Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 40, Ayat: 53-65)
Tafsir: Baḥr al-ʿulūm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَلَقَدْ ءاتَيْنَا مُوسَى ٱلْهُدَىٰ } يعني التوراة ، فيها هدى ونور من الضلالة { وَأَوْرَثْنَا بَنِى إِسْرٰءيلَ ٱلْكِتَـٰبَ } يعني أعطيناهم على لسان الرسل ، التوراة ، والإنجيل ، والزبور { هُدًى } أي بياناً من الضلالة ، ويقال فيه نعت محمد - صلى الله عليه وسلم - { وَذِكْرَىٰ لأُوْلِى ٱلأَلْبَـٰبِ } ، يعني عظة لذوي العقول { فَٱصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ } يعني اصبر يا محمد على أذى المشركين فإن وعد الله حق ، وهو ظهور الإسلام على الأديان كلها ، وفتح مكة { وَٱسْتَغْفِـرْ لِذَنبِكَ } وهذا قبل نزول قوله { لِّيَغْفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ } [ الفتح : 2 ] ويقال استغفر لذنبك أي لذنب أمتك { وَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ } أي صل بأمر ربك { بِٱلْعَشِىّ } أي صلاة العصر { وَٱلإبْكَـٰرِ } يعني صلاة الغداة ، ويقال : سبح الله تعالى ، واحمده بلسانك في أول النهار ، وآخره { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُجَـٰدِلُونَ فِى ءايَـٰتِ ٱللَّهِ } قال الكلبي ومقاتل يعني اليهود والنصارى كانوا يجادلون في الدجال ، وذلك أنهم كانوا يقولون إن صاحبنا يبعث في آخر الزمان وله سلطان فيخوض البحر ، وتجري معه الأنهار ، ويرد علينا الملك ، فنزل { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُجَـٰدِلُونَ فِى ءايَـٰتِ ٱللَّهِ } يعني في الدجال ، لأن الدجال آية من آيات الله { بِغَيْرِ سُلْطَـٰنٍ } أي بغير حجة { ءاتَـٰهُمُ } من الله { إِن فِى صُدُورِهِمْ إِلاَّ كِبْرٌ مَّـا هُم بِبَـٰلِغِيهِ } أي ما في قلوبهم إلا عظمة مَا هُم بِبَالِغِيهِ يعني ما هم ببالغي ذلك الكبر الذي في قلوبهم بأن الدجال منهم ، وقال القتبي : إِنْ في صُدُورِهِمْ إِلاَّ تكبراً على محمد - صلى الله عليه وسلم ، وطمعاً أن يغلبوه وما هم ببالغي ذلك ، وقال الزجاج : معناه وما هم ببالغي إرادتهم ، وإرادتهم دفع آيات الله ، وروى أبو جعفر الرازي عن الربيع عن أبي العالية قال : إن اليهود ذكروا الدجال وعظموا أمره فنزل { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُجَـٰدِلُونَ فِى ءايَـٰتِ ٱللَّهِ } يعني إن الدجال من آيات الله { فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ } من فتنة الدجال ، فإنه ليس ثم فتنة أعظم من فتنة الدجال { إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ } لقول اليهود { ٱلبَصِيرُ } يعني العليم بأمر الدجال ، ويقال السميع لدعائك ، البصير برد فتنة الدجال عنك { لَخَلْقُ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأَرْضِ أَكْـبَرُ مِنْ خَلْقِ ٱلنَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكْـثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } قال الكلبي ومقاتل : لَخَلْقُ السَّمَـٰوَاتِ وَالأَرْضِ أعظم من خلق الدجال ، ويقال لخلق السماوات والأَرض ، أعظم من خلق الناس بعد موتهم ، يعني أنهم يبعثون يوم القيامة { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } أن الدجال خلق من خلق الله ، ويقال لا يعلمون أن الله يبعثهم ولا يصدقون { وَمَا يَسْتَوِى ٱلأَعْمَىٰ وَٱلْبَصِيرُ } يعني الكافر والمؤمن في الثواب { وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ وَلاَ ٱلْمُسِىء } يعني لا يستوي الصالح مع الطالح { قَلِيـلاً مَّا تَتَذَكَّرُونَ } أي يتعظون ويعتبرون ، قرأ عاصم وحمزة والكسائي تَتَذَكَّرُونَ بالتاء على وجه المخاطبة ، والباقون بالياء يَتَذَكَّرُونَ على معنى الخبر عنهم ، وفي كلا القراءتين مَا للصلة والزينة { إِنَّ ٱلسَّاعَةَ لأَتِيَـةٌ لاَّ رَيْبَ فِيهَا } يعني قيام الساعة آتية لا شك فيها عند المؤمنين { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ } أي لا يصدقون الله تعالى { وَقَالَ رَبُّكُـمْ ٱدْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ } . قال الكلبي معناه : وحدوني أغفر لكم ، وقال مقاتل معناه : وقال ربكم لأهل الإيمان ادعوني أستجب لكم { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِى } أي عن توحيدي ، فلا يؤمنون بي ، ولا يطيعونني { سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دٰخِرِينَ } أي : صاغرين ، ويقال : { وَقَالَ رَبُّكُـمْ ٱدْعُونِى } يعني : الدعاء بعينه : { أَسْتَجِبْ لَكُمْ } يعني : أستجب دعاءكم ، وقال بعض المتأخرين معناه ادعوني بلا غفلة ، أستجب لكم بلا مهلة ، وقيل أيضاً ادعوني بلا جفاء ، أستجب لكم بالوفاء ، وقيل أيضاً : ادعوني بلا خطأ ، أستجب لكم مع العطاء ، وروى النعمان بن بشير عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال " إن الدعاء هو العبادة " ثُمَّ قرأ { وَقَالَ رَبُّكُـمْ ٱدْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِى سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دٰخِرِينَ } قرأ ابن كثير وعاصم في رواية أبي بكر ، وإحدى الروايتين عن أبي عمرو سَيُدخَلونَ بضم الياء ونصب الخاء على معنى فعل ما لم يسم فاعله ، وتكون جهنم مفعولاً ثانياً ، والباقون يدخلون بنصب الياء وضم الخاء على الإخبار عنهم بالفعل المستقبل ، على معنى سوف يدخلون { ٱللَّهُ ٱلَّذِى جَعَلَ لَكُمُ ٱللَّيْلَ } أي : خلق لكم الليل { لِتَسْكُنُواْ فِيهِ } أي لتستقروا فيه ، وتستريحوا فيه { وَٱلنَّهَـارَ مُبْصِـراً } أي : مضيئاً لابتغاء الرزق ، والمعيشة ، ويقال : مُبْصِـراً : معناه يبصر فيه { إِنَّ ٱللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلنَّاسِ } يعني : على أهل مكة بتأخير العذاب عنهم ، ويقال : لذوي فضل على الناس أي على جميع الناس بخلق الليل والنهار { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ } لربهم في النعمة فيوحدونه ، ويطيعونه { ذَلِكُـمُ ٱللَّهُ رَبُّـكُمْ } يعني : الذي خلق هذا هو ربكم { خَـٰلِقُ كُـلّ شَىْء لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ } أي : تصرفون ، وتحولون ، ويقال : { فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ } أي من أين تكذبون { كَذَلِكَ يُؤْفَكُ } أي : هكذا يكذب ، ويقال : هكذا يحول { ٱلَّذِينَ كَانُواْ بِـئَايَـٰتِ ٱللَّهِ يَجْحَدُونَ } ويقال هكذا يؤفك الذين كانوا من قبلهم { ٱللَّهُ ٱلَّذِى جَعَـلَ لَكُـمُ ٱلأَرْضَ قَـرَاراً } أي : بسط لكم الأرض وجعلها موضع قراركم { وَٱلسَّمَاء بِنَاء } أي : خلق السماء فوقكم مرتفعاً { وَصَوَّرَكُمْ } أي : خلقكم { فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ } ولم يخلقكم على صورة الدَّوابَ { فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ } أي أحكم خلقكم { وَرَزَقَكُم مّنَ ٱلطَّيّبَاتِ } أي الحلالات ، يقال اللذيذات { ذَلِكُـمُ ٱللَّهُ رَبُّـكُمْ } يعني : الذي خلق هذه الأشياء هو ربكم { فَتَـبَـٰرَكَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } أي فتعالى الله رب العالمين ، ويقال هو من البركة ، يعني البركة منه { هُوَ ٱلْحَىُّ } يعني : هو الحي الذي لا يموت ، ويميت الخلائق { لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ فَـٱدْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدّينَ } يعني : بالتوحيد { ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } يعني : قولوا الحمد لله رب العالمين الذي صنع لنا هذا .