقال سليمان للآخر : لم زرعت في طريق الناس ؟ أما علمت أن الناس لا بد لهم من طريق يمشون فيه ؟ فقال لسليمان صدقت ، لم ولدت على طريق الموت ، أما علمت أن ممر الخلق على الموت ، ثم غابا عنه ، فاستغفر سليمان فذلك قوله { ثُمَّ أَنَابَ } يعني تاب ورجع إلى طاعة الله عز وجل .