Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 4-6)
Tafsir: Baḥr al-ʿulūm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثم قال تعالى : { وَءاتُواْ ٱلنّسَاء صَدُقَـٰتِهِنَّ نِحْلَةً } يعني أعطوا النساء مهورهن فريضة . ويقال : ديانة ، كما يقال : فلان ينتحل [ إلى ] مذهب كذا ، أي يدين بكذا ، ويقال : نحلة ، أي صدقة وهبة ، لأن المهر نحلة من الله تعالى للنساء ، حيث لم يوجب عليهن وأوجب لهن . وقال في رواية الكلبي : إن أهل الجاهلية ، كان الولي إذا زوجها فإن كانت معهم في العشيرة لم يعطها من مهرها قليلاً ولا كثيراً ، وإن كانت غريبة حملوها على بعير إلى زوجها ، ولا يعطوها مهرها - غير ذلك البعير - شيئاً ، فنزل : قوله تعالى : { وَءاتُواْ ٱلنّسَاء صَدُقَـٰتِهِنَّ نِحْلَةً } ، يعني به الأولياء يعني أعطوهن مهورهن نحلة ، يقول : عطية لهن وقال في رواية مقاتل : كان الرجل يتزوج بغير مهر ، ويقول : أرثك وترثيني ، فنزلت الآية : وآتوا النساء ، يعني الأزواج ، صدقاتهن نحلة ، أي مهور النساء نحلة ، يعني فريضة { فَإِن طِبْنَ لَكُمْ } يا معشر الأزواج ، أي أحللن لكم ووهبن لكم . قال في رواية الكلبي ، يعني الأولياء ، إذا وهبت المرأة المهر للولي فذلك قوله : فإن طبن لكم { عَن شَيْءٍ مّنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً } أي طيباً لا إثم فيه { مَّرِيئاً } أي لا داء فيه . ويقال : هنيئاً مريئاً ، يعني حلالاً طيباً . وروي عن علي بن أبي طالب أنه قال : إذا كان أحدكم مريضاً ، فليسأل من امرأته ، درهمين من مهرها حتى تهب له بطيبة نفسها ، فيشتري بذلك عسلاً فيشربه مع ماء المطر فحينئذٍ قد اجتمع الهنيء ، والمريء ، والشفاء والماء المبارك ، يعني أن الله سبحانه تعالى سمى المهر هنيئاً مريئاً ، إذا وهبت وسمى العسل شفاء ، وسمى ماء المطر مباركاً ، فإذا اجتمعت هذه الأشياء يرجى له الشفاء ثم قال تعالى : { وَلاَ تُؤْتُواْ ٱلسُّفَهَاء أَمْوٰلَكُمُ } يعني النساء ، والأولاد الصغار يعني لا يجعل الرجل ماله في يدي امرأته وأولاده ، ثم يجعل نفسه محتاجاً إليهم ، فلا يدفع إليه عند حاجته . ويقال : لا تدفعوا أموالكم مضاربة ، ولا إلى وكيل لا يحسن التجارة . وروي عن عمر - رضي الله عنه - أنه قال : من لم يتفقه ، فلا يتجر في سوقنا ، فذلك قوله تعالى : { وَلاَ تُؤْتُواْ ٱلسُّفَهَاء أَمْوٰلَكُمُ } يعني الجهال بالأحكام . ويقال : لا تدفعوا إلى الكفار ، ولهذا كره علماؤنا أن يوكل المسلم ذمياً [ بالبيع والشراء ] أو يدفع إليه مضاربة . ثم قال تعالى : { ٱلَّتِي جَعَلَ ٱللَّهُ لَكُمْ قِيَـٰماً } يعني الأموال التي جعل الله قواماً لمعاشكم . ثم قال : { وَٱرْزُقُوهُمْ فِيهَا } يعني الأولاد الصغار أطعموهم { وَٱكْسُوهُمْ } من أموالكم ، وكونوا أنتم القوام على أموالكم ، { وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً } يعني إذا طلبوا منكم النفقة ، ولم يكن عندكم في ذلك الوقت شيء ، فعدوا لهم عدة حسنة ، أي سأفعل ذلك . ثم قال : { وَٱبْتَلُواْ ٱلْيَتَـٰمَىٰ } يعني : اختبروا اليتامى ، وجربوا عقولهم ، { حَتَّىٰ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ } يعني الحلم . ويقال : مبلغ الرجال { فَإِنْ آنَسْتُمْ مِّنْهُمْ رُشْداً } يقول : إذا رأيتم منهم رشداً وصلاحاً في دينهم ، وحفظاً لأموالهم { فَٱدْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوٰلَهُمْ } التي معكم { وَلاَ تَأْكُلُوهَا إِسْرَافاً } في غير حق { وَبِدَاراً } يعني مبادرة في أكله { أَن يَكْبَرُواْ } يعني مخافة أن يكبروا فيأخذوا أموالهم منكم . ثم قال : { وَمَن كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ } أي ليحفظ نفسه عن مال اليتيم { وَمَن كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِٱلْمَعْرُوفِ } وقد اختلف الناس في تأويل هذه الآية ، وقالوا فيها ثلاثة أقوال : قال بعضهم : يجوز للمعسر أن يأكل على قدر قيامه عليه ، وقال بعضهم : لا يجوز أن يأكل إلا على وجه القرض ويرد عليه إذا كبر وقال بعضهم : لا يجوز في الأحوال كلها . فأما من قال : إنه يجوز أكله على قدر قيامه ، فإنه احتج بما روي عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه قال : إني أنزلت مال الله مني بمنزلة مال اليتيم المراد منه بيت المال فمن كان غنياً فليستعفف ، ومن كان فقيراً فليأكل بالمعروف . وروي عن ابن عباس - رضي الله عنه - أن رجلاً سأله فقال : يا ابن عباس أتي إليّ بمواشي أيتام ، فهل عليَّ جناح إن أصبت من رسل مواشيهم ؟ قال ابن عباس : إن كنت تبغي ضالتها ، وتهنأ جرباها وتلوط حياضها ، ولا تفرط لها يوم وردها فلا جناح عليك إن أصبت من رسلها . وقال مجاهد : كان يقول من أدركت من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن للوصي أن يأكل بالمعروف مع اليتيم ، فإنه يحلب غنمه ، ويقوم على ماله ويحفظه وأما من قال : أنه يجوز أكله على وجه القرض ، احتج بما روي عن محمد بن سيرين أنه قال : سألت عبيدة السلماني عن قوله تعالى : { وَمَن كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِٱلْمَعْرُوفِ } ، قال : هو قرض ثم يرد عليه إذا كبر ، فقال : ألا ترى أنه قال في سياق الآية : { فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوٰلَهُمْ فَأَشْهِدُواْ عَلَيْهِمْ } . وقال أبو العالية : ما أكل فهو دين عليه ، وقال الشعبي مثله ، وأما من قال أنه لا يجوز أكله ، فلأن الله تعالى قال : { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَٰلَ ٱلْيَتَـٰمَىٰ ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِى بُطُونِهِمْ نَاراً } [ النساء : 10 ] وتلك الآية محكمة ، وهذه من المتشابهة لأنه يحتمل التأويل : إنهم يأكلون على وجه القرض أو على وجه الإباحة ، فيرد حكم المتشابه إلى المحكم . وقد قيل : إن هذه الآية منسوخة بتلك الآية . قال الفقيه - رحمه الله - : إذا كان الوصي فقيراً فأكل من مال اليتيم مقدار قيامه عليه ، أرجو أن لا بأس به ، لأن كثيراً من العلماء أجازوا ذلك والاحتراز عنه أفضل . قرأ نافع وابن عامر ( التي جعل الله لكم قيما ) بكسر القاف ونصب الياء بغير ألف ، والباقون بالألف ومعناهما قريب . وقال أهل اللغة : قياماً ، وقواماً ، وقيماً ، بمعنى واحد . وقوله تعالى : { فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوٰلَهُمْ } يعني إذا أدرك اليتامى ، ودفعتم إليهم أموالهم . { فَأَشْهِدُواْ عَلَيْهِمْ } على ذلك وإنما الإشهاد على معنى الاستحباب لنفي التهمة عن نفسه ، ولو لم يشهد على ذلك لجاز كقوله تعالى { وَأَشْهِدُواْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ } ثم قال : { وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ حَسِيباً } أي شهيداً في أمر الآخرة ، وأما في أمر الدنيا ينبغي أن يشهد العدول على ذلك لدفع القال عن نفسه ، لأن الله تعالى لا يشهد له في الدنيا .