Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 76-79)
Tafsir: Baḥr al-ʿulūm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ ٱلَّيْلُ رَأَى كَوْكَباً قَالَ هَـٰذَا رَبِّي } وقال : هذا بغير فكرة ، فكان ذلك منه زلة ، ويقال إنما قال ذلك على سبيل الاستفهام أهذا ربي ؟ { فَلَمَّا أَفَلَ } يعني غاب الكوكب { قَالَ : لاَ أُحِبُّ ٱلأَفِلِينَ } يعني لا أحب ربنا يتغير عن حاله ويزول . { فَلَمَّا رَأَى ٱلْقَمَرَ بَازِغاً } يعني طالعاً ، ويقال : إن ذلك كان في وقت السحر وكان ذلك في آخر الشهر فرأى كوكباً يعني الزهرة حين طلعت وكان من أضوء الكواكب فلما ارتفع وطلع الفجر نقص ضوؤه قال لا أحب الآفلين ، يعني لا أحب ربنا يتغير ، فلما رأى القمر فرأى ضوءه أكثر { قَالَ هَـٰذَا رَبِّي } على سبيل الاستفهام { فَلَمَّا أَفَلَ } يعني نقص ضوؤه حين أسفر الصبح { قَالَ : لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأَكُونَنَّ مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلضَّالِّينَ } يعني لئن لم يحفظ ربي قلبي لقد كنت اتخذت إلهاً ما لم يكن إلهاً . { فَلَماَّ رَأَى ٱلشَّمْسَ بَازِغَةً } يعني طالعة قد ملأت كل شيء ضوءاً فــ { قَالَ : هَـٰذَا رَبِّي هَـٰذَا أَكْبَرُ } يعني أعظم ، وأكثر نوراً { فَلَمَّا أَفَلَتْ } يعني غربت علم أنه ليس بإله فجاءته أمه فقال لها : من ربي ؟ قالت : أنا قال : ومن ربك ؟ قالت : أبوك قال : ومن رب أبي ؟ قالت : نمرود بن كنعان قال : ومن ربه ؟ قالت له : اسكت فقال لها كيف هو ؟ هل يأكل ويشرب وينام ؟ قالت : نعم قال : هذا لا يصلح أن يكون رَبًّا وإلهاً ، فرجعت الأم إلى أب إبراهيم فأخبرته بالقصة فخرج إليه فسأله مثل ذلك ثم قال له في آخره : تعال حتى تعبد الذي خلقني وخلقك وخلق نمرود فغضب أبوه فرجع عنه ثم دخلت عليه رأفة الوالد لولده فرجع إليه وقال له : ادخل المِصْر لتكون معنا فدخل فرأى القوم يعبدون الأصنام فدَعَوْه إلى عبادة الأصنام فــ { قَالَ } لهم حينئذ : { يٰقَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مّمَّا تُشْرِكُونَ } فقيل له : من تَعْبُد أنت يا إبراهيم ؟ فقال : أعبد الله الذي خلقني وخلق السماوات والأرض فذلك قوله : { إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ } يعني أخلصت ديني وعملي { لِلَّذِي فَطَر ٱلسَّمَـٰوَاتِ } يعني خلق السماوات { وَٱلأَرْضَ حَنِيفاً } يقول : إني وجهت وجهي مخلصاً مستقيماً { وَمَا أَنَاْ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } على دينكم . ويقال : أن قوله : { هَـٰذَا رَبِّي } قال ذلك لقومه على جهة الاستهزاء بهم . كما قال : { بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَـٰذَا } [ الأنبياء : 63 ] . ويقال : أراد بهذا أن يستدرجهم فيظهر قبيح فعلهم وخطأ مذهبهم وجهلهم لأنهم كانوا يعبدون النجوم والشمس والقمر فلما رأى الكوكب قال لهم : هذا ربي ، وأظهر لهم أنه يعبد ما يعبدون فلما غاب الكوكب قال لهم : لا أحب الآفلين . فأخبرهم بأن الآفل لا يصلح أن يكون إلهاً . ثم قال في الشمس والقمر هكذا . كما روي عن عيسى - عليه السلام - أنه بعث رسولاً إلى ملك أرض فلما انتهى إليهم جعل يسجد ويصلي عند الصنم ويريهم أنه يعبد الصنم وهو يريد عبادة الله تعالى . ثم إن الملك ظهر له عدو ، فقالوا لهذا الرسول : أشر علينا بشيء في هذا الأمر ، فقال : نتشفع إلى هذا الذي نعبده ، فجعلوا يسجدون له ويتشفعون إليه فلا يسمعون منه جواباً ، فقالوا : إنه لا ينفعنا شيئاً . قال لهم : لم تعبدون من لا يدفع عنا ضراً ؟ ارجعوا حتى نعبد من ينفعنا فقالوا : لمن نعبد ؟ قال : لرب السماء فجعل يدعو ويدعون حتى فرّج الله عنهم فآمن به بعضهم . وكذلك ها هنا أراد إبراهيم - عليه السلام - أن يريهم قبح ما يعبدون من دون الله لعلهم يرجعون فلما لم يرجعوا قال { يٰقَوْمِ إِنِّي بَرِيء مِّمَّا تُشْرِكُونَ } . قرأ حمزة والكسائي : ( رأى كوكباً ) بكسر الراء والألف وهي لغة لبعض العرب والنصب أفصح .