Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 54-54)
Tafsir: Baḥr al-ʿulūm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ } قرأ نافع وابن عامر : ( ومن يرتدد منكم ) بالدالين وقرأ الباقون : بالدال الواحدة مع التشديد ، فأما من قرأ : يرتدد فهو الأصل في اللغة ، وروي عن أبي عبيدة أنه قال رأيت في مصحف عثمان بن عفان - رضي الله عنه - بالدالين ، وأما من قرأ : ( يرتد ) لأنه أدغم الدال الأولى في الثانية فأسكن الأولى ثم حرّك الثانية إلى النصب لالتقاء الساكنين ، قال ابن عباس : نزلت هذه الآية في شأن أهل الردة الذين ارتدوا على عهد أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - وذلك أن العرب ارتدوا ، وقالوا : نشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله فأما من نعطي من أموالنا بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلا ، وخرج مسيلمة الكذاب فغلب على اليمامة وامتنعوا فشاور أبو بكر - رضي الله عنه - أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - في قتالهم فقال أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وكيف نقاتل قوماً وهم يشهدون أن لا إله إلا الله ، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله ، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله تعالى " ، فقال أبو بكر الصديق : الزكاة من حقها ثم قال : والله لو منعوني عقالاً مما كانوا يؤدونه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقاتلتهم عليه . فاتفقت الصحابة على قول أبي بكر وجمعوا العسكر وجاءهم من قبل اليمن سبعة آلاف رجل ، واجتمع ثلاثة آلاف من أفناء الناس فخرجوا وأميرهم « خالد بن الوليد » وقاتلهم ، وخرج مسيلمة الكذاب مع أهل اليمامة واجتمع الأعراب معه وكان بينهم قتال شديد فقتل يومئذ من المسلمين مائة وأربعون رجلاً ومنهم « ثابت بن قيس بن شماس » ، « وسالم مولى أبي حذيفة » وغيرهما فكاد المسلمون أن ينهزموا كلهم حتى نصرهم الله وأظهرهم على أعدائه ، وقُتل مسيلمة الكذاب وأصحابه ، وتاب أهل الردة ، فذلك قوله تعالى : { فَسَوْفَ يَأْتِي ٱللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ } يعني : يحبون الله { أَذِلَّةٍ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ } يعني : رحيمة لينة على المؤمنين { أَعِزَّةٍ عَلَى ٱلْكَـٰفِرِينَ } يقول : شديدة غليظة { عَلَى ٱلْكَـٰفِرِينَ } يعني أهل اليمن . وروى أبو هريرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " أتاكم أهل اليمن هم أَلْيَنُ قلوباً وأرق أفئدة ، والإيمان يمان والحكمة يمانة " وروي عن علي - كرم الله وجهه - أنه قال : { فَسَوْفَ يَأْتِي ٱللَّهُ بِقَوْمٍ } يعني الجند من جنود الله مردا وعوناً للخليفة أبي بكر يحبهم الله كحب الوالد لولده أذلة على المؤمنين كالعبد لسيده { أَعِزَّةٍ عَلَى ٱلْكَـٰفِرِينَ } كالسبع على فريسته . ويقال : فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه هو أبو بكر وأصحابه . وقال الحسن : هو والله أبو بكر وأصحابه وقال الضحاك : هو أبو بكر وأصحابه لما ارتدت العرب جاهدهم حتى ردهم إلى الإسلام وهذا من شمائل أبي بكر حيث اتفقت الصحابة على رأيه وذكر أنه لما قبض النبي - صلى الله عليه وسلم - همَّ المنافقون أن يُظهروا كفرهم وتحير أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - عند ذلك حتى جاء عمر ، وصعد المنبر فقال : من قال إن محمداً قد مات فأنا أفعل به كذا وكذا بل هو حي حتى يخرج إليكم وقد وعدنا الله تعالى أن يظهره على الدين كله . فجاء أبو بكر فقال له : انزل يا عمر فصعد أبو بكر فقال : من كان يعبد محمداً - عليه السلام - فقد مات محمد - عليه السلام - ومن كان يعبد الله تعالى فهو حي لا يموت ومن أراد أن يرجع عن دينه فليس بيننا وبينه إلا السيف فخاف المنافقون فكتموا نفاقهم وقرأ : { إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيِّتُونَ } [ الزمر : 30 ] وقرأ : { وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ ٱلرُّسُلُ } [ آل عمران : 144 ] فقال عمر : كأني لم أكن سمعت هذه الآية . ثم اختلاف آخر كان في دفنه فقال أبو بكر : يدفن حيث مات ، فاتفقوا على قوله ثم اختلاف آخر كان في سقيفة بني ساعدة في الخلافة فاتفقوا على قوله ثم اختلاف أهل الردة وكلهم اتفقوا على قوله فذلك قوله تعالى : { يُجَـٰهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } يعني في طاعة الله { وَلاَ يَخَـٰفُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ } يعني لا يخافون ملامة الناس بما يعملون من الطاعات { ذٰلِكَ فَضْلُ ٱللَّهِ } يعني ذلك توفيق الله { يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء } يعني يوفق من يشاء ، ويقال ذلك دين الله الإسلام يهدي به من يشاء { وَٱللَّهُ وٰسِعٌ عَلِيمٌ } يعني واسع الفضل عليم بمن يصلح للهدى .