Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 46, Ayat: 29-35)
Tafsir: Baḥr al-ʿulūm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى { وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مّنَ ٱلْجِنّ } وذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما بعث خرت الأصنام على وجوهها في تلك الليلة ، فصاح إبليس صيحة فاجتمع إليه جنوده فقال لهم : قد عرض أمر عظيم امضوا فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها ، يعني امشوا وانظروا ماذا حدث من الأمر ، وروى ابن عباس ، أنه لما بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - حيل بين الشياطين وبين السماء وأرسل عليهم الشهب ، فجاؤوا إلى إبليس فأخبروه بذلك ، قال هذا الأمر حادث اضربوا مشارق الأرض ومغاربها ، فجاء نفر منهم فوجدوا النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي تحت نخلة في سوق عكاظ ومعه ابن مسعود وأصحابه ، وكان يقرأ سورة طه في الصلاة ، وروى وكيع عن سفيان عن عاصم ، عن رجل ، عن زر بن حبيش في قوله تعالى : { وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مّنَ ٱلْجِنِّ } قال كانوا تسعة أحدهم زوبعة أتوه ببطن نخلة { يَسْتَمِعُونَ ٱلْقُرْءانَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُواْ أَنصِتُواْ } وروى عكرمة عن الزبير قال : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في العشاء الأخيرة ، فلما حضروا النبي - صلى الله عليه وسلم - قال بعضهم لبعض : أنصتوا للقرآن واستمعوا { فَلَمَّا قُضِىَ } يعني فرغ النبي - صلى الله عليه وسلم - من القراءة والصلاة { وَلَّوْاْ } يعني رجعوا { إِلَىٰ قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ } قال مقاتل يعني المؤمنين ، وقال الكلبي يعني مخوفين ، وقال مجاهد : ليس في الجن رسل ، وإنما الرسل في الإنس والنذارة في الجن ، ثم قرأ { فَلَمَّا قُضِىَ وَلَّوْاْ إِلَىٰ قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ } يعني أنذروا قومهم من الجن { قَالُواْ قومنا إِنَّا سَمِعْنَا } من محمد - صلى الله عليه وسلم - { كِتَـٰباً } يعني قراءة القرآن { أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَىٰ } يعني أنزل على النبي - صلى الله عليه وسلم - { مُصَدّقاً لّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ } يعني موافقاً لما قبله من الكتب { يَهْدِى إِلَى ٱلْحَقّ } يعني يدعو إلى توحيد الله تعالى من الشرك كما هو في سائر الكتب { وَإِلَىٰ طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ } لا عوج فيه ، يعني دين الله تعالى وهو الإسلام { يٰقَوْمَنَا أَجِيبُواْ دَاعِىَ ٱللَّهِ } يعني النبي - صلى الله عليه وسلم - وَآمِنُواْ بِهِ يعني صدقوا به وبكتابه { يَغْفِرْ لَكُمْ مّن ذُنُوبِكُمْ } وَمِنْ : صلة في الكلام ، يعني يغفر لكم ذنوبكم إن صدقتم وآمنتم { وَيُجِرْكُمْ مّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } يعني يؤمنكم من عذاب النار { وَمَن لاَّ يُجِبْ دَاعِىَ ٱللَّهِ } يعني من لم يجب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما يدعو إليه من الإيمان { فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِى ٱلأَرْضَ } يعني لا يستطيع أن يهرب في الأرض ، من عذاب الله تعالى ، ويقال معناه فلن يجد الله عاجزاً عن طلبه { وَلَيْسَ لَهُ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء } يعني ليس له أنصار يمنعونه مما نزل به من العذاب { أُوْلَـٰئِكَ فِى ضَلَـٰلٍ } يعني في خطأ { مُّبِينٌ } وذكر في الخبر : أنهم لما أنذرهم وخوفهم جاء جماعة منهم إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بمكة فلقيهم بالبطحاء ، فقرأ عليهم القرآن ، فأمرهم ونهاهم وكان معه عبد الله بن مسعود وَخَطَّ له النبي - صلى الله عليه وسلم - خطاً وقال له " لا تخرج من هذا الخط ، فإنك إنْ خَرَجْتَ لَنْ تَرَانِي إلى يَوم القيامة ، فلما رجع إليه قال : يا نبي الله سمعت هَدَّتين أي صوتين ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : أما إحداهما فإني سلمت عليهم فردوا عليَّ السلام ، وأما الثانية فإنهم سألوا الرزق فأعطيتهم عظماً رزقاً لهم ، وأعطيتهم روثاً رزقاً لدوابهم " ثم قال تعالى { أَوَ لَمْ يَرَوْاْ } يعني أو لم يعتبروا ويتفكروا ، ويقال أولم يخبروا { أَنَّ ٱللَّهَ ٱلَّذِى خَلَق ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ وَلَمْ يَعْىَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ } يعني : لم يعجز عن خلق السماوات والأرض ، فكيف يعجز عن بعث الموتى ، ويقال : { وَلَمْ يَعْىَ بِخَلْقِهِنَّ } يعني : لم يعيه خلقهن ، ولم يعي بخلقهن بِقَادِرٍ { عَلَىٰ أَن يُحْييِ ٱلْمَوْتَىٰ بَلَىٰ } لأنهم كانوا مقرين بأن الله هو الذي خلق السموات والأرض ، وكانوا منكرين للبعث بعد مماتهم ، فأخبرهم الله تعالى بأن الذي كان قادراً على خلق السماوات والأرض ، يكون قادراً على إحيائهم بعد الموت ، ثم قال { بَلَىٰ } يعني : هو قادر على البعث { إِنَّهُ عَلَىٰ كُلّ شَىْء قَدِيرٌ } من الإحياء والبعث { وَيَوْمَ يُعْرَضُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَلَى ٱلنَّارِ } يعني : يكشف الغطاء عنها ، ويقال يساق الذين كفروا إلى النار ، ويقال لهم { أَلَيْسَ هَـٰذَا بِٱلْحَقّ } يعني : أليس هذا العذاب الذي ترون حقاً وكنتم تكذبون به { قَالُواْ بَلَىٰ وَرَبّنَا } إنه الحق ، ( وَرَبّنَا ) هو الله ، ويقال : والله إنه لحق ، فيقرون حين لا ينفعهم إقرارهم ، قال فيقال لهم { قَالَ فَذُوقُواْ ٱلعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ } أي تجحدون { فَٱصْبِرْ } يا محمد يعني : اصبر على أذى أهل مكة وتكذيبهم { كَمَا صَبَرَ أُوْلُو ٱلْعَزْمِ مِنَ ٱلرُّسُلِ } يعني : أولو الحزم ، وهو أن يصبر في الأمور ، ويثبت عليها ، وذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أراد أن يدعو عليهم ، فأمره الله تعالى بالصبر كما صبر نوح ، وكما صبر إبراهيم وإسحاق ويعقوب ويوسف وغيرهم من الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين وقال السدي : أولو العزم : الذين أمروا بالقتال من الرسل ، وقال أبو العالية : أولو العزم من الرسل كانوا ثلاثة ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - رابعهم ، إبراهيم وهود ونوح ، فأمره الله تعالى أن يصبر كما صبروا وقال مقاتل : أولو العزم من الرسل اثني عشر نبياً في بيت المقدس ، فأوحى الله إليهم ثلاث مرات أن اخرجوا من بين أقوامكم ، فلم يخرجوا ، فقال الله تعالى يمضي العذاب عليكم مع قومكم ، فتشاوروا فاختاروا هلاك أنفسهم بينهم { وَلاَ تَسْتَعْجِل لَّهُمْ } يعني : لا تستعجل لهم بالعذاب { كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ } يعني : العذاب قد أتاهم من قريب في الآخرة ، فلقربه كأنهم يرونه في الحال ، ويقال : في الآية تقديم وتأخير ، كأنهم لم يلبثوا إلا ساعة في الدنيا ، يعني : إذا أتاهم ذلك اليوم يرون أنهم لم يلبثوا في الدنيا إلا القليل فذلك قوله : { لَمْ يَلْبَثُواْ إِلاَّ سَاعَةً مّن نَّهَارٍ } يعني : من نهار الدنيا ، ويقال يعني : في القبور ، وقال أبو العالية : معناه كأنهم يرون حين يظنون أنهم لم يلبثوا إلا ساعة من نهار ثم قال : { بَلاَغٌ } يعني : ذلك بلاغ وبلغه وأجل ، فإذا بلغوا أجلهم ذلك { فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلْفَـٰسِقُونَ } يعني هل يهلك في العذاب ، إذا جاء العذاب إلا القوم العاصون ، ويقال معناه : لا يهلك مع رحمة الله وفضله ، إلا القوم الفاسقون ، ويقال : بلاغ يعني : هذا الذي ذكر بلاغ أي تمام العظة ، ويقال هو من الإبلاغ ، أي هذا إرسال وبيان لهم كقوله { هَـٰذَا بَلَـٰغٌ لّلنَّاسِ } . والله أعلم ، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم .